الوظيفة عند العجز عن الوصول إلى الواقع ، ولم تكن واردةً في خصوص دوران الأمر بين الأقل والأكثر كما هو المفروض ، فلا يفيد الرجوع إليها لنفي وجوب الأكثر بعد حكم العقل بوجوب تحصيل الغرض وعدم العلم بترتبه على الأقل.
وأمّا الوجه الثاني : فلأنّ جريان البراءة عن الأكثر ـ اي عن تقييد الأقل بانضمام الأجزاء المشكوك فيها ـ لايثبت تعلّق التكليف بالأقل على نحو الاطلاق ، إلاّ على القول بالأصل المثبت ، لما ذكرناه مراراً (١) من أنّ التقابل بين الاطلاق والتقييد بحسب مقام الثبوت هو تقابل التضاد ، إذ الاطلاق بحسب مقام الثبوت عبارة عن لحاظ الطبيعة بنحو السريان واللا بشرط القسمي ، والتقييد عبارة عن لحاظها بشرط شيء ، والطبيعة الملحوظة بنحو لا بشرط مضادة مع الطبيعة الملحوظة بشرط شيء ، ومع كون التقابل بين الاطلاق والتقييد من تقابل التضاد لايمكن إثبات الاطلاق بنفي التقييد ، ومعه لاينحل العلم الاجمالي المقتضي لوجوب الاحتياط ، فلا تجري البراءة النقلية كما لا تجري البراءة العقلية. نعم ، بناءً على ما ذكرناه (٢) من أنّ انحلال العلم الاجمالي لا يحتاج إلى إثبات الاطلاق بل يكفيه جريان الأصل في أحد الطرفين بلا معارض ، جرت البراءة العقلية والنقلية في المقام بملاك واحد.
فتلخص ممّا ذكرناه : عدم صحّة التفكيك بين البراءة العقلية والنقلية في المقام ، فلا بدّ من القول بجريان البراءة عقلاً ونقلاً كما اختاره شيخنا الأنصاري قدسسره وهو الصحيح على ما تقدّم بيانه ، أو الالتزام بقاعدة الاشتغال وعدم جواز الرجوع إلى البراءة العقلية والنقلية.
__________________
(١) راجع على سبيل المثال محاضرات في اصول الفقه ١ : ٥٢٨ ـ ٥٢٩
(٢) في ص ٥٠٢