فلا إشكال في وجوب الاحتياط ، سواء قلنا بتنجيز العلم الاجمالي في التدريجيات أم لم نقل به ، والوجه فيه : أنّ كل معاملة يحتمل فيها الرِّبا مع قطع النظر عن العلم الاجمالي مورد للاحتياط لكون الشبهة حكمية ، ولا يجوز فيها الرجوع إلى البراءة قبل الفحص ، هذا من جهة الحكم التكليفي. وأمّا من جهة الحكم الوضعي ، فيحكم بالفساد في كل معاملة تقع في الخارج ، لأصالة عدم النقل والانتقال.
وتوهم جواز الرجوع إلى العمومات الدالة على صحّة كل معاملة ، كقوله تعالى : «أَوْفُوا بِالْعُقُودِ» (١) مدفوع بأنّ العمومات مخصّصة بالمعاملة الربوية ، فالشك في الصحّة والفساد إنّما هو من جهة الشك في الانطباق ، لا من جهة الشك في التخصيص ، وفي مثله لايمكن التمسك بالعموم كما هو ظاهر. هذا مضافاً إلى أنّ التمسك بالعموم أيضاً مشروط بالفحص ، كما أنّ الأمر كذلك في الرجوع إلى البراءة.
إذا عرفت ذلك فنقول : إنّ تدريجية أطراف العلم الاجمالي على أقسام :
القسم الأوّل : أن تكون مستندةً إلى اختيار المكلف مع تمكنه من الجمع بينها ، كما إذا علم بغصبية أحد الثوبين ، وكان متمكناً من لبسهما معاً ولكنّه اقترح لبس أحدهما في زمان ولبس الآخر في زمان متأخر. ولا إشكال في خروج هذا القسم عن محل الكلام ، فانّ العلم بالتكليف الفعلي مع تمكن المكلف من الموافقة القطعية والمخالفة القطعية يوجب التنجز على ما تقدّم بيانه.
القسم الثاني : أن تكون التدريجية مستندةً إلى عدم تمكن المكلف من الجمع بين الأطراف مع تمكنه من ارتكاب كل منها بالفعل مع ترك الآخر ، كما إذا علم
__________________
(١) المائدة ٥ : ١