بعضها ترجيح بلا مرجّح ، فلا مجال للقول بأنّ العموم أو الاطلاق حجّة في مدلوله ، ولا يرفع اليد عنهما إلاّبحجّة أقوى ، والعلم الاجمالي بارادة العموم في بعض الموارد ممّا لا أثر له ، إذ المفروض كون مفاد العموم حكماً ترخيصياً ، وقد تقدّم أنّه لا أثر للعلم الاجمالي فيما إذا لم يكن متعلقاً بحكم إلزامي. وهذا هو الفارق بين هذه الصورة والصورة السابقة ، فتعيّن العمل بالمخصص في جميع الأطراف ، للعلم الاجمالي بصدور جملة من المخصصات ، والمفروض كونه متعلقاً بحكم إلزامي ، فيجب الأخذ بالمخصص من باب الاحتياط ، ففي هذا الفرض لا تظهر ثمرة بين القول بحجّية الخبر والقول بوجوب العمل به من باب الاحتياط.
وأمّا إن كان مفاد كل من العام والخاص حكماً إلزامياً ، بأن يكون مفاد أحدهما الوجوب ومفاد الآخر الحرمة ، كما إذا كان مفاد العام وجوب إكرام العلماء ، ومفاد الخاص حرمة إكرام العالم الفاسق ، أو كان مفاد العام حرمة إكرام الكفار ومفاد الخاص وجوب إكرام الضيف منهم مثلاً ، فعلى القول بحجّية الأخبار لا إشكال في تقدّمها على العمومات وتخصيصها بها ، كما مرّ مراراً.
وأمّا على القول بوجوب العمل بها من باب الاحتياط ، فهل يجب العمل بالعام أو بالخاص أو يتخيّر؟ المتعيّن هو الثالث ، لعدم إمكان الاحتياط وتحصيل الامتثال القطعي ، إذ مورد اجتماع العام والخاص طرف لعلمين إجماليين ، يقتضي أحدهما الفعل والآخر الترك ، فانّ العلم الاجمالي بارادة العموم من بعض العمومات يقتضي الاحتياط بالفعل ، والعلم الاجمالي بصدور جملة من المخصصات يقتضي الترك كما في المثال الأوّل ، وينعكس الأمر في عكس ذلك كما في المثال الثاني. وعلى التقديرين لا يمكن الاحتياط بلحاظ كلا العلمين ، فيكون مخيراً بين الفعل والترك ، نظير دوران الأمر بين المحذورين ، فانّ العقل مستقل فيه بالتخيير.