وثانياً : أنّ التحقيق عكس ما ذكره قدسسره لأنّ تخصيص العمومات بالسيرة متوقف على حجّيتها المتوقفة على الامضاء ، فلا يكفي في التخصيص عدم ثبوت الردع على ما أفاده قدسسره بل لا بدّ من ثبوت عدم الردع فيكون التخصيص دورياً ، بخلاف الردع ، فانّه غير متوقف على ثبوت عدم التخصيص ، بل يكفيه عدم ثبوت التخصيص ، إذ العمومات حجّة ببناء العقلاء ما لم يثبت خلافها ، وعليه فالمتعين هو الالتزام بكون الآيات رادعة عن السيرة ، لا أنّ السيرة مخصصة للآيات.
وأمّا الوجه الثاني : ففيه أوّلاً : عدم حجّية الاستصحاب في الأحكام الكلّية على ما ذكر في محلّه (١) وثانياً : أنّ الآيات الناهية عن العمل بغير العلم رادعة عن الاستصحاب أيضاً ، فكل ما يقال في السيرة مع الآيات يجري في الاستصحاب معها أيضاً ، فلا وجه للتمسك بالاستصحاب بعد الالتزام بعدم صحّة كون السيرة مخصصة للآيات. وثالثاً : أنّ الدليل على حجّية الاستصحاب هي أخبار الآحاد وعمدتها صحاح زرارة (٢) ، فكيف يمكن التمسك على حجّية الأخبار بالاستصحاب المتوقف عليها. ورابعاً : أنّ التمسك بالاستصحاب إنّما يصح مع الغض عمّا تقدّم فيما إذا تمكّن الشارع من الردع قبل نزول الآيات ولو بيوم واحد ، فانّه حينئذ يستكشف من عدم الردع إمضاؤه لها ، وتثبت حجّية السيرة قبل نزول الآيات ، فصحّ الرجوع إلى استصحاب الحجّية الثابتة قبل نزول الآيات بعد فرض تساقط كل من السيرة والعمومات. وأمّا إذا لم يتمكن من ذلك كما هو الصحيح ، فانّه صلىاللهعليهوآله لم يكن متمكناً من الردع عن المحرّمات كشرب الخمر
__________________
(١) راجع الجزء الثالث من هذا الكتاب ص ٤٢
(٢) الوسائل ١ : ٢٤٥ / أبواب نواقض الوضوء ب ١ ح ١ ، الوسائل ٣ : ٤٦٦ / أبواب النجاسات ب ٣٧ ح ١ ، الوسائل ٨ : ٢١٦ و ٢١٧ / أبواب الخلل ب ١٠ ح ٣