وأما صيرورة الكلب ملحاً والعذرة الواقعة في البئر حمأة ، ففيه أيضاً قولان (١) ، وتوقّف بعضهم (٢) ، والأقرب الطهارة ، لعمومات ما دلّ على حلّيّة ما عدا أشياء مخصوصة ، ولضعف الاستصحاب لتبدل الحقيقة والاسم.
وهذا إنّما يتمّ لو فرض ماء المملحة كرّاً ، وإلّا فلا مطهّر للأرض والماء. وفي صورة الكريّة أيضاً يحتاج إتمام المطلب إلى اعتبار تعارض الاستصحابين في بعض الأحيان ، كما لو صار جميع الماء مع الكلب ملحاً ، فلم يعلم تقدّم استحالة الكلب على قصور الماء عن الكريّة بسبب استحالة بعضه ملحاً.
ومن هذا الباب استحالة النطفة حيواناً طاهراً ، والماء والعلف النجسين بولاً وروثاً لحيوان مأكول ، والدم النجس قيحاً ، ونحو ذلك.
وأما انتقال الدم إلى جوف البق والبعوض والقراد ونحو ذلك ، فالظاهر أنّه من أجل عدم صدق الاسم فقط ، فهو في العرف دم البق والقمل والبعوض والقراد مثلاً ، لا دم الإنسان ، ودم ما لا نفس له طاهر ، فالطهارة حينئذٍ إنّما هي لتغيّر الحكم بالشرع بسبب تغيّر الاسم يعني أنّ الشارع نصّ على تفاوت الحكم بتفاوت الاسمين ، وهذا غير تغيّر الحكم بمجرّد الاستحالة.
ويقع الإشكال في مثل العلق (٣).
وأما انقلاب الخمر خلاً ، ففي جعله من باب الاستحالة إشكال ، للتردد في تغيّر الحقيقة ، ولكنه لا إشكال في أصل الحكم ، للإجماع ، والأخبار المعتبرة المستفيضة.
ثم إنّه لا إشكال كما لا خلاف في حلّه إذا انقلب بنفسه ، وكذا لا إشكال إذا
__________________
(١) ذهب إلى القول بعدم الطهارة المحقّق في المعتبر ١ : ٤٥١ ، والعلامة في المنتهي ٢ : ٢٨٧ ، وإلى القول بالطهارة الكركي في جامع المقاصد ١ : ١٨١ ، وصاحب الحدائق ٥ : ٤٧٢.
(٢) القواعد ١ : ١٩٥.
(٣) العلق : جمع علقة ، وهي دودة في الماء تمصّ الدم (منه رحمهالله).