ودرّس بها وألّف كثيراً من كتبه بها ، حتّى أصبح من كبار المحققين وأفاضل المؤسسين ، وأعاظم الفقهاء المتبحّرين ، والجامعين ، المتفنّنين ، واشتهر أمره ، وطارَ ذِكره ، ولقّب بالمحقّق القمي ، فتوجّهت الناس إليه ، وكثُر الإقبال عليه ، ورجع إليه بالتقليد ، فنهض بأعباء الخلافة والزعامة ، قائماً بوظائف التصنيف والتأليف والتدريس ، وقد تخرّج على يده جماعة من أقطاب العلماء ورجال الدين والعمد والأركان لا يكاد يحصى عددهم ، ويروي عنه جماعة من الأعاظم ، ويأتي تفصيل ذلك.
كما ويعدّ الميرزا القمي حلقة الوصل بين تأسيس حوزة قم ، وبين تجديد حياتها على يد الفقيه الشيخ عبد الكريم الحائري.
علوّ همّته
إنّ من جملة ما يُحكى عن علوّ همّته في أمر الدراسة والمطالعة في أيام الاشتغال بالتحصيل أنه كان إذا غلبه النوم في أواخر الليل ، يضع سراجه تحت طاسة ، ثم يضع يديه عليها وجبهته الشريفة عليهما ويكتحل عليه بشيء من النوم بقدر ما تسخن الطاسة من حرارة وهج السراج ، فلا يطيق وضع يديه بعد ذلك عليها ؛ فأعظم به من احتمال المرارة والأذى ، ومخالفة النفس والهوى ، في مقام تأييد الدين المبين ، والمجاهدة في سبيل ربّ العالمين.
ونقل أيضاً أنّ الميرزا القمي لمّا عكفَ على تأليف كتاب القوانين المحكمة ومن جرّاء شدّة تعمّقه وتفكّره في مسائله وبذل الجهد فيه أُصيب بعد فراغه منه في سمعه الشريف ، وابتلي بثقل السامعة ، وثقيل آفة الصمم دون الخفيف.
ويذكر أنه لمّا فرغ من كتاب القوانين ذهبوا بنسخة منه إلى حضرة مولانا السيد مهدي بحر العلوم في النجف الأشرف على مشرّفها السلام ، فلمّا أن رآها المرحوم السيد وأحاط خُبراً ببعض مطاوي الكتاب بعد المطالعة ولم يعلم من هو مصنّفه ، فقال لمن جاء بالنسخة : يا هذا لاحظت هذا الكتاب ، ولم أدر ممن هو ، إلّا أنّ صاحبه قد