مشمولاً لدليل لا ضرر ، ومن المعلوم أنّ الحكم ببطلان الطهارة المائية الضررية الصادرة حال الجهل بكونها ضررية والأمر بالتيمم وباعادة العبادات الواقعة معها مخالف للامتنان ، فلا يشمله دليل لا ضرر ، بل الحكم بصحّة الطهارة المائية المذكورة وبصحّة العبادات الواقعة معها هو المطابق للامتنان.
ثمّ إنّ مجرد كون الوضوء الضرري مثلاً الصادر حال الجهل غير مشمول لدليل لا ضرر لا يكفي في الحكم بصحّته ، بل إثبات صحّته يحتاج إلى دليل من عموم أو إطلاق يشمله ، لأنّ عدم كونه مشمولاً لدليل لا ضرر عبارة عن عدم المانع من صحّته ، وعدم المانع لا يكفي في الحكم بالصحّة ، بل لا بدّ من إحراز المقتضي وشمول الأدلة ، وهذا يتوقف على أحد أمرين على سبيل منع الخلو ، الأوّل : أن لا يكون الاضرار بالنفس حراماً ما لم يبلغ حدّ التهلكة ، ولم يكن ممّا علم مبغوضيته في الشريعة المقدّسة كقطع بعض الأعضاء ونحوه. الثاني : أن لا يكون النهي المتعلق بالعنوان التوليدي سارياً إلى ما يتولد منه ، فانّ الاضرار بالنفس وإن فرض حرمته ، إلاّأنّ حرمته لا تسري بناءً على ذلك إلى الطهارة المائية التي يتولد منها الاضرار ، فلا مانع من الحكم بصحّتها وإن كان الاضرار المتولد منها حراماً. وأمّا إذا لم نقل بأحد الأمرين ، بأن قلنا بحرمة الاضرار بالنفس وبسراية الحرمة من الاضرار المسبّب من الطهارة المائية إلى السبب فتكون الطهارة المائية حينئذ حراماً ، وحرمتها مانعة عن اتصافها بالصحّة ، ولا يكون الجهل موجباً للتقرّب بما هو مبغوض واقعاً.
ولذا ذكرنا في بحث اجتماع الأمر والنهي أنّه بناءً على الامتناع وتقديم جانب النهي يحكم بفساد العبادة ولو في حال الجهل (١) وما ذكره الفقهاء من الحكم
__________________
(١) محاضرات في اصول الفقه ٣ : ٤٣٥ ، الدراسات ٢ : ١١٣