إليه بعد الفحص ، بل ربّما يؤدّي فحصه إلى خلافه ، فهل يستحقّ العقاب على مخالفة الواقع أم لا؟ وجهان بل قولان.
ولا يخفى أنّ استحقاق العقاب من جهة التجري وعدم الفحص مبني على ما تقدّم الكلام فيه في مبحث التجري (١) ، فمحل الكلام فعلاً إنّما هو استحقاق العقاب على مخالفة الواقع ، فالتزم المحقق النائيني (٢) قدسسره باستحقاق العقاب ، بدعوى أنّ مخالفة الواقع ما لم تكن مقرونة بالمؤمّن شرعاً أو عقلاً موجبة لاستحقاق العقاب. والمقام كذلك لأنّ المفروض عدم جريان البراءة الشرعية ولا العقلية قبل الفحص على ما تقدّم بيانه (٣).
وقد ذكرنا في الدورة السابقة أنّه يمكن الالتزام بعدم استحقاق العقاب لجريان قاعدة قبح العقاب بلا بيان ، إذ المراد بالبيان جعل التكليف في معرض الوصول على ما تقدّم بيانه ، فمع عدم تمكن المكلف من الوصول إليه كان البيان غير تام من قبل الشارع ، ومعه يستقل العقل بقبح العقاب ، فتكون مخالفة الواقع حينئذ مقرونة بالمؤمّن العقلي ، غاية الأمر أنّ المكلف غير ملتفت إلى عدم تمامية البيان من قبل المولى وكان يحتملها فتجرّى واقتحم الشبهة بلا فحص ، فلو كان مستحقاً للعقاب ، فانّما هو على التجري لا على مخالفة الواقع ، لأنّ الواقع ممّا لم تقم الحجّة عليه ، فيكون العقاب عليه بلا بيان.
ولكن التحقيق هو التفصيل في المقام بأن يقال : إن بنينا على وجوب الفحص لآية السؤال والأخبار الدالة على وجوب التعلّم وتحصيل العلم بالأحكام (٤)
__________________
(١) راجع ص ١٧ وما بعدها
(٢) أجود التقريرات ٣ : ٥٦٦ ، فوائد الاصول ٤ : ٢٨٧ و ٢٨٨
(٣) راجع ص ٥٦٦ وما بعدها
(٤) كما تقدّم في ص ٥٧١