الابتلاء ، أو يجب بمجرّد احتمال الابتلاء؟ وجهان بل قولان.
المشهور بينهم بل المتسالم عليه هو الثاني. وربّما يقال بالأوّل تمسّكاً باستصحاب عدم الابتلاء ، وبعد إحراز عدم الابتلاء ولو بالتعبد لا يجب التعلّم.
وردّ هذا الاستصحاب بوجهين :
الأوّل : أنّ أدلة الاستصحاب لا تشمل المقام ، بدعوى أنّها لا تشمل إلاّ الامور الماضية المتعلق بها اليقين السابق والشك اللاحق ، فعدم الابتلاء في المستقبل لا يكون مشمولاً لأدلة الاستصحاب.
وفيه : أنّ الميزان في جريان الاستصحاب إنّما هو تقدّم زمان المتيقن على زمان المشكوك فيه ، من دون فرق بين الامور الماضية والاستقبالية ، على ما سيجيء الكلام فيه في بحث الاستصحاب (١) إن شاء الله تعالى. ولذا بنينا على ذلك فروعاً كثيرة منها : جواز البدار في أوّل الوقت لذوي الأعذار تمسّكاً باستصحاب بقاء عذره إلى آخر الوقت.
الثاني : ما ذكره المحقق النائيني (٢) قدسسره وهو أنّ جريان الاستصحاب متوقف على كون الواقع المشكوك فيه بنفسه أثراً شرعياً أو ذا أثر شرعي. وأمّا إذا لم يكن كل من الأمرين ، ولم يكن أثر شرعي في البين ، أو كان الأثر مترتباً على نفس الشك دون الواقع ، فلا معنى لجريان الاستصحاب. والمقام من هذا القبيل ، لأنّ وجوب التعلّم من باب وجوب دفع الضرر المحتمل بحكم العقل مترتب على احتمال الابتلاء لا على واقع الابتلاء ، ليتمسّك بالاستصحاب لاحراز عدمه.
__________________
(١) راجع الجزء الثالث من هذا الكتاب ، ص ١٠٦ / التنبيه الأوّل من تنبيهات الاستصحاب
(٢) أجود التقريرات ١ : ٢٣١ ، فوائد الاصول ١ : ٢٠٧ و ٢٠٨