بالنسبة إلى شخصٍ لا حرج عليه ، وسيجيء (١) تفصيل الكلام في ذلك عند التعرّض لقاعدة نفي الضرر إن شاء الله تعالى.
وتوهّم عدم شمول أدلة نفي الحرج لمثل المقام ممّا كان العسر في تحصيل الموافقة القطعية لا في متعلق التكليف نفسه ، بدعوى أنّها ناظرة إلى أدلة الأحكام الأوّلية الثابتة بجعل الشارع ، ومخصّصة لها بما إذا لم يكن متعلقها حرجياً ، وليست ناظرة إلى الأحكام الثابتة بحكم العقل ، والمفروض فيما نحن فيه عدم الحرج في الاتيان بمتعلق التكليف الشرعي وإنّما الحرج في تحصيل الموافقة القطعية الواجبة بحكم العقل ، فالأدلة المذكورة لا تدل على نفي وجوبها.
مدفوع بأنّ أدلة نفي الحرج وإن كانت ناظرةً إلى الأحكام الشرعية لا الأحكام العقلية ، إلاّ أنّها ناظرة إلى مقام الامتثال ، بمعنى أنّ كل حكم كان امتثاله حرجاً على المكلف فهو منفي في الشريعة ، فانّ جعل الحكم وإنشاءه إنّما هو فعل المولى ، ولا يكون حرجاً على المكلف أبداً ، وحينئذ فإن كان إحراز امتثال التكليف المعلوم بالاجمال حرجاً على المكلف ، كان التكليف المذكور منفياً في الشريعة بمقتضى أدلة نفي الحرج ، فلا يبقى موضوع لحكم العقل بوجوب الموافقة القطعية.
الخامس : رواية الجبن (٢) المدّعى ظهورها في عدم تنجيز العلم الاجمالي عند كون الشبهة غير محصورة. وفيه أوّلاً : أنّ الرواية ضعيفة من حيث السند ،
__________________
(١) في ص ٦٢٠
(٢) وهي رواية أحمد بن أبي عبدالله البرقي عن أبيه عن محمّد بن سنان عن أبي الجارود قال : «سألت أبا جعفر عليهالسلام عن الجبن ، فقلت له : أخبرني من رأى أنّه يجعل فيه الميتة؟ فقال عليهالسلام : أمن أجل مكان واحد يجعل فيه الميتة حرم في جميع الأرضين ...» الوسائل ٢٥ : ١١٩ / أبواب الأطعمة المباحة ب ٦١ ح ٥