وقيل : معناه : لا ينقصان في نفس الأمر ، لكن ربما حال دون رؤية الهلال مانع. وهذا أشار إليه ابن حبّان أيضا. قال ابن حجر : ولا يخفى بعده!
وقيل : معناه : لا ينقصان معا في سنة واحدة ، على طريق الأكثر الأغلب ، وإن ندر وقوع ذلك. قال ابن حجر : وهذا أعدل ممّا تقدّم ، لأنّه ربما وجد وقوعهما ووقوع كلّ منهما تسعة وعشرين.
قال الطحاوي : الأخذ بظاهر الحديث أو حمله على نقص أحدهما ، يدفعه العيان ، لأنّا قد وجدناهما ينقصان معا في أعوام.
قال الزين بن المنير : لا يخلو شيء من هذه الأقوال عن الاعتراض ، وأقربها أنّ المراد : أنّ النقص الحسّيّ باعتبار العدد ، ينجبر بأنّ كلّا منهما شهر عيد عظيم (١) ، فلا ينبغي وصفهما بالنقصان ، بخلاف غيرهما من الشهور. قال ابن حجر : وحاصله يرجع إلى تأييد قول إسحاق.
وقال البيهقي ـ في المعرفة ـ : إنّما خصّهما بالذكر ، لتعلّق حكم الصوم والحجّ بهما. قال ابن حجر : وبه جزم النووي وقال : إنّه الصواب المعتمد (٢) ، والمعنى : أنّ كلّ ما ورد عنهما من الفضائل والأحكام حاصل ، سواء كان رمضان ثلاثين أو تسعا وعشرين ، سواء صادف الوقوف اليوم التاسع أو غيره. ولا يخفى أنّ محلّ ذلك ما إذا لم يحصل تقصير في ابتغاء الهلال ، وفائدة الحديث رفع ما يقع في القلوب من شكّ لمن صام تسعا وعشرين أو وقف في غير يوم عرفة ، وقد استشكل بعض العلماء إمكان الوقوف في الثامن ، اجتهادا! وليس مشكلا ، لأنّه ربما ثبتت الرؤية بشاهدين أنّ أوّل ذي الحجّة الخميس مثلا ، فوقفوا يوم الجمعة ، ثمّ تبيّن أنّهما شهدا زورا!
وقال الطيّبي : ظاهر سياق الحديث بيان اختصاص الشهرين بمزيّة ليست في غيرهما من
__________________
(١) غير خفيّ أنّ عيد الفطر من شوّال لا رمضان! قال ابن حجر : أطلق على رمضان أنّه شهر عيد ، لقربه من العيد ، أو لكون هلال العيد ربّما رؤي في اليوم الأخير من رمضان. قاله الأثرم. والأوّل أولى. ونظيره قوله صلىاللهعليهوآلهوسلم : «المغرب وتر النهار» أخرجه الترمذي (٢ : ٣٢ ومسند أحمد ٢ : ٣٠). وصلاة المغرب ليليّة جهريّة ، وأطلق كونها وتر النهار لقربها منه. وفيه إشارة إلى أنّ وقتها يقع أوّل ما تغرب الشمس. (فتح الباري ٤ : ١٠٨). ولا يخفى تكلّفه في هذا التأويل!
(٢) ذكر النووي ثلاثة أقوال وضعف الثالث ، ثمّ قال : والأوّل هو الصواب المعتمد. ومعناه : أنّ قوله صلىاللهعليهوآلهوسلم : من صام رمضان إيمانا واحتسابا ، غفر له ما تقدّم من ذنبه. وقوله صلىاللهعليهوآلهوسلم : من قام رمضان إيمانا واحتسابا ، وغير ذلك ، فكلّ هذه الفضائل تحصل ، سواء تمّ العدد أم نقص. (النووي بشرح مسلم ٧ : ١٩٩).