قال تعالى :
(يا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا كُلُوا مِنْ طَيِّباتِ ما رَزَقْناكُمْ وَاشْكُرُوا لِلَّهِ إِنْ كُنْتُمْ إِيَّاهُ تَعْبُدُونَ (١٧٢) إِنَّما حَرَّمَ عَلَيْكُمُ الْمَيْتَةَ وَالدَّمَ وَلَحْمَ الْخِنْزِيرِ وَما أُهِلَّ بِهِ لِغَيْرِ اللهِ فَمَنِ اضْطُرَّ غَيْرَ باغٍ وَلا عادٍ فَلا إِثْمَ عَلَيْهِ إِنَّ اللهَ غَفُورٌ رَحِيمٌ (١٧٣))
هنا وبعد أن وجّه دعوته إلى الناس جميعا ، ليتمتّعوا بالحلال من العيشة الطيّبة ، وأن يبتعدوا عن اتّباع خطوات الشيطان الآخذة في مسيرة الضلال .. بعد ذلك يأتي دور توجيه الخطاب إلى الجماعة المسلمة ، فليعلموا أنّ الحلال من العيش ما أحلّته الشريعة ، والحرام ما حرّمه الله بالنصّ والتعيين ، لا الأهواء والمعاذير الكاذبة الّتي كان يرتكبها اليهود ومن حذا حذوهم من المشركين.
يقول تعالى : (يا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا) خاطبهم بالصفة الّتي تربطهم بالله سبحانه ، وتوحي إليهم أن يتلقّوا منه الشرائع ، ويذكّرهم بما أنعم عليهم من طيّبات الرزق ، ولم يمنعهم طيّبا من الطيّبات ، وأنّه إذا حرّم عليهم شيئا فلأنّه غير طيّب ، لا لشيء سواه. وعليه ، فكلوا من رزق الله واشكروا له. لأنّ الله يحبّ أن يؤخذ برخصه ، كما يحبّ أن يؤخذ بعزائمه .. كما في الحديث (١). والأخذ بالرّخص والعزائم ، دليل على الإيمان الصادق والاستسلام لوجهه تعالى الكريم.
ومن ثمّ قال : (إِنْ كُنْتُمْ إِيَّاهُ تَعْبُدُونَ) يعني : هذا دليل صدق نيّاتكم.
نعم (إِنَّما حَرَّمَ عَلَيْكُمُ الْمَيْتَةَ وَالدَّمَ وَلَحْمَ الْخِنْزِيرِ وَما أُهِلَّ بِهِ لِغَيْرِ اللهِ) أي قدّم قربانا لغير الله من الأصنام وغيرها.
والميتة هي : كلّ حيوان مات من غير تذكية شرعيّة.
والدم المتميّز عن اللحم ، فإنّ ما يختلط باللحم معفوّ عنه.
ولحم الخنزير وشحمه أيضا وجميع أجزائه ، وخصّ اللحم بالذكر ، لأنّه أظهر الأجزاء الّتي
__________________
(١) المرويّ عن رسول الله صلىاللهعليهوآلهوسلم قال : «إنّ الله يحبّ أن يؤخذ برخصه كما يحبّ أن يؤخذ بعزائمه». رواه النعماني في باب ما ورد من صنوف آيات القرآن. (راجع : البحار ٩٠ : ٢٩ ـ ٣٠).