إنّي وجدت كتاب الله قبل كتاب معاوية .. ثمّ نادى في الناس : أن اغدوا على غنائمكم ، فأخذ الخمس وقسّم الباقي على المسلمين ، ثمّ دعا الله أن يميته ، فما جمع حتّى مات ـ رحمة الله عليه ـ (١).
قلت : ولعلّك ـ أيّها القارىء النبيه في غنى عن مقايسة موضع معاوية هذا الهابط ، مع موضع الإمام أمير المؤمنين عليهالسلام المتصاعد إلى قمّة الكمال! نعم ، وكلّ إناء بالذي فيه ينضح!
هناك من الأئمّة ، أئمّة هدى يهدون بأمره تعالى (٢). وأئمّة ضلال يدعون إلى النار (٣). (قُلْ كُلٌّ يَعْمَلُ عَلى شاكِلَتِهِ فَرَبُّكُمْ أَعْلَمُ بِمَنْ هُوَ أَهْدى سَبِيلاً)(٤).
موضع العقل من الشريعة الغرّاء
هناك عقد ثقة الإسلام محمّد بن يعقوب الكلينى بابا (٥) ـ في الكافي الشريف ـ جمع فيه غررا ودررا من كلام أئمّة أهل البيت عليهمالسلام تنبؤك عن شرف العقل ومنزلته الرفيعة في الشريعة الغرّاء ، نذكر منها :
[٢ / ٤٢٩٩] روى بإسناده إلى محمّد بن مسلم عن الإمام أبي جعفر الباقر عليهالسلام قال : «لمّا خلق الله العقل استنطقه ثمّ قال له : أقبل فأقبل ثمّ قال له : أدبر فأدبر ، ثمّ قال : وعزّتي وجلالي ما خلقت خلقا هو أحبّ إليّ منك ، ولا أكملتك إلّا فيمن أحبّ ، أما إنّي إيّاك آمر وإيّاك أنهى وإيّاك أعاقب وإيّاك أثيب».
تلك مسرحيّة تبدّى فيها موضع العقل من حياة الإنسان الدينيّة الكريمة ، وقد كان العقل (القدرة على التفكير والاستنتاج والإبداع) هي ميزة الإنسان الّتي فصلته عن سائر الحيوان ، وكانت هي ملاك التكليف والاعتبار والاختبار في حياة الإنسان الرفيعة أو الوضيعة. (وَنَفْسٍ وَما سَوَّاها. فَأَلْهَمَها فُجُورَها وَتَقْواها. قَدْ أَفْلَحَ مَنْ زَكَّاها. وَقَدْ خابَ مَنْ دَسَّاها)(٦).
__________________
(١) شرح النهج لابن أبي الحديد ١١ : ٣٢ ـ ٣٧.
(٢) الأنبياء ٢٢ : ٧٣.
(٣) القصص ٢٨ : ٤١.
(٤) الإسراء ١٧ : ٨٤.
(٥) كتاب العقل والجهل من الكافي ١ : ١٠ ـ ٢٩.
(٦) الشمس ٩١ : ٧ ـ ١٠.