قال تعالى :
(يا أَيُّهَا النَّاسُ كُلُوا مِمَّا فِي الْأَرْضِ حَلالاً طَيِّباً وَلا تَتَّبِعُوا خُطُواتِ الشَّيْطانِ إِنَّهُ لَكُمْ عَدُوٌّ مُبِينٌ (١٦٨) إِنَّما يَأْمُرُكُمْ بِالسُّوءِ وَالْفَحْشاءِ وَأَنْ تَقُولُوا عَلَى اللهِ ما لا تَعْلَمُونَ (١٦٩) وَإِذا قِيلَ لَهُمُ اتَّبِعُوا ما أَنْزَلَ اللهُ قالُوا بَلْ نَتَّبِعُ ما أَلْفَيْنا عَلَيْهِ آباءَنا أَوَلَوْ كانَ آباؤُهُمْ لا يَعْقِلُونَ شَيْئاً وَلا يَهْتَدُونَ (١٧٠) وَمَثَلُ الَّذِينَ كَفَرُوا كَمَثَلِ الَّذِي يَنْعِقُ بِما لا يَسْمَعُ إِلاَّ دُعاءً وَنِداءً صُمٌّ بُكْمٌ عُمْيٌ فَهُمْ لا يَعْقِلُونَ (١٧١))
وهنا يمضي السياق لترسيم منهج الحياة الكريمة ، التمتّع بالحياة في شتّى أنحائها ، لكن على قيد أن يكون على الوجه الطيّب الحلال ، لا الوجهة الخبيثة الممنوعة في شريعة العقل الرشيد.
ففي هذه الآيات الكريمة بيان عام : أنّ ما خلقه الله على هذه البسيطة وجعله في متناول الإنسان ، فهو من الحلال الذاتي في أصله ، الأمر الّذي يدلّنا على أصالة الحلّيّة وأصل إباحة الأشياء ، ما لم ينه عنه ، وقد بحثنا عن هذا الأصل فيما سبق (ذيل الآية ٢٢) واستوفينا الكلام فيه حسب مباني علم الأصول.
[٢ / ٤٢٣٩] أخرج أحمد والنسائي عن عياض بن حمّاد ، قال : قال رسول الله صلىاللهعليهوآلهوسلم : يقول الله تعالى : «إنّ كلّ مال منحته عبادي فهو لهم حلال» (١).
أمّا القيد ، فهو الانتهاج على المنهج السويّ ، من غير حياد عن جادّة الحقّ والعدل والإنصاف .. فليكن الانتهاج وفق ما ترسمه شريعة الله ، لا ما يرسمه الشيطان وهوى النفس ، والنفس أمّارة بالسوء ، وباعثة على التعدّي والتجاوز بحقوق الآخرين ، وربما في تلوّ خبيث يرفقه التجديف على الله والافتراء عليه ، تبريرا لمواقفه السوء.
(وَ) من ثمّ (إِذا قِيلَ لَهُمُ اتَّبِعُوا ما أَنْزَلَ اللهُ) أي ما رسمته شريعة الله (قالُوا بَلْ نَتَّبِعُ ما أَلْفَيْنا عَلَيْهِ آباءَنا) أي نتّبع طريقة أسلافنا باعتبارهم قدوة للأخلاف ، وهذا من التقليد الأعمى ، بل محاولة
__________________
(١) مسند أحمد ٤ : ١٦٢ ؛ النسائي ٥ : ٢٦ / ٨٠٧٠.