قولها : «فسقطت ...» يشي بتحريف أثيم حصل بعد. الأمر الّذي تأباه طبيعة القرآن المصونة عن تناول أيدى المبطلين. فلعلّ الأمر قد اشتبه عليها فحسبت من التفسير نصّا ، نظير ما حسبته من تشريع الرضعات آية قرآنيّة أكلها داجن البيت؟!
وعبثا حاول بعضهم تأويل مثل ذلك إلى كونه من منسوخ التلاوة أو الإنساء (١) وقد أسلفنا الكلام فيهما عند مباحثنا عن مسألة «صيانة القرآن من التحريف».
[٢ / ٤٨١٣] وأخرج وكيع وابن أبي حاتم عن أبي هريرة ، أنّ امرأة سألته : كيف تقضي رمضان؟ فقال : صومي كيف شئت وأحصي العدّة ، فإنّما (يُرِيدُ اللهُ بِكُمُ الْيُسْرَ وَلا يُرِيدُ بِكُمُ الْعُسْرَ)(٢).
قوله تعالى : (يُرِيدُ اللهُ بِكُمُ الْيُسْرَ وَلا يُرِيدُ بِكُمُ الْعُسْرَ)
تعليل لطيف لرخصه تعالى بشأن هذه الأمّة ، حيث السهولة والسماح في شريعتها بصورة عامّة ، وذلك بفضل عنايته تعالى بشأن عباده المؤمنين.
[٢ / ٤٨١٤] روى الشيخ أبو جعفر الطوسي بالإسناد إلى أبي أسود الدّئلي عن أبي ذرّ ـ رضوان الله عليه ـ قال : قال رسول الله صلىاللهعليهوآلهوسلم ـ : «بعثت بالحنيفيّة السّمحة ...» (٣).
[٢ / ٤٨١٥] وروى أبو جعفر البرقي بالإسناد إلى أبي عبد الله عليهالسلام قال : «إنّ الله ـ تبارك وتعالى ـ أعطى محمّدا شرائع نوح وإبراهيم وموسى وعيسى عليهمالسلام : التوحيد ، والإخلاص ، وخلع الأنداد ، والفطرة الحنيفيّة (٤) السّمحة ، لا رهبانيّة ولا سياحة (٥). أحلّ فيها الطيّبات ، وحرّم فيها الخبيثات ، ووضع عنهم إصرهم والأغلال الّتي كانت عليهم ، فعرف فضله بذلك» (٦).
__________________
(١) قال البيهقي ـ بعد نقل كلامها ـ : أي فنسخت. يعني : نسخ التلاوة. وهو باطل بالإجماع. راجع : الجزء الثامن من التمهيد : ٢٤ ـ ٣٣.
(٢) الدرّ ١ : ٤٦٣ ؛ ابن أبي حاتم ١ : ٣١٣ / ١٦٦١.
(٣) الأمالي ٢ : ١٤١ ، مجلس يوم الجمعة ٤ / المحرم / ٤٥٧ ، في وصيّته صلىاللهعليهوآلهوسلم لأبي ذرّ ؛ البحار ٧٩ : ٢٣٣ / ٥٨ و ٨٧ : ٣٣٣ / ٢.
(٤) أي الفطرة المستقيمة ، المائلة عن كلّ زيف وحيف.
(٥) الرهبانيّة : الاعتزال عن الجماعة إلى الإنزواء للعبادة. والسياحة الممقوتة هنا هي الّتي يدور صاحبها في البلاد للاستجداء والتكدّي. تاركا الاشتغال بالكسب والتجارة والارتزاق بجهد العمل. واصطلح أخيرا تسميتهم بالدراويش.
(٦) المحاسن ١ : ٢٨٧ / ٤٣١ ؛ البحار ١٦ : ٣٣٠ / ٢٦ و ٦٥ : ٣١٧ / ١ ، باب ٢٦.