الاتّصال. فالشهوة في نفس الشابّ للشيطان كالحلفاء اليابسة للنار ، وكما لا تبقى النار إذا لم يبق لها قوت وهو الحطب ، فلا يبقى للشيطان مجال إذا لم تكن شهوة. فإذن إذا تأمّلت علمت أنّ أعدى عدوّك شهوتك وهي صفة نفسك ، ولذلك قال الحسين بن منصور الحلّاج حين كان يصلب ـ وقد سئل عن التصوّف ما هو؟ ـ فقال : هي نفسك إن لم تشغلها شغلتك.
فإذن حقيقة الصبر وكماله : الصبر عن كلّ حركة مذمومة ، وحركة الباطن أولى بالصبر عن ذلك ، وهذا صبر دائم لا يقطعه إلّا الموت. نسأل الله حسن التوفيق بمنّه وكرمه.
دواء الصبر
اعلم أنّ الّذي أنزل الداء أنزل الدواء ووعد الشفاء ، فالصبر وإن كان شاقّا أو ممتنعا فتحصيله ممكن بمعجون العلم والعمل. فالعلم والعمل هما الأخلاط الّتي منها تركّب الأدوية لأمراض القلوب كلّها ، ولكن يحتاج كلّ مرض إلى علم آخر وعمل آخر ، وكما أنّ أقسام الصبر مختلفة فأقسام العلل المانعة منه مختلفة ، وإذا اختلفت العلل اختلف العلاج ، إذ معنى العلاج مضادّة العلّة وقمعها. واستيفاء ذلك ممّا يطول ولكنّنا نعرف الطريق في بعض الأمثلة :
فنقول : إذا افتقر إلى الصبر عن شهوة الوقاع مثلا وقد غلبت عليه الشهوة بحيث ليس يملك معها فرجه ، أو يملك فرجه ولكن ليس يملك عينه ، أو يملك عينه ولكن ليس يملك قلبه ونفسه ، إذ لا تزال تحدّثه بمقتضيات الشهوات ويصرفه ذلك عن المواظبة على الذكر والفكر والأعمال الصالحة. فنقول : قد قدّمنا أنّ الصبر عبارة عن مصارعة باعث الدين مع باعث الهوى ، وكلّ متصارعين أردنا أن يغلب أحدهما الآخر فلا طريق لنا فيه إلّا تقوية من أردنا أن تكون له اليد العليا وتضعيف الآخر ؛ فلزمنا هاهنا تقوية باعث الدين وتضعيف باعث الشهوة.
فأمّا باعث الشهوة فسبيل تضعيفه ثلاثة أمور :
أحدها : أن ننظر إلى مادّة قوّتها وهي الأغذية الطيّبة المحرّكة للشهوة ـ من حيث نوعها ومن حيث كثرتها ـ فلا بدّ من قطعها بالصوم الدائم مع الاقتصاد عند الإفطار على طعام قليل في نفسه ، ضعيف في جنسه ، فيحترز عن اللحم والأطعمة المهيّجة للشهوة.
الثاني : قطع أسبابه المهيّجة في الحال فإنّه إنّما يهيّج بالنظر إلى مظانّ الشهوة ، إذ النظر يحرّك