الشهور ، وليس المراد أنّ ثواب الطاعة في غيرهما ينقص ، وإنّما المراد رفع الحرج عمّا عسى أن يقع فيه خطأ في الحكم ، لاختصاصهما بالعيدين ، وجواز احتمال وقوع الخطاء فيهما ، ومن ثمّ قال : شهرا عيد ، بعد قوله : شهران لا ينقصان. ولم يقتصر على قوله : رمضان وذو الحجّة.
قال ابن حجر : وفي الحديث حجّة لمن قال : إنّ الثواب ليس مرتّبا على وجود المشقّة دائما ، بل لله أن يتفضّل بإلحاق الناقص بالتامّ في الثواب. واستدلّ بعضهم لمالك في اكتفائه لرمضان بنيّة واحدة ، قال : لأنّه جعل الشهر بجملته عبادة واحدة ، فاكتفي له بالنيّة. وهذا الحديث يقتضي أنّ التسوية في الثواب بين الشهر الناقص والشهر التامّ إنّما هو بالنظر إلى جعل الثواب متعلّقا بالشهر من حيث الجملة ، لا من حيث تفضيل الأيّام (١).
* * *
تلك كلّ محاولات القوم في توجيه وتأويل حديث تمام رمضان ، علّه يتوافق مع المعقول من كلام صادر عن منبع حكيم! ولكن هيهات ، وقد قيل قديما : إذا كثر الجواب خفي الصواب ، الأمر الّذي يشي بغمز في أصل الصدور.
فلقد كان تركه على عواهنه أولى من ركوب صعاب بلا جدوى ؛ الأمر الّذي تنبّه له علماؤنا الأعلام ، فتركوا التكلّف فيما لا طائل تحته. وسنتعرّض لذلك.
هذا وقد صحّ الحديث بأنّ شهر رمضان ينقص ويتمّ كسائر الشهور ، الأمر الّذي يوافق المعقول المشهود ، ويتقدّم ـ بطبيعة الحال ـ على حديث مريب.
[٢ / ٤٩٣٠] روى أصحاب السنن جميعا بالإسناد إلى جابر بن عبد الله الأنصاري عن رسول الله صلىاللهعليهوآلهوسلم قال : «إنّ الشهر ـ شهر رمضان ـ يكون تسعا وعشرين». وكذا بالإسناد إلى أمّ سلمة ، وعائشة وسعد بن أبي وقّاص وغيرهم ، عنه صلىاللهعليهوآلهوسلم وأطبقوا على ذلك من غير خلاف. وقد عقد مسلم بابا في صحيحه ، ترجمه بباب الشهر يكون تسعا وعشرين (٢). وكذا غيره من كتب الصحاح.
* * *
وهكذا جاء في روايات أصحابنا عن أئمّة أهل البيت عليهمالسلام ، أنّ شهر رمضان ، شهر من الشهور ،
__________________
(١) فتح الباري ٤ : ١٠٦ ـ ١٠٨.
(٢) مسلم ٣ : ١٢٥ ـ ١٢٦.