قوله تعالى : (لا يَنالُ عَهْدِي الظَّالِمِينَ)
والعهد هنا بقرينة المقام هو عهد الإمامة من قبله تعالى ليكون قدوة للناس وقائدا صالحا يقودهم إلى ساحل النجاة وهذا لا يصلح له إلّا من استقامت سريرته ولم تأخذه الأهواء إلى حيث مهاوي الضلال. إذ :
[٢ / ٣٢٠٦] «لا يكون السفيه إمام التقيّ». كما قال الإمام جعفر بن محمّد الصادق عليهالسلام (١). الأمر الذي تؤكّد عليه الآية الكريمة : (أَفَمَنْ يَهْدِي إِلَى الْحَقِّ أَحَقُّ أَنْ يُتَّبَعَ أَمَّنْ لا يَهِدِّي إِلَّا أَنْ يُهْدى فَما لَكُمْ كَيْفَ تَحْكُمُونَ؟!)(٢).
نعم من لا يرحم نفسه ويظلمها بارتكاب الفجور ، فيا ترى كيف يرحم غيره ولا يقودهم إلى مهاوي الضلال. وهكذا كمثل فرعون : (فَاسْتَخَفَّ قَوْمَهُ فَأَطاعُوهُ)(٣). (وَأَضَلَّ فِرْعَوْنُ قَوْمَهُ وَما هَدى)(٤) وسوف (يَقْدُمُ قَوْمَهُ يَوْمَ الْقِيامَةِ فَأَوْرَدَهُمُ النَّارَ)(٥).
فمن ضعفت شكيمته عن إلجام نفسه ، فهو عن قدرته على قيادة قومه أعجز.
وها هي قاعدة كلّيّة عرضتها الآية الكريمة لتكون دستورا خالدا لكلّ قيادة حكيمة وكان مبتغاها إعلاء كلمة الله في الأرض ، وما هي إلّا خلافة الله في الأرض يرثها الصالحون من عباده الأمناء.
وهكذا استدلّ الإمام الشافعي على ضرورة كون الإمام عدلا. قال : لأنّه لا ينظر لنفسه فكيف ينظر لغيره؟! (٦) وسيأتي الكلام في ذلك في شيء من التفصيل.
العهد هي الإمامة
قال أبو جعفر الطبري : هذا العهد الذي ابتغاه إبراهيم لذرّيّته ، هو عهد الإمامة. وذلك أنّ إبراهيم لمّا رفع الله منزلته وكرّمه فأعلمه ما هو صانع به من تصييره إماما في الخيرات لمن في عصره ولمن جاء بعده يهتدى بهديه ويقتدى بأفعاله وأخلاقه. قال : يا ربّ ، ومن ذرّيّتى فاجعل أئمّة يقتدى بهم
__________________
(١) الكافي ١ : ١٧٥ / ٢.
(٢) يونس ١٠ : ٣٥.
(٣) الزخرف ٤٣ : ٥٤.
(٤) طه ٢٠ : ٧٩.
(٥) هود ١١ : ٩٨.
(٦) شرح العقائد النسفيّة ، للتفتازاني : ١١٤ (ط : كابل).