عدولا ، ما داموا ثبتا سندا للتنفيذ فحسب.
وهؤلاء القضاة أيّام بني أميّة وبني مروان ، كان نصبهم لمنصب القضاء على يد أمثال الحجّاج عامل عبد الملك بالكوفة. ولم يكن في العرب ولا آل مروان أظلم ولا أكفر ولا أفجر من عبد الملك ، ولم يكن في عمّاله أكفر ولا أظلم ولا أفجر من الحجّاج. وكان عبد الملك أوّل من قطع ألسنة الناس في الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر ؛ صعد المنبر فقال : إنّي والله ما أنا بالخليفة بالمستضعف ـ يعني عثمان! ـ ولا بالخليفة المصانع ـ يعنى معاوية! ـ وإنّكم تأمروننا بأشياء تنسونها في أنفسكم ، والله لا يأمرني أحد بعد مقامي هذا بتقوى الله إلّا ضربت عنقه.
وقد كان كبار التابعين يأخذون أرزاقهم من أيدي هؤلاء الظلمة ، لا على أنّهم كانوا يتولّونهم ولا يرون إمامتهم ، وإنّما كانوا يأخذونها على أنّها حقوق لهم في أيدي قوم فجرة! وكيف يكون ذلك على وجه موالاتهم وقد ضربوا وجه الحجّاج بالسيف وخرج عليه من القرّاء أربعة آلاف رجل هم خيار التابعين وفقهاؤهم فقاتلوه مع عبد الرحمان بن محمّد بن الأشعث بالأهواز ثمّ بالبصرة ثمّ بدير الجماجم من ناحية الفرات بقرب الكوفة ، وهم خالعون لعبد الملك بن مروان ، لاعنون لهم ، متبرّؤون منهم.
وكذلك كان سبيل من قبلهم مع معاوية حين تغلّب على الأمر بعد قتل عليّ عليهالسلام. وكذلك من كان في ذلك العصر من الصحابة وهم غير متولّين له ، بل متبرّؤون منه ، على السبيل التي كان عليها عليّ عليهالسلام إلى أن توفّاه الله تعالى إلى جنّته ورضوانه.
فليس إذن في ولاية القضاء من قبلهم ولا أخذ العطاء منهم دلالة على توليتهم واعتقاد إمامتهم. (١)
قوله تعالى : (وَإِذْ جَعَلْنَا الْبَيْتَ مَثابَةً لِلنَّاسِ)
[٢ / ٣٢٤١] أخرج ابن أبي حاتم عن زيد بن أسلم قال : الكعبة. (٢)
[٢ / ٣٢٤٢] وأخرج ابن جرير وابن المنذر وابن أبي حاتم عن ابن عبّاس في قوله : (مَثابَةً) قال :
__________________
(١) أحكام القرآن ١ : ٧١.
(٢) ابن أبي حاتم ١ : ٢٢٤ / ١١٨٩.