على النسخ (١).
والإجماع على أنّ الوصيّة للوالدين والأقربين الوارثين ليست فرضا ، لا يدلّ على نسخ الآية ، بل غايته الدلالة على أنّها ممّا فرضه الله ندبا مؤكّدا ، لا أنّها غير مشروعة بعد فرض المواريث.
نعم لا تجوز ـ أي لا تنفذ ـ الوصيّة بما يزيد على الثلث ، وتبقى موقوفة على إذن الورثة ، فتؤدّى من حصّتهم إن رضوا ، على ما يفصّله الفقهاء.
* * *
والوصيّة إلى مقدار الثلث نافذة ولا يجوز لأحد تبديلها أو التحوير بمحتواها ، (فَمَنْ بَدَّلَهُ بَعْدَ ما سَمِعَهُ) أي ثبتت عنده صحّة الوصيّة (فَإِنَّما إِثْمُهُ) أي المآثم الّتي تترتّب على هذا التبديل (عَلَى الَّذِينَ يُبَدِّلُونَهُ إِنَّ اللهَ سَمِيعٌ) لأقوالكم (عَلِيمٌ) بنيّاتكم فهو الشهيد عليكم ليأخذكم في نهاية المطاف.
نعم سوى حالة واحدة يجوز للوصيّ أن لا ينفّذ الوصيّة ، وذلك إذا عرف أنّ الموصي إنّما قصد الإجحاف بشأن الورثة أو بعضهم ، فيحابي بعضا وينكي بعضا ، لا لجهة فضيلة يقبلها الشرع والعقل ، بل لمجرّد هوى النفس وتسويلات الشيطان الخبيثة ، فعند ذلك ـ وإذ قد ثبت ذلك بوضوح ـ فلا حرج في تعديل الوصيّة بما يتلافى به ذلك الجنف أي الحيف والميل عن جادّة الحقّ ، وليردّ الأمر إلى العدل والنصف.
(فَمَنْ خافَ مِنْ مُوصٍ جَنَفاً) أي حيفا وميلا عن الحقّ (أَوْ إِثْماً) أي إضرارا بشأن ذي حقّ (فَأَصْلَحَ بَيْنَهُمْ) أي أخذ بالتعادل ورعاية الحقّ (فَلا إِثْمَ عَلَيْهِ إِنَّ اللهَ غَفُورٌ رَحِيمٌ).
نظرة في حديث «لا وصيّة لوارث»
وأمّا حديث «لا وصيّة لوارث» فليس ممّا اتّفق عليه أصحاب الحديث. ولم يخرجه الشيخان (مسلم والبخاري) نظرا لوهن إسناده. كما وضعّفه الإمام الشافعي سوى ما يحكى عن أصحاب المغازي. فإنّه يرى إسناده من طرق أهل الحديث ضعيفا لا يصحّ الاعتماد عليه.
وأجمع من نقد الحديث نقدا فنّيّا هو الإمام الحافظ أحمد بن الحسين البيهقي في سننه الكبرى.
__________________
(١) التبيان ٢ : ١٠٨.