المحظورات فرض. وعلى المكاره نفل. والصبر على الأذى المحظور محظور كمن تقطع يده أو يد ولده وهو يصبر عليه ساكتا. وكمن يقصد حريمه بشهوة محظورة فتهيج غيرته فيصبر عن إظهار الغيرة ويسكت على ما يجري على أهله. فهذا الصبر محرّم. والصبر المكروه هو الصبر على أذى يناله بجهة مكروهة في الشرع فليكن الشرع محكّ الصبر. فكون الصبر نصف الإيمان لا ينبغي أن يخيّل إليك أنّ جميعه محمود ، بل المراد به أنواع من الصبر مخصوصة.
مظانّ الحاجة إلى الصبر
اعلم أنّ جميع ما يلقى العبد في هذه الحياة لا يخلو من نوعين ، أحدهما : هو الّذي يوافق هواه. والآخر : هو الّذي لا يوافقه بل يكرهه. وهو محتاج إلى الصبر في كلّ واحد منهما. وهو في جميع الأحوال لا يخلو عن أحد هذين النوعين أو عن كليهما. فهو إذن لا يستغنى قطّ عن الصبر.
النوع الأوّل : ما يوافق الهوى : وهو الصحّة والسلامة والمال والجاه وكثرة العشيرة واتّساع الأسباب وكثرة الأتباع والأنصار وجميع ملاذّ الدنيا. وما أحوج العبد إلى الصبر على هذه الأمور فإنّه إن لم يضبط نفسه عن الاسترسال والركون إليها والانهماك في ملاذّها المباحة منها ، أخرجه ذلك إلى البطر والطغيان ، فإنّ الإنسان ليطغى أن رآه استغنى ، حتّى قال بعض العارفين : البلاء يصبر عليه المؤمن ، والعوافي لا يصبر عليها إلّا صدّيق. وقال سهل : الصبر على العافية أشدّ من الصبر على البلاء. ولمّا فتحت أبواب الدنيا على الصحابة رضي الله عنهم قالوا : ابتلينا بفتنة الضرّاء فصبرنا وابتلينا بفتنة السرّاء فلم نصبر (١) ، ولذلك حذّر الله عباده من فتنة المال والزوج والولد فقال تعالى : (يا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا لا تُلْهِكُمْ أَمْوالُكُمْ وَلا أَوْلادُكُمْ عَنْ ذِكْرِ اللهِ)(٢) وقال عزوجل : (إِنَّ مِنْ أَزْواجِكُمْ وَأَوْلادِكُمْ عَدُوًّا لَكُمْ فَاحْذَرُوهُمْ)(٣).
[٢ / ٣٨٥٧] وقال صلىاللهعليهوآلهوسلم : «الولد مبخلة مجبنة محزنة» (٤). ولمّا نظر صلىاللهعليهوآلهوسلم إلى ولده الحسن عليهالسلام يتعثّر في قميصه نزل عن المنبر واحتضنه ، ثمّ قال : «صدق الله : (إِنَّما أَمْوالُكُمْ وَأَوْلادُكُمْ فِتْنَةٌ)(٥) إنّي لمّا
__________________
(١) انظر : الترمذي ٤ : ٥٧ ؛ المصنّف ، الصنعاني ١١ : ٤٥٧ / ٢٠٩٩٧.
(٢) المنافقون ٦٣ : ٩.
(٣) التغابن ٦٤ : ١٤.
(٤) أبو يعلى ٢ : ٣٠٥ / ٥٩ ـ ١٠٣٢.
(٥) التغابن ٦٤ : ١٥.