قال تعالى :
(يا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا كُتِبَ عَلَيْكُمُ الْقِصاصُ فِي الْقَتْلى الْحُرُّ بِالْحُرِّ وَالْعَبْدُ بِالْعَبْدِ وَالْأُنْثى بِالْأُنْثى فَمَنْ عُفِيَ لَهُ مِنْ أَخِيهِ شَيْءٌ فَاتِّباعٌ بِالْمَعْرُوفِ وَأَداءٌ إِلَيْهِ بِإِحْسانٍ ذلِكَ تَخْفِيفٌ مِنْ رَبِّكُمْ وَرَحْمَةٌ فَمَنِ اعْتَدى بَعْدَ ذلِكَ فَلَهُ عَذابٌ أَلِيمٌ (١٧٨) وَلَكُمْ فِي الْقِصاصِ حَياةٌ يا أُولِي الْأَلْبابِ لَعَلَّكُمْ تَتَّقُونَ (١٧٩))
هذا الدرس جانب من التنظيمات الاجتماعيّة للمجتمع المسلم ، منذ نشأته الأولى في المدينة. جاءت منظّمة إلى تكاليف عباديّة ومعامليّة ، ومتعقّبة لآية البرّ الّتي استوعبت قواعد التصوّر الإيماني وقواعد السلوك العملي في محاوريها السداسيّة الآنفة.
وفي هذا الدرس حديث عن القصاص في القتلى وتشريعاته وفيها ضمان للحفاظ على الحياة في وجه عامّ.
تبدأ الآية بالنداء للذين آمنوا ، بهذه الصفة الّتي تستدعي التلقّي من الله الّذي آمنوا به ، فلا ينبغي التهاون بشأنه ما دام الإيمان راسخا في القلوب وينتهي النداء ببيان حكمة هذا التشريع ، ويوقظ فيهم التعقّل والتدبّر لهذه الحكمة ، كما يستجيش في قلوبهم شعور التقوى ، وهو صمّام الأمن في مجال القتلى والقصاص.
* * *
وهذا التشريع الّذي بيّنته الآية بشأن القصاص في القتلى ـ في حالة العمد ـ أنّه يقتل الحرّ بالحرّ ، والعبد بالعبد ، والأنثى بالأنثى ، هو الّذي يقتضيه العدل في رعاية الحقوق وحفظ الدماء.
لكن هناك ظاهرة إنسانيّة نبيلة ، ظاهرة العفو والسماح ، في مجال الفضل والإحسان ، قد تؤثّر في أريحيّة كلّ إنسان شعر بالتعالي عن خسائس النفس ومتطلّباتها الوقتيّة المحدودة.
إذن فليشعر الإنسان ـ مهما أغذّته ثورة الغضب ودعته إلى الانتقام ، وهو حقّ وعدل ـ فليشعر من وراء هذا الغبار الغليظ ، أنّ الّذي ظلمه وتعدّى الحدود المضروبة دونه ، أخوه ومن بني جلدته