وقفة قصيرة
[٢ / ٤٣٦١] قال الطبرسي : هنا ثلاثة أقوال ، أحدها : (غَيْرَ باغٍ) اللذّة (وَلا عادٍ) سدّ الجوعة. عن الحسن وقتادة ومجاهد.
[٢ / ٤٣٦٢] وثانيهما : غير باغ في الإفراط ولا عاد في التقصير. عن الزجّاج.
[٢ / ٤٣٦٣] وثالثها : غير باغ على إمام المسلمين ولا عاد بالمعصية طريق المحقّين.
قال : وهذا القول الأخير هو المرويّ عن الإمامين الباقر والصادق عليهماالسلام وعن مجاهد وسعيد بن جبير.
واعترض عليّ بن عيسى الرمّاني : وهذا القول ـ الأخير ـ لا يسوغ ، لأنّه تعالى لم يبح لأحد قتل نفسه ، بل حظر عليه ذلك. والتعريض للقتل قتل في حكم الدين. ولأنّ الرخصة إنّما كانت لأجل المجاعة المتلفة ، لا لأجل الخروج في طاعة وفعل إباحة.
قال الشيخ الطوسي : وهذا الّذي ذكره غير صحيح لأنّ من بغى على إمام عادل فأدّى ذلك إلى تلفه ، فهو المعرّض نفسه للقتل ، كما لو قتل في المعركة ، فإنّه المهلك لها ، فلا يجوز لذلك استباحة ما حرّم الله ، كما لا يجوز له أن يستبقي نفسه بقتل غيره من المسلمين ، وما قاله من أنّ الرخصة لمكان المجاعة ، لا يسلم إطلاقه ، بل يقال : إنّما ذلك للمجاعة الّتي لم يكن هو المعرّض نفسه لها ، فأمّا إذا عرّض نفسه لها ، فلا يجوز له استباحة المحرّم ، كما قلنا في قتل نفس الغير ، ليدفع عن نفسه القتل (١).
* * *
وقال الشيخ محمّد عبده : لا خلاف بين المسلمين في أنّ العاصي كغيره يحرم عليه إلقاء نفسه في التهلكة ، ويجب عليه توقّي الضرر ، ويجب علينا دفعه عنه إن استطعنا ، فكيف لا تتناوله إباحة الرخص! ثمّ إنّ المناسب للسياق أن تحدّد الضرورة الّتي تجيز أكل المحرّم ، وتفسير الباغي والعادي بما ذكرنا (٢) هو المحدّد لها ، وهو الموافق للّغة ، كقوله تعالى حكاية عن إخوة يوسف : (ما نَبْغِي)(٣).
__________________
(١) التبيان ٢ : ٨٦ ؛ مجمع البيان ١ : ٤٧٦.
(٢) فسّر الباغي بالطالب له ، الراغب فيه لذاته. والعادي بالمتجاوز قدر الضرورة (المنار ٢ : ٩٨).
(٣) يوسف ١٢ : ٦٥.