فقال : لا يكون رمضان ولا ذو الحجّة أبدا إلّا ثلاثين يوما! قال ابن حجر : وهذا قول مردود ، معاند للموجود المشاهد. ويكفي في ردّه قوله صلىاللهعليهوآلهوسلم : «صوموا للرؤية وأفطروا للرؤية ، فإن غمّ عليكم فأكملوا العدّة». (١) فإنّه لو كان رمضان أبدا ثلاثين لم يحتج إلى هذا.
قال : ومنهم من تأوّل له معنى لائقا ، وقال أبو الحسن : كان إسحاق بن راهويه يقول : لا ينقصان في الفضيلة ، إن كانا تسعة وعشرين أو ثلاثين.
وقيل : لا ينقصان معا ، إن جاء أحدهما تسعا وعشرين ، جاء الآخر ثلاثين ولا بدّ.
وقيل : لا ينقصان في ثواب العمل فيهما. قال : وهذان القولان مشهوران عن السلف.
قال : ووقع عند الترمذي نقل القولين عن إسحاق بن راهويه وأحمد بن حنبل (٢) ، وكأنّ البخاري اختار مقالة أحمد فجزم بها ، أو تواردا عليه.
[٢ / ٤٩٢٩] وروى الحاكم في تاريخه بإسناد صحيح : أنّ إسحاق بن إبراهيم سئل عن ذلك؟ فقال : إنّكم ترون العدد ثلاثين ، فإن كان تسعا وعشرين ، ترونه نقصانا ، وليس ذلك بنقصان.
وذكر ابن حبّان لهذا الحديث معنيين : أحدهما ما قاله إسحاق ، والآخر : أنّ المراد أنّهما في الفضل سواء ، لقوله صلىاللهعليهوآلهوسلم في الحديث الآخر : «ما من أيّام ، العمل فيها أفضل من عشر ذي الحجّة» (٣).
وذكر القرطبي أنّ فيه خمسة أقوال ، فذكر نحو ما تقدّم وزاد : أنّ معناه : لا ينقصان في عام بعينه ، وهو العام الّذي قال فيه صلىاللهعليهوآلهوسلم تلك المقالة. وهذا حكاه ابن بزيزة ، ومن قبله أبو الوليد بن رشد ، ونقله المحبّ الطبري عن أبي بكر بن فورك.
وقيل : المعنى : لا ينقصان في الأحكام. وبهذا جزم البيهقي وقبله الطحاوي ، فقال : معنى لا ينقصان ، أنّ الأحكام فيهما ، وإن كانا تسعة وعشرين ، متكاملة غير ناقصة عن حكمهما إذا كانا ثلاثين.
__________________
(١) المصدر : ٢٢٩.
(٢) الترمذي ٣ : ٧٦. وفيه : قال أحمد : لا ينقصان معا في سنة واحدة ، إن نقص أحدهما تمّ الآخر. وقال إسحاق : إن كان تسعا وعشرين فهو تام غير نقصان. قال الترمذي : وعليه فيجوز اجتماعهما في النقصان عددا.
(٣) انظر : فتح الباري ٤ : ١٠٧.