عهدا من اليهوديّة والنصرانية .. إذن تلك فضيحة عارمة.
(قُلْ أَأَنْتُمْ) مع هذا الجهل المفرط (أَعْلَمُ أَمِ اللهُ) الذي لا يعزب عن علمه شيء؟!
وهذا سؤال لا جواب لهم عليه! وفيه من الاستنكار ما يقضي بالخجل والتراجع عن الجواب.
ولكنّه كتمان عن الشهادة بالحقّ : (وَمَنْ أَظْلَمُ مِمَّنْ كَتَمَ شَهادَةً عِنْدَهُ مِنَ اللهِ وَمَا اللهُ بِغافِلٍ عَمَّا تَعْمَلُونَ). نعم (تِلْكَ أُمَّةٌ قَدْ خَلَتْ لَها ما كَسَبَتْ وَلَكُمْ ما كَسَبْتُمْ وَلا تُسْئَلُونَ عَمَّا كانُوا يَعْمَلُونَ).
هذا هو الفاصل بين رفعة تلكم الآباء وضعة هؤلاء الأحفاد. وفي ذلك فصل الخطاب ونهاية الجدل ، والكلمة الأخيرة في تلك الدعاوي الفارغة ولكنّها العريضة بلا طائل.
الكلمات التي ابتلي بها إبراهيم عليهالسلام
والكلمات : الكلام الذي أوحى الله به إلى إبراهيم ، إمّا إلهاما في شعور باطنه أو وحيا مباشريّا ألقاه في روعه. إذ الكلمة لفظ يدلّ على معنى والمراد : الوظائف الإنسانيّة الكريمة التي توحيها الفطرة السليمة أو التي تتلقّاها الأنفس الكريمة من وحي السماء.
فإبراهيم الخليل ـ بفطرته الذاتيّة أوّلا وبوحي السماء في امتداد حياته ـ قام بأعمال جسام ووقف مواقف مشهودة ، جرّبته بها الأيّام ، إنسانا شهما عريقا في شعور إنسانيّته النبيلة وآهلته للنيل بمقام محمود عند الله مدى الدهر.
أمّا وما هي هذه الكلمات وهذه المواقف التي جعلت إبراهيم الخليل؟
تكفيك مراجعة تاريخ حياته منذ أن بزغ إلى الوجود ، من طفولته فريعان شبابه فكهولته وحتّى أيّام المشيب .. تجده ملأ حياته الحيويّة والنشاط والتضحية في سبيل إعلاء كلمة الله في الأرض ، حتّى أصبح لوحده أمّة : (إِنَّ إِبْراهِيمَ كانَ أُمَّةً قانِتاً لِلَّهِ حَنِيفاً)(١). نعم هو لوحده أمّة ، حيث إنّه منطلق أمّة قانتة لله تعالى عبر الزمان ، ومنبعث شريعة حنيفة بيضاء على صفحات التاريخ مدى الدهر .. (وَجَعَلَها كَلِمَةً باقِيَةً فِي عَقِبِهِ)(٢).
وهذه الكلمات هي أوامره تعالى ونواهيه ، منها الفطريّة ومنها بإيحاء. وإبراهيم عليهالسلام قام بإنجازها كملا ومن غير توان قياما لا هوادة فيه ولا فتور. (فَأَتَمَّهُنَّ) : وفّى بهنّ أحسن وفاء
__________________
(١) النحل ١٦ : ١٢٠.
(٢) الزخرف ٤٣ : ٢٨.