قال تعالى :
(إِنَّ الَّذِينَ يَكْتُمُونَ ما أَنْزَلْنا مِنَ الْبَيِّناتِ وَالْهُدى مِنْ بَعْدِ ما بَيَّنَّاهُ لِلنَّاسِ فِي الْكِتابِ أُولئِكَ يَلْعَنُهُمُ اللهُ وَيَلْعَنُهُمُ اللاَّعِنُونَ (١٥٩) إِلاَّ الَّذِينَ تابُوا وَأَصْلَحُوا وَبَيَّنُوا فَأُولئِكَ أَتُوبُ عَلَيْهِمْ وَأَنَا التَّوَّابُ الرَّحِيمُ (١٦٠) إِنَّ الَّذِينَ كَفَرُوا وَماتُوا وَهُمْ كُفَّارٌ أُولئِكَ عَلَيْهِمْ لَعْنَةُ اللهِ وَالْمَلائِكَةِ وَالنَّاسِ أَجْمَعِينَ (١٦١) خالِدِينَ فِيها لا يُخَفَّفُ عَنْهُمُ الْعَذابُ وَلا هُمْ يُنْظَرُونَ (١٦٢))
ولقد كان أهل الكتاب يعرفون مدى ما في رسالة الإسلام من حقّ ، وقد بيّنه الله فيما بأيديهم من كتاب. فهم وأمثالهم في أيّ فترة من زمان وفي أيّ بقعة من مكان ، ممّن يكتمون الحقّ الصراح ، أو يسكتون عن الحقّ وهم يعرفونه (أُولئِكَ يَلْعَنُهُمُ اللهُ وَيَلْعَنُهُمُ اللَّاعِنُونَ) فإنّهم خبثاء جبناء ، يرون مصالحهم في إخفاء الحقّ وإخماد الحقيقة ، ومن ثمّ فهم بعداء عن جادّة الشريعة البيضاء ، محايدون عن صريح الفطرة ونداء العقل الرشيد. بل أعداء الإنسانيّة في شتّى مجالاتها ، ومن ثمّ فهم ملعونون منبوذون ، يلفظهم الحقّ وتطردهم الحقيقة في واقعها الصريح.
نعم ، الساكت عن الحقّ شيطان أخرس ، فقد تحوّلوا إلى ملعنة ينصبّ عليهم اللعنة من كلّ صوب ويشملهم لعن كلّ لاعن.
واللعن : الطرد في غضب وزجر. وأولئك يلعنهم الله فيطردهم من رحمته ، ويطاردهم اللاعنون من كلّ جهة. فهم هكذا مطاردون من الله ومن عباده في كلّ دور وكور.
(إِلَّا الَّذِينَ تابُوا) رجعوا عن غيّهم (وَأَصْلَحُوا) ما كانوا أفسدوه (وَبَيَّنُوا) ما كانوا كتموه (فَأُولئِكَ أَتُوبُ عَلَيْهِمْ وَأَنَا التَّوَّابُ الرَّحِيمُ ،) إنّها نافذة لهم مضيئة يفتحها الله لهم ، فتنسم نسمة الأمل في الصدور وتقود القلوب إلى مصدر النور ، فلا تيأس من روح الله ولا تقنط من رحمة الله. فمن شاء فليرجع إلى الحمى الآمن. وآية الصدق : التوبة والإصلاح في العمل والتبيين في القول ، وإعلان الحقّ والاعتراف به والعمل بمقتضاه. ثمّ ليثق برحمة الله وقبوله للتوبة وهو يقول : (وَأَنَا التَّوَّابُ الرَّحِيمُ) وهو أصدق القائلين.
فأمّا الّذين يصرّون على باطلهم ولا يؤبون إلى الحقّ ، حتّى تفلت الفرصة وتنتهي المهلة ،