قال تعالى :
(وَإِلهُكُمْ إِلهٌ واحِدٌ لا إِلهَ إِلاَّ هُوَ الرَّحْمنُ الرَّحِيمُ (١٦٣) إِنَّ فِي خَلْقِ السَّماواتِ وَالْأَرْضِ وَاخْتِلافِ اللَّيْلِ وَالنَّهارِ وَالْفُلْكِ الَّتِي تَجْرِي فِي الْبَحْرِ بِما يَنْفَعُ النَّاسَ وَما أَنْزَلَ اللهُ مِنَ السَّماءِ مِنْ ماءٍ فَأَحْيا بِهِ الْأَرْضَ بَعْدَ مَوْتِها وَبَثَّ فِيها مِنْ كُلِّ دَابَّةٍ وَتَصْرِيفِ الرِّياحِ وَالسَّحابِ الْمُسَخَّرِ بَيْنَ السَّماءِ وَالْأَرْضِ لَآياتٍ لِقَوْمٍ يَعْقِلُونَ (١٦٤))
وهنا يمضي السياق لإراءة التصوّر الإيماني ، المبتني على قاعدته الكبيرة ، قاعدة التوحيد ، ذلك التوحيد الربوبيّ المتجسّد في توحيد الصنع والتدبير. وبعد ملاحظة ذلك الإنسجام في الخلق والتقدير. ومن ثمّ فلا إله يشركه في التدبير والتقدير. فلا موضع لاتّخاذ آلهة أخرى سوى الله الواحد الصانع المتعالي والجامع لصفات الخير كلّه ، المتجمّعة في الرحمانيّة العامّة ، إلى جنب الرحيميّة الخاصّة بذوي الإيمان القويم.
وبعد (وَإِلهُكُمْ) خطاب لعامّة الناس (إِلهٌ واحِدٌ لا إِلهَ إِلَّا هُوَ) لا شريك له ولا نظير (هُوَ الرَّحْمنُ) بجميع خلقه (الرَّحِيمُ) بالمؤمنين. كما قال سبحانه : (وَرَحْمَتِي وَسِعَتْ كُلَّ شَيْءٍ) وهي الرحمة العامّة (فَسَأَكْتُبُها لِلَّذِينَ يَتَّقُونَ)(١) وهي الرحمة الخاصة.
والشاهد على تلك الرحمة الواسعة ، هي مشاهد هذا الكون الفسيح ، بما فيه من آيات وبيّنات ، ودلائل وشواهد لائحة.
(إِنَّ فِي خَلْقِ السَّماواتِ وَالْأَرْضِ) في ذلك النظم البديع (وَاخْتِلافِ اللَّيْلِ وَالنَّهارِ) تعاقب النور والظلمة ، توالي الإشراق والعتمة ، ذلك الفجر والغروب (وَالْفُلْكِ الَّتِي تَجْرِي فِي الْبَحْرِ بِما يَنْفَعُ النَّاسَ) بتلك السهولة ، والّتي تقطع بها مسافات شاسعة بما لا يمكن بغيرها حينذاك. وقد أضيف إليها المراكب الهوائية السابحة في الفضاء في يسر وطمأنينة.
__________________
(١) الأعراف ٧ : ١٥٦.