كلام عن الصبر
بتحقيق الإمام أبي حامد الغزالي (م : ٥٠٥) في إحياء علوم الدين. وتهذيب المولى المحقّق الفيض الكاشاني (م : ١٠٩١) في المحجّة البيضاء.
قال أبو حامد : قد وصف الله تعالى الصابرين بأوصاف وذكر الصبر في القرآن في نيف وسبعين موضعا ، وأضاف أكثر الدرجات والخيرات إلى الصبر وجعلها ثمرة له فقال عزّ من قائل : (وَجَعَلْنا مِنْهُمْ أَئِمَّةً يَهْدُونَ بِأَمْرِنا لَمَّا صَبَرُوا)(١) وقال تعالى : (وَتَمَّتْ كَلِمَتُ رَبِّكَ الْحُسْنى عَلى بَنِي إِسْرائِيلَ بِما صَبَرُوا)(٢) وقال تعالى : (وَلَنَجْزِيَنَّ الَّذِينَ صَبَرُوا أَجْرَهُمْ بِأَحْسَنِ ما كانُوا يَعْمَلُونَ)(٣) وقال تعالى : (أُولئِكَ يُؤْتَوْنَ أَجْرَهُمْ مَرَّتَيْنِ بِما صَبَرُوا)(٤) وقال تعالى : (إِنَّما يُوَفَّى الصَّابِرُونَ أَجْرَهُمْ بِغَيْرِ حِسابٍ)(٥) فما من قربة إلّا وأجرها بتقدير وحساب إلّا الصبر ، ولأجل كون الصوم من الصبر وأنّه نصف الصبر قال الله تعالى : «الصوم لي وأنا أجزي به» (٦) فأضاف إلى نفسه من بين سائر العبادات ووعد الصابرين بأنّه معهم فقال تعالى : (وَاصْبِرُوا إِنَّ اللهَ مَعَ الصَّابِرِينَ)(٧) وعلّق النصرة على الصبر فقال تعالى : (بَلى إِنْ تَصْبِرُوا وَتَتَّقُوا وَيَأْتُوكُمْ مِنْ فَوْرِهِمْ هذا يُمْدِدْكُمْ رَبُّكُمْ بِخَمْسَةِ آلافٍ مِنَ الْمَلائِكَةِ مُسَوِّمِينَ)(٨) وجمع للصابرين بين أمور لم يجمعها لغيرهم فقال تعالى : (أُولئِكَ عَلَيْهِمْ صَلَواتٌ مِنْ رَبِّهِمْ وَرَحْمَةٌ وَأُولئِكَ هُمُ الْمُهْتَدُونَ)(٩) فالهدى والرحمة والصلوات مجموعة للصابرين. واستقصاء جميع الآيات في مقام الصبر يطول.
وأمّا الأخبار :
[٢ / ٣٨٣٨] فقد قال صلىاللهعليهوآلهوسلم : «الصبر نصف الإيمان» (١٠) على ما سيأتي وجه كونه نصفا.
__________________
(١) السجدة ٣٢ : ٢٤. (٢) الأعراف ٧ : ١٣٧.
(٣) النحل ١٦ : ٩٦. (٤) القصص ٢٨ : ٥٤.
(٥) الزمر ٣٩ : ١٠.
(٦) البحار ٩٣ : ٢٤٩ / ١٤ ؛ الفقيه ٢ : ٧٥ / ١٧٧٣ ؛ مسند أحمد ١ : ٤٤٦ ؛ البخاري ٢ : ٢٢٦ ، وفيه بلفظ : «الصيام» ؛ مسلم ٣ : ١٥٧ ، من حديث أبي هريرة وأبي سعيد.
(٧) الأنفال ٨ : ٤٦.
(٨) آل عمران ٣ : ١٢٥.
(٩) البقرة ٢ : ١٥٧.
(١٠) الدرّ ١ : ١٦٠ ؛ شعب الإيمان ٧ : ١٢٣ / ٩٧١٦ و ٩٧١٧ ؛ الكبير ٩ : ١٠٤ ؛ مجمع الزوائد ١ : ٥٧ ، قال الهيثمي : رجاله رجال الصحيح ؛ كنز العمّال ٣ : ٢٧١ / ٦٤٩٨ ؛ الترغيب والترهيب ٤ : ٢٧٧ ، روى عن ابن مسعود موقوفا ومرفوعا.