وبين الحاكم فلا يجيز حكمه .. ذكر ذلك عن بعض المتكلّمين وهو المسمّى «زرقان»! وقد كذب في ذلك وقال بالباطل ، وليس هو أيضا ممّن تقبل حكايته.
قال : ولا فرق عند أبي حنيفة بين القاضي وبين الخليفة ، في أنّ شرط كلّ واحد منهما العدالة ، وأنّ الفاسق لا يكون خليفة ولا يكون حاكما ، كما لا تقبل شهادته ولا خبره .. وكيف يكون خليفة وروايته غير مقبولة وأحكامه غير نافذة؟!
وكيف يجوز أن يدّعى ذلك على أبي حنيفة ، وقد أكرهه ابن هبيرة في أيّام بني أميّة على القضاء وضربه فامتنع من ذلك وحبس. فلجّ ابن هبيرة وجعل يضربه كلّ يوم أسواطا ، فلمّا خيف عليه قال له الفقهاء : فتولّ شيئا من أعماله أيّ شيء كان ، حتّى يزول عنك هذا الضرب! فتولّى له عدّ أحمال التبن الذي يدخل ، فخلّاه. ثمّ دعاه المنصور إلى مثل ذلك فأبى فحبسه حتّى عدّ له اللّبن الذي كان يضرب لسور مدينة بغداد.
ومذهبه في قتال الظلمة وأئمّة الجور مشهور. وقضيّته في أمر زيد بن عليّ مشهورة. وفي حمله المال إليه وفتياه الناس سرّا في وجوب نصرته والقتال معه. وكذلك أمره مع محمّد وإبراهيم ابني عبد الله بن الحسن.
وقال لأبي إسحاق الفزاري ـ حين قال له : لم أشرت على أخي بالخروج مع إبراهيم حتّى قتل ـ قال : مخرج أخيك أحبّ إليّ من مخرجك ، وكان أبو إسحاق قد خرج إلى البصرة .. [لمعاضدة ابن الأشعث ضدّ الحجّاج](١).
عدالة ظاهرة وباطنة
قال الإمام الرازي : فإن قيل : ظاهر الآية يقتضي انتفاء كونهم ظالمين ظاهرا وباطنا ، ولا يصحّ ذلك في الأئمّة والقضاء فلو كان شرطا لم يمكن العلم بتحقّقه في أيّ إنسان مهما كان ظاهر العدالة. إذ لا يعلم سرّ القلوب إلّا الله.
قال : أمّا الشيعة الإماميّة فقد اشترطوا العصمة في الإمام ، استنادا إلى هذه الآية لظاهر الإطلاق. والعصمة : عدالة في الظاهر والباطن.
__________________
(١) أحكام القرآن لأبي بكر الجصّاص ١ : ٦٩ ـ ٧٠.