قال تعالى :
(لَيْسَ الْبِرَّ أَنْ تُوَلُّوا وُجُوهَكُمْ قِبَلَ الْمَشْرِقِ وَالْمَغْرِبِ وَلكِنَّ الْبِرَّ مَنْ آمَنَ بِاللهِ وَالْيَوْمِ الْآخِرِ وَالْمَلائِكَةِ وَالْكِتابِ وَالنَّبِيِّينَ وَآتَى الْمالَ عَلى حُبِّهِ ذَوِي الْقُرْبى وَالْيَتامى وَالْمَساكِينَ وَابْنَ السَّبِيلِ وَالسَّائِلِينَ وَفِي الرِّقابِ وَأَقامَ الصَّلاةَ وَآتَى الزَّكاةَ وَالْمُوفُونَ بِعَهْدِهِمْ إِذا عاهَدُوا وَالصَّابِرِينَ فِي الْبَأْساءِ وَالضَّرَّاءِ وَحِينَ الْبَأْسِ أُولئِكَ الَّذِينَ صَدَقُوا وَأُولئِكَ هُمُ الْمُتَّقُونَ (١٧٧))
هنا وفي هذه الآية الكريمة يضع القرآن قواعد التصوّر الإيماني الصحيح ، وقواعد السلوك الإيماني الصحيح ، ويحدّد صفة الصادقين المتّقين. وفي ضمنه ردّ رصين على أولئك المتزمّتين أصحاب القشور ، رضوا بأنفسهم الالتهاء بشعائر أسلافهم ، وحسبوها الحقّ الوحيد وليس فيما عداها. (وَإِذا قِيلَ لَهُمْ تَعالَوْا إِلى ما أَنْزَلَ اللهُ وَإِلَى الرَّسُولِ قالُوا حَسْبُنا ما وَجَدْنا عَلَيْهِ آباءَنا أَوَلَوْ كانَ آباؤُهُمْ لا يَعْلَمُونَ شَيْئاً وَلا يَهْتَدُونَ)(١). و (قالُوا أَجِئْتَنا لِتَلْفِتَنا عَمَّا وَجَدْنا عَلَيْهِ آباءَنا)؟! (٢).
إلى غيرهما من آيات تنبؤك عن التجمّد العقلي والتقليد الأعمى ، كان يصدّهم عن الانصياع للحقّ الصراح. بل كان لا يمنعهم عن الافتراء على الله كذبا ، في تزمّتهم هذا الغريب. (وَإِذا فَعَلُوا فاحِشَةً قالُوا وَجَدْنا عَلَيْها آباءَنا وَاللهُ أَمَرَنا بِها قُلْ إِنَّ اللهَ لا يَأْمُرُ بِالْفَحْشاءِ أَتَقُولُونَ عَلَى اللهِ ما لا تَعْلَمُونَ)(٣) والقول الحقّ هو : (قُلْ أَمَرَ رَبِّي بِالْقِسْطِ وَأَقِيمُوا وُجُوهَكُمْ عِنْدَ كُلِّ مَسْجِدٍ وَادْعُوهُ مُخْلِصِينَ لَهُ الدِّينَ)(٤).
* * *
وهكذا هنا في هذه الآية يعنّف أهل الكتاب في مزعومتهم أنّ طريقتهم هي طريقة الحقّ ، ولا سيّما بشأن القبلة ، وأنّها جهة المغرب عند اليهود وجهة المشرق عند النصارى ، فلا ذا ولا ذاك.
لا يغنيان شيئا إذا لم يكن عن أمره تعالى ، والمتمثّل فيما جاء به الإسلام وصرّح به القرآن الكريم.
__________________
(١) المائدة ٥ : ١٠٤.
(٢) يونس ١٠ : ٧٨.
(٣) الأعراف ٧ : ٢٨.
(٤) الأعراف ٧ : ٢٩.