قال تعالى :
(إِنَّا أَرْسَلْناكَ بِالْحَقِّ بَشِيراً وَنَذِيراً وَلا تُسْئَلُ عَنْ أَصْحابِ الْجَحِيمِ (١١٩) وَلَنْ تَرْضى عَنْكَ الْيَهُودُ وَلا النَّصارى حَتَّى تَتَّبِعَ مِلَّتَهُمْ قُلْ إِنَّ هُدَى اللهِ هُوَ الْهُدى وَلَئِنِ اتَّبَعْتَ أَهْواءَهُمْ بَعْدَ الَّذِي جاءَكَ مِنَ الْعِلْمِ ما لَكَ مِنَ اللهِ مِنْ وَلِيٍّ وَلا نَصِيرٍ (١٢٠) الَّذِينَ آتَيْناهُمُ الْكِتابَ يَتْلُونَهُ حَقَّ تِلاوَتِهِ أُولئِكَ يُؤْمِنُونَ بِهِ وَمَنْ يَكْفُرْ بِهِ فَأُولئِكَ هُمُ الْخاسِرُونَ (١٢١) يا بَنِي إِسْرائِيلَ اذْكُرُوا نِعْمَتِيَ الَّتِي أَنْعَمْتُ عَلَيْكُمْ وَأَنِّي فَضَّلْتُكُمْ عَلَى الْعالَمِينَ (١٢٢) وَاتَّقُوا يَوْماً لا تَجْزِي نَفْسٌ عَنْ نَفْسٍ شَيْئاً وَلا يُقْبَلُ مِنْها عَدْلٌ وَلا تَنْفَعُها شَفاعَةٌ وَلا هُمْ يُنْصَرُونَ (١٢٣))
وبعد أن انتهت مقولاتهم وفضحت أباطيلهم ، يتوجّه الخطاب إلى رسول الله صلىاللهعليهوآلهوسلم يبيّن له وظيفته ، ويحدّد له تبعاته ، ويكشف له عن حقيقة المعركة بينه وبين العرب المشركين من جهة ، وبينه وبين أهل الكتاب ولا سيّما اليهود من جهة أخرى وأنّ طبيعة الخلاف ، الذي لا حلّ له. فإنّه لا يملك مقابلته ولا التعامل عليه إلّا بثمن باهظ قد يحطّ من قدره ومنزلته عند الله وحاشاه من نبيّ كريم؟!
(إِنَّا أَرْسَلْناكَ بِالْحَقِ) لا مرية فيه ولا موضع للشكّ فيه ، بعد وضوح الدلائل والبيّنات. (بَشِيراً وَنَذِيراً). كانت وظيفتك البلاغ والأداء ، تبشّر أهل الطاعة المستسلمين للحقّ الصّراح .. وتنذر العصاة العتاة ، ممّن لمسوا الحقّ فنبذوه. (وَلا تُسْئَلُ عَنْ أَصْحابِ الْجَحِيمِ) فلا مسؤوليّة عليك وراء الإنذار والتبليغ ، إذ ليس عليك هداهم. ولست عليهم بمصيطر .. فإن صاروا إلى الجحيم فبظلم منهم ، ولا تزر وازرة وزر أخرى.
أمّا العصاة المردة من أهل الكتاب ، فإنّهم على درجة بالغة من العصبيّة العمياء ، فلن ترضخ نفوسهم العاتية لتستسلم للحقّ مهما وضح سبيله وتبيّنت معالمه. لأنّهم على غلواء من العتوّ والاستكبار فلا يرضون منك بأقلّ من الاستسلام لهم هم واتّباع سبيلهم في الغيّ والضلال.
(وَلَنْ تَرْضى عَنْكَ الْيَهُودُ) العنود (وَلَا النَّصارى) الجحود (حَتَّى تَتَّبِعَ مِلَّتَهُمْ) : تجاريهم على طريقتهم الملتوية .. فتلك هي العلّة الوحيدة ، ولم يكن يعوزهم البرهان.