قال تعالى :
(وَلَنَبْلُوَنَّكُمْ بِشَيْءٍ مِنَ الْخَوْفِ وَالْجُوعِ وَنَقْصٍ مِنَ الْأَمْوالِ وَالْأَنْفُسِ وَالثَّمَراتِ وَبَشِّرِ الصَّابِرِينَ (١٥٥) الَّذِينَ إِذا أَصابَتْهُمْ مُصِيبَةٌ قالُوا إِنَّا لِلَّهِ وَإِنَّا إِلَيْهِ راجِعُونَ (١٥٦) أُولئِكَ عَلَيْهِمْ صَلَواتٌ مِنْ رَبِّهِمْ وَرَحْمَةٌ وَأُولئِكَ هُمُ الْمُهْتَدُونَ (١٥٧))
وإذ جاء ذكر الشهداء ورفيع منزلتهم عند الله كانت المناسبة تستدعي المضيّ في بيان التعبئة لمواجهة الأحداث ـ وهي متوافرة في هذه الحياة ـ وفي تقويم التصوّر لحقيقة الأحداث ـ ولعلّ وراءها مصلحة وحكمة ومن ثمّ فإنّ البلاء موكّل بالأنبياء ثمّ الأمثل فالأمثل (١) فلا بدّ من تربية النفوس بالبلاء ، ومن امتحان التصميم على معركة الحقّ بالمخاوف والشدائد ، وبالجوع ونقص الأموال والأنفس والثمرات لا بدّ من هذا البلاء ليؤدّي المؤمنون تكاليف العقيدة ، كي تعزّ على نفوسهم بمقدار ما أدّوا في سبيلها من تكاليف. أمّا العقائد الرخيصة الّتي لا يؤدّي أصحابها تكاليفها لا يعزّ عليهم التخلّي عنها عند الصدمة الأولى. فالتكاليف هنا هي الثمن النفسي الّذي تعزّ به العقيدة في نفوس أهلها قبل أن تعزّ في نفوس الآخرين.
نعم ، لا بدّ من البلاء ، ليصلب عود أصحاب العقيدة ويقوى. فالشدائد تستجيش مكنون القوى ومذخور الطاقة ، وتفتح في القلب منافذ ومسارب ما كان ليعلمها المؤمن في نفسه إلّا تحت مطارق الشدائد. والقيم والموازين والتصوّرات ما كانت لتصحّ وتدقّ وتستقيم إلّا في جوّ المحنة الّتي تزيل الغبش عن العيون والران عن القلوب!
وأهمّ من هذا كلّه ، أو القاعدة الأساسيّة لهذا كلّه ، الالتجاء إلى الله وحده ، حين تهتزّ الأسناد كلّها ، وتتوارى الأوهام وهي شتّى ، ويخلو القلب إلى الله وحده ، لا يجد سندا إلّا سنده. وفي هذه اللحظة فقط تنجلي الغشاوات ، وتنفتح البصيرة ، وينجلي الأفق على مدّ البصر ، لا شيء إلّا الله ، لا قوّة
__________________
(١) البحار ١١ : ٦٩ / ٢٩ ؛ مسند أحمد ١ : ١٧٢ ؛ الكافي ٢ : ٢٥٩ / ٢٩ ؛ النسائي ٤ : ٣٥٢ / ٧٤٨١ ؛ علل الشرائع ١ : ٤٤ / ١ ، باب ٤٠.