وعلى مقتضى إطلاقين :
أحدهما : أن يطلق على التصديقات والأعمال جميعا ، فيكون للإيمان ركنان : أحدهما اليقين ، والآخر الصبر. والمراد باليقين : المعارف القطعيّة الحاصلة بهداية الله تعالى عبده إلى أصول الدين. والمراد بالصبر : العمل بمقتضى اليقين. إذ اليقين يعرّفه أنّ المعصية ضارّة والطاعة نافعة ، ولا يمكن ترك المعصية والمواظبة على الطاعة إلّا بالصبر ، وهو استعمال باعث الدين في قهر باعث الهوى والكسل. فيكون الصبر نصف الإيمان بهذا الاعتبار. ولهذا جمع رسول الله صلىاللهعليهوآلهوسلم : بينهما فقال : «من أقلّ ما أوتيتم اليقين وعزيمة الصبر» (١).
الاعتبار الثاني : أن يطلق على الأحوال المثمرة للأعمال لا على المعارف ، وعند ذلك ينقسم جميع ما يلاقيه العبد إلى ما ينفعه في الدنيا والآخرة أو يضرّه فيهما ، وله بالإضافة إلى ما يضرّه حال الصبر ، وبالإضافة إلى ما ينفعه حال الشكر. فيكون الشكر أحد شطري الإيمان بهذا الاعتبار ، كما أنّ اليقين أحد الشطرين بالاعتبار الأوّل. وبهذا النظر قال ابن مسعود رضي الله عنه : «الإيمان نصفان ، نصف صبر ونصف شكر». وقد يرفع أيضا إلى رسول الله صلىاللهعليهوآلهوسلم (٢).
ولمّا كان الصبر صبرا عن باعث الهوى بثبات باعث الدين ، وكان باعث الهوى قسمين ، باعث من جهة الشهوة ، وباعث من جهة الغضب ؛ فالشهوة لطلب اللذيذ والغضب للهرب من المؤلم ، وكان الصوم صبرا عن مقتضى الشهوة فقط وهي شهوة البطن والفرج دون مقتضى الغضب ، قال صلىاللهعليهوآلهوسلم بهذا الاعتبار : «الصوم نصف الصبر» (٣).
لأنّ كمال الصبر بالصبر عن دواعي الشهوة ودواعي الغضب جميعا ، فيكون الصوم بهذا الاعتبار ربع الإيمان. فهكذا ينبغي أن تفهم تقديرات الشرع بحدود الأعمال والأحوال ونسبتها إلى الإيمان ؛ والأصل فيه أن تعرف كثرة أبواب الإيمان ، فإنّ اسم الإيمان يطلق على وجوه مختلفة.
الأسامي الّتي تتجدّد للصبر بالإضافة إلى ما عنه الصبر
اعلم أنّ الصبر ضربان ؛ أحدهما : بدنيّ ، كتحمّل المشاقّ بالبدن والثبات عليها. وهو إمّا بالفعل
__________________
(١) مسكن الفؤاد : ٤٧ ؛ البحار ٧٩ : ١٣٧ / ٢٢.
(٢) كنز العمّال ١ : ٣٦ / ٦١ ؛ البحار ٧٤ : ١٥١ / ٩٩.
(٣) ابن ماجة ١ : ٥٥٥ / ١٧٤٥ ، بلفظ : «الصيام نصف الصبر».