وصله في كتاب الأدب المفرد ، وكذا وصله أحمد بن حنبل وغيره من طريق محمّد بن إسحاق عن داوود بن الحصين عن عكرمة عن ابن عبّاس (١). وإسناده حسن ، استعمله المؤلف في الترجمة ، لكونه متقاصرا عن شرطه ، وقوّاه بما دلّ عن معناه ، لتناسب السهولة واليسر (٢).
[٢ / ٤٨٦٥] وأخرج بالإسناد إلى أبي هريرة عن النبيّ صلىاللهعليهوآلهوسلم قال : «إنّ الدين يسر ولن يشادّ الدين أحد إلّا غلبه ، فسدّدوا وقاربوا وأبشروا ، واستعينوا بالغدوة والرّوحة وشيء من الدّلجة» (٣).
قوله : «ولن يشادّ الدين أحد إلّا غلبه». قال ابن حجر : المشادّة ـ بالتشديد ـ المغالبة ، يقال : شادّه يشادّه مشادّة إذا قاواه. والمعنى : لا يتعمّق أحد في الأعمال الدينيّة ويترك الرفق إلّا عجز وانقطع فيغلب. قال ابن المنير : في هذا الحديث علم من أعلام النبوّة ، فقد رأينا ورأى الناس قبلنا أنّ كلّ متنطّع في الدين ينقطع .. وليس المراد منع طلب الأكمل في العبادة ، فإنّه من الأمور المحمودة ، بل منع الإفراط المؤدّي إلى الملال ، أو المبالغة في التطوّع المفضي إلى ترك الأفضل أو إخراج الفرض عن وقته ، كمن بات يصلّي الليل كلّه ويغالب النوم إلى أن غلبته عيناه في آخر الليل فنام عن صلاة الصبح في الجماعة أو إلى أن خرج الوقت المختار أو إلى أن طلعت الشمس فخرج وقت الفريضة.
[٢ / ٤٨٦٦] وفي حديث محجن بن الأدرع عند أحمد : «إنّكم لن تنالوا هذا الأمر بالمغالبة ، وخير دينكم اليسرة» (٤).
قال ابن حجر : وقد يستفاد من هذا الإشارة إلى الأخذ بالرخصة الشرعيّة ، فإنّ الأخذ بالعزيمة ، موضع الرخصة ، تنطّع ، كمن يترك التيمّم عند العجز عن استعمال الماء ، فيفضي به استعماله إلى حصول الضرر (٥).
قوله : «فسدّدوا» أي ألزموا السداد وهو الصواب من غير إفراط أو تفريط. قال أهل اللغة : السداد ، التوسّط في العمل.
قوله : «وقاربوا» أي إن لم تستطيعوا الأخذ بالأكمل فاعملوا بما يقرب منه.
__________________
(١) مسند أحمد ١ : ٢٣٦. وسيأتي.
(٢) فتح الباري ١ : ٨٦ ـ ٨٧.
(٣) البخاري ١ : ١٦.
(٤) مسند أحمد ٥ : ٣٢. وسنذكره تفصيلا.
(٥) فتح الباري ١ : ٨٧ ـ ٨٨.