قوله : «وأبشروا» أي بالثواب على العمل الدائم وإن قلّ. قال ابن حجر : والمراد بالتبشير هنا تبشير من عجز عن العمل بالأكمل ، بأنّ العجز إذا لم يكن من صنيعه ، لا يستلزم نقص أجره ، وأبهم المبشّر به تعظيما له وتفخيما (١).
قوله : «واستعينوا بالغدوة والرّوحة وشيء من الدّلجة» أي استعينوا على مداومة العبادة بإيقاعها في الأوقات المنشّطة. والغدوة ـ بالضمّ ـ البكرة أو ما بين صلاة الغداة وطلوع الشمس ، كما قال الجوهري (٢). والغدوة ـ بالفتح ـ سير أوّل النهار ، نقيض الرّوحة : السير بعد العصر ، والدّلجة ـ بضمّ أوّله وفتحه وإسكان اللام ـ سير آخر الليل.
وأنشدوا للإمام أمير المؤمنين عليهالسلام :
اصبر على السّير والإدلاج في السّحر |
|
وفي الرّواح على الحاجات والبكر |
فجعل الإدلاج في السّحر (٣).
قال ابن حجر : وهذه الأوقات أطيب أوقات المسافر ، وكأنّه صلىاللهعليهوآلهوسلم خاطب مسافرا إلى مقصد ، فنبّهه على أوقات نشاطه ، لأنّ المسافر إذا سافر الليل والنهار جميعا ، عجز وانقطع. وإذا تحرّى السير في هذه الأوقات المنشّطة ، أمكنته المداومة من غير مشقّة.
قال : وحسن هذه الاستعارة ، أنّ الدنيا ـ في الحقيقة ـ دار نقلة إلى الآخرة ، وأنّ هذه الأوقات بخصوصها أروح ما يكون فيها البدن للعبادة (٤).
[٢ / ٤٨٦٧] أخرج البخاري بالإسناد إلى ابن أبي ذئب عن سعيد المقبريّ عن أبي هريرة قال : قال رسول الله صلىاللهعليهوآلهوسلم : «لن ينجّي أحدا منكم عمله! قالوا : ولا أنت ، يا رسول الله؟ قال : ولا أنا ، إلّا أن يتغمّدني الله برحمة. ثمّ قال : سدّدوا وقاربوا واغدوا وروحوا وشيء من الدّلجة ، والقصد القصد ، تبلغوا» (٥).
قال ابن حجر : «القصد القصد» بالنصب فيهما على الحثّ والإغراء. والقصد : الأخذ بالأمر
__________________
(١) المصدر ١ : ٨٨.
(٢) الصحاح ٦ : ٢٤٤٤. «مادة غدا» ؛ اللسان ١٥ : ١١٦ ؛ النهاية ٣ : ٣٤٦.
(٣) النهاية لابن الأثير ٢ : ١٢٩ ؛ اللسان ٢ : ٢٧٣.
(٤) فتح الباري ١ : ٨٨.
(٥) البخاري ٨ : ١٢٢ ، كتاب الرقاق ، باب القصد والمداومة على العمل ؛ مسند أحمد ٢ : ٥١٤ و ٥٣٧.