قال : وقال آخرون : الإفطار في السفر رخصة من الله ـ عزوجل ـ والفرض الصوم ، فمن صام نفرضه أدّى ، ومن أفطر فبرخصة الله أخذ!
قال : وهذا هو الصحيح وعليه عامّة الفقهاء. واستدلّ بما يلي :
[٢ / ٤٦٢٩] روى عاصم بن الأحول عن أبي نضرة عن جابر قال : كنّا مع النبيّ صلىاللهعليهوآلهوسلم في سفر ، فمنّا الصائم ومنّا المفطر ، فلم يكن بعضنا يعيب على بعض.
[٢ / ٤٦٣٠] وروى يحيى بن سعيد عن هشام عن أبيه عن عائشة : أنّ حمزة بن عمرو قال : يا رسول الله صلىاللهعليهوآلهوسلم إنّي كنت أتعوّد الصيام ، أفأصوم في السفر؟ قال : «إن شئت فصم وإن شئت فأفطر» (١)
[٢ / ٤٦٣١] وعن عروة بن أبي قراح عن حمزة بن عمرو أنّه قال : يا رسول الله صلىاللهعليهوآلهوسلم أجد بي قوّة على الصيام في السفر ، فهل عليّ جناح؟ قال : «هي رخصة من الله ـ عزوجل ـ : فمن أخذها فحسن ، ومن أحبّ أن يصوم فلا جناح عليه» (٢).
قال : والجامع لهذه الأخبار ، والمؤيّد لما قلنا ما روى أيّوب عن عروة وسالم ، أنّهما كانا عند عمر بن عبد العزيز ، إذ هو أمير على المدينة ، فتذاكروا الصوم في السفر.
فقال سالم : كان ابن عمر لا يصوم في السفر! وقال عروة : كانت عائشة تصوم في السفر!
فقال سالم : إنّما أحدّث عن عبد الله بن عمر! وقال عروة : إنّما أحدّث عن عائشة! فارتفعت أصواتهما. فقال عمر بن عبد العزيز : اللهمّ اغفر ، إذا كان يسرا فصوموا وإذا كان عسرا فأفطروا (٣).
* * *
[٢ / ٤٦٣٢] روى أبو النضر محمّد بن مسعود بن عيّاش بالإسناد إلى الزّهري عن الإمام زين العابدين عليهالسلام في صوم السفر والمرض قال : اختلفت العامّة (عامّة الفقهاء) في ذلك فقال قوم : يصوم. وقال قوم : لا يصوم. وقال قوم : إن شاء صام وإن شاء أفطر! قال : وأمّا نحن فنقول : يفطر في الحالين جميعا ، فإن صام في السفر أو في حال المرض ، فعليه القضاء ؛ ذلك بأنّ الله تعالى يقول :
__________________
(١) ابن ماجة ١ : ٥٣١ / ١٦٦٢ ؛ سنن النسائي ٤ : ١٨٦.
(٢) مسلم ٣ : ١٤٥.
(٣) الثعلبي ٢ : ٧١ ـ ٧٢.