قال : فإن ظنّ ذو غباوة (١) أنّ الّذي صامه لم يكن فرضه الواجب ، فإنّ عموم الآية يخالفه ، وكان معنى قوله تعالى : (فَمَنْ كانَ مِنْكُمْ مَرِيضاً أَوْ عَلى سَفَرٍ فَعِدَّةٌ مِنْ أَيَّامٍ أُخَرَ) أنّ من أفطر عن رخصة فعليه صوم عدّة أيّام أخر مكان الأيّام الّتي أفطر في سفره أو مرضه (٢).
قال : وقد تظاهرت الأخبار عن رسول الله صلىاللهعليهوآلهوسلم أنّه رخّص الصوم والفطر كليهما في السفر :
[٢ / ٤٦٢٦] فقد روي أنّ حمزة الأسلمي كان يسرد الصوم ـ أي يتابع فيه ـ فسأل رسول الله صلىاللهعليهوآلهوسلم عن الصوم في السفر. فقال رسول الله صلىاللهعليهوآلهوسلم : «إنّما هي رخصة من الله لعباده ، فمن فعلها فحسن جميل ومن تركها فلا جناح عليه». فكان حمزة يصوم الدهر ، فيصوم في السفر والحضر. وكان عروة بن الزبير يصوم الدهر في السفر والحضر ، حتّى أن كان ليمرض فلا يفطر. وكان أبو مراوح يصوم الدهر سفرا وحضرا.
قال أبو جعفر : ففي هذا مع نظائره من الأخبار الّتي يطول باستيعابها الكتاب ، الدلالة الدالّة على صحّة ما قلنا من أنّ الإفطار رخصة لا عزم.
قال : وأمّا حديث «ليس من البرّ الصيام في السفر» فمورده ما إذا أضرّه الصوم وهكذا قوله : الصائم في السفر كالمفطر في الحضر ، كان لمن أضرّه الصوم (٣).
* * *
ورافقه على ذلك أبو إسحاق الثعلبي قال : قال قوم : الإفطار في السفر عزيمة واجبة وليس برخصة ، فمن صام في السفر فعليه القضاء إذا أقام. وهو قول عمر بن الخطّاب وأبي هريرة وابن عبّاس وعليّ بن الحسين وعروة بن الزبير والضحّاك.
[٢ / ٤٦٢٧] واستندوا إلى رواية أمّ الدرداء عن كعب بن عاصم قال : سمعت رسول الله صلىاللهعليهوآلهوسلم يقول : «ليس من البرّ الصيام في السفر» (٤).
[٢ / ٤٦٢٨] وروى الزّهري بالإسناد إلى عبد الرحمان بن عوف ، قال : الصائم في السفر كالمفطر في الحضر.
__________________
(١) تعبير متجاف بالنسبة إلى من ذكر عنهم أنّهم أوجبوا القضاء لمن صام في السفر!؟
(٢) الطبري ٢ : ٢١٠.
(٣) الطبري ٢ : ٢١١ ـ ٢١٢.
(٤) الأمّ ٢ : ١١٢ ؛ مسند الحميدي ٢ : ٣٨١.