القرآن ، ويعرض لحججهم وجولهم ومحالهم ، فيبدو كلّه ضعيفا شاحبا ، كما يبدو فيه العنت والادّعاء بلا دليل .. كذلك تبدو العقيدة الإسلاميّة عقيدة طبيعيّة شاملة لا ينحرف عنها إلّا المتعنّتون :
(وَقالُوا) ـ لا عن وعي ـ : (كُونُوا هُوداً أَوْ نَصارى تَهْتَدُوا) قالت اليهود : كونوا هودا تهتدوا. وقالت النصارى : كونوا نصارى تهتدوا. فكلّ يضرب على وتره ويحاكي شاكلته ، لا عن وعي ولا إقامة برهان.
(قُلْ : بَلْ مِلَّةَ إِبْراهِيمَ حَنِيفاً) : الشريعة البيضاء النقيّة التي جاء بها إبراهيم من أوّل يومه ، ولا تزال هي شريعة الله الخالدة مدى الأجيال.
(وَما كانَ مِنَ الْمُشْرِكِينَ) كما تزعم العرب المشركون أنّهم على امتداد خطّ أبيهم إبراهيم عليهالسلام.
وعليه فلنرجع جميعا ـ سواء اليهود أو النصارى أم المشركون ـ إلى ملّة أبينا إبراهيم ، هو أب الأنبياء ، وملّته ملّتهم جميعا ، كما هي ملّة الإسلام الحاضرة (مِلَّةَ أَبِيكُمْ إِبْراهِيمَ هُوَ سَمَّاكُمُ الْمُسْلِمِينَ مِنْ قَبْلُ وَفِي هذا لِيَكُونَ الرَّسُولُ شَهِيداً عَلَيْكُمْ وَتَكُونُوا شُهَداءَ عَلَى النَّاسِ فَأَقِيمُوا الصَّلاةَ وَآتُوا الزَّكاةَ وَاعْتَصِمُوا بِاللهِ هُوَ مَوْلاكُمْ فَنِعْمَ الْمَوْلى وَنِعْمَ النَّصِيرُ). (١)
تلك هي الوحدة الدينيّة الكبرى التي يدعو إليها المسلمون ، من لدن إبراهيم فإلى موسى وعيسى وإلى الإسلام الأخير .. دعوة أهل الكتاب إلى الإيمان بهذا الدين الحنيف الشامل.
(قُولُوا آمَنَّا بِاللهِ وَما أُنْزِلَ إِلَيْنا) نحن المسلمين (وَما أُنْزِلَ إِلى إِبْراهِيمَ وَإِسْماعِيلَ وَإِسْحاقَ وَيَعْقُوبَ وَالْأَسْباطِ ، وَما أُوتِيَ مُوسى وَعِيسى وَما أُوتِيَ النَّبِيُّونَ مِنْ رَبِّهِمْ لا نُفَرِّقُ بَيْنَ أَحَدٍ مِنْهُمْ وَنَحْنُ لَهُ) لله (مُسْلِمُونَ) كما قال الأب إبراهيم من قبل (إِذْ قالَ لَهُ رَبُّهُ أَسْلِمْ قالَ أَسْلَمْتُ لِرَبِّ الْعالَمِينَ).
تلك هي حقيقة الإيمان وأساسها الاستسلام لله ربّ العالمين .. ومن ثمّ (فَإِنْ آمَنُوا بِمِثْلِ ما آمَنْتُمْ بِهِ فَقَدِ اهْتَدَوْا وَإِنْ تَوَلَّوْا) وحسبوا الاهتداء في احتكارهم (فَإِنَّما هُمْ فِي شِقاقٍ) جدال مع الحقّ الصريح (فَسَيَكْفِيكَهُمُ اللهُ) شرّهم ومكائدهم (وَلا يَحِيقُ الْمَكْرُ السَّيِّئُ إِلَّا بِأَهْلِهِ)(٢) .. (وَهُوَ السَّمِيعُ) لما يدور بينهم من مؤامرات لئيمة (الْعَلِيمُ) بنيّاتهم الخبيثة ، ومن ثمّ فإنّ كلّ دسائسهم تصبح فاشلة وفاضحة ، ولا يفلح الماكر حيث أتى. (٣)
__________________
(١) الحجّ ٢٢ : ٧٨.
(٢) فاطر ٣٥ : ٤٣.
(٣) اقتباسا من قوله تعالى : (وَلا يُفْلِحُ السَّاحِرُ حَيْثُ أَتى) (طه ٢٠ : ٦٩). حيث الماكر ساحر.