ويأتي دور تنفيذ إبراهيم وإسماعيل للأمر الذي تلقّياه من ربّهما ، بإعداد البيت وتطهيره للطائفين والعاكفين والركّع السجود. يرسمه القرآن مشهودا كما لو كانت الأعين تراهما اللحظة وتسمعهما في آن :
(وَإِذْ يَرْفَعُ إِبْراهِيمُ الْقَواعِدَ مِنَ الْبَيْتِ) هي أصول بنيانه (وَإِسْماعِيلُ) ضارعين سائلين منه تعالى : (رَبَّنا تَقَبَّلْ مِنَّا إِنَّكَ أَنْتَ السَّمِيعُ الْعَلِيمُ) السميع لدعائنا ، العليم بالمصالح في عاجل الحياة وآجلها.
(رَبَّنا وَاجْعَلْنا مُسْلِمَيْنِ لَكَ) إسلاما عن صدق وإخلاص (وَ) كذلك اجعل (مِنْ ذُرِّيَّتِنا أُمَّةً مُسْلِمَةً لَكَ). لتكون الذرّيّة هم العناصر الأولى لتكوين أمّة عريقة لها تأصّلها وكرامتها وشرفها التليد. وليكن طابعها الإسلام وشعارها السّلام والتضامن والوئام .. تضامن الأجيال في العقيدة والإيمان.
(وَأَرِنا مَناسِكَنا) عرّفنا شعائر ديننا الحقّ ، ومراسيم عباداتنا حسبما ترضاه .. فلا ننحرف ولا ننجرف ولا يتلاعب بنا الأهواء.
(وَتُبْ عَلَيْنا) إن نسينا أو أخطأنا (إِنَّكَ أَنْتَ التَّوَّابُ الرَّحِيمُ).
ثمّ لئلّا يتركهم بلا هداية في أجيالهم المتلاحقة : (رَبَّنا وَابْعَثْ فِيهِمْ رَسُولاً مِنْهُمْ يَتْلُوا عَلَيْهِمْ آياتِكَ وَيُعَلِّمُهُمُ الْكِتابَ وَالْحِكْمَةَ وَيُزَكِّيهِمْ إِنَّكَ أَنْتَ الْعَزِيزُ الْحَكِيمُ).
وكان آخر من أرسل إليهم بدعاء إبراهيم وإسماعيل ، هو نبيّ الإسلام محمّد المصطفى صلىاللهعليهوآلهوسلم فقد كانت فيه جماع الأوصاف :
[٢ / ٣١٦٦] كما قال أمير المؤمنين عليهالسلام : «اجتباه من بني جلدته من خير محتد أصيل. يتلو عليهم آياته : بيّناته. يتابع ذكر الدلائل على عظيم آلائه ، فيذكّرهم منسيّ نعمته ، ويستأديهم ميثاق فطرته ، ويريهم آيات المقدرة ، ويثير لهم دفائن العقول» (١). ويعلّمهم شرائع الكتاب المفروضة عليهم والمندوب إليها في صميم الشريعة. كما ويفتح لهم أبواب الحكمة الرشيدة : بصيرة نافذة في الأعماق (وَمَنْ يُؤْتَ الْحِكْمَةَ فَقَدْ أُوتِيَ خَيْراً كَثِيراً). (٢)
__________________
(١) انظر : نهج البلاغة ، الخطبة الأولى.
(٢) البقرة ٢ : ٢٦٩.