(وَإِذْ جَعَلْنَا الْبَيْتَ مَثابَةً) مرجعا (لِلنَّاسِ) جميعا يؤوبون إليه من كلّ صوب ومكان. فهو حقّ للجميع ، وليس لأحد أو فئة أن يمنع الناس عن مثابتهم حول البيت. (وَأَمْناً) محلّا آمنا ، وليس لسدنته من قريش أن يروّعوا أحدا أو يؤذوهم أو يفتنوهم عن دينهم ـ كما فعلت بالمؤمنين وهم أحقّ به منهم.
(وَاتَّخِذُوا مِنْ مَقامِ إِبْراهِيمَ مُصَلًّى). ومقام إبراهيم هنا يشمل البيت والمسجد الحرام ، والذي ينبغي أن يتخذ مصلّى ، محلّا للعبادة لله خالصة. ومن ثمّ (وَعَهِدْنا إِلى إِبْراهِيمَ وَإِسْماعِيلَ أَنْ طَهِّرا بَيْتِيَ لِلطَّائِفِينَ وَالْعاكِفِينَ وَالرُّكَّعِ السُّجُودِ.)
وهذا هو عهد الله بالنسبة إلى بيت الله الحرام ، فليكن مطهّرا من رجس الأوثان ، وممهّدا للطائفين حوله ، والعاكفين في جواره ، والمتعبّدين الركّع السجود.
* * *
(وَإِذْ قالَ إِبْراهِيمُ رَبِّ اجْعَلْ هذا بَلَداً آمِناً وَارْزُقْ أَهْلَهُ مِنَ الثَّمَراتِ). ومرّة أخرى يؤكّد دعاء إبراهيم صفة الأمن للبيت ، ويؤكّد معنى الوراثة للفضل والخير .. ولقد عرف إبراهيم منذ أن قال له ربّه : (لا يَنالُ عَهْدِي الظَّالِمِينَ) أن يحترس ويستثني ويحدّد من يعني :
(مَنْ آمَنَ مِنْهُمْ بِاللهِ وَالْيَوْمِ الْآخِرِ) إيمانا بالمبدأ والمعاد ، إيمانا بمسيرة الحياة مبتدئة من عند الله ، ومنتهية إليه في نهاية المطاف .. فقد كانت المسيرة في جميع مراحلها مرعيّة برعايته تعالى وفي قبضته وفي رقابة شديدة منه. (ما يَلْفِظُ مِنْ قَوْلٍ إِلَّا لَدَيْهِ رَقِيبٌ عَتِيدٌ)(١). فليكن الإنسان على حذر من شأنه في الحال والمآل.
وإبراهيم المتأدّب بالأدب الذي علّمه ربّه ، فيراعيه في طلبه ودعائه .. يجيئه الجواب من عند ربّه مكمّلا ومبيّنا عن الشطر الآخر الذي سكت عنه إبراهيم. شطر الّذين بغوا في الأرض وعتوا عن أمر ربّهم ، فليؤولوا إلى مصير أليم :
(قالَ) ـ تعالى ـ : (وَمَنْ كَفَرَ فَأُمَتِّعُهُ قَلِيلاً) قد يكون له حظّ في الحياة ولكنّه قصير (ثُمَّ أَضْطَرُّهُ إِلى عَذابِ النَّارِ وَبِئْسَ الْمَصِيرُ) تلك عاقبة الّذين خسروا أنفسهم فألجؤوا إلى شقاء الأبد وبئس المصير.
__________________
(١) سورة ق ٥٠ : ١٨.