في الاتّجاه النبيل ذلك الشعور الذي يحاول بعض المتشاكسين الأحداث تحطيمه أو تعويقه وتكبيله ، وهو مركوز في أصل الفطرة ، لتحقيق تلك الغاية البعيدة المدى.
ومن ثمّ (قالَ) ـ إبراهيم بدافع من فطرته الرشيدة ـ : (وَمِنْ ذُرِّيَّتِي؟) وذلك استعلام منه : هل هناك في ذرّيّته من يصلح للإمامة؟ وليس طلبا منه أن يجعل منهم إماما! (١)
وجاءه الجواب من ربّه الذي ابتلاه واصطفاه ـ بعد أن قضى عقبات كؤودة ـ جوابا يقرّر القاعدة الكبرى لنيل الشهادة العليا ، والتي أساسها الإيمان الصادق والعمل الصالح والسير على منهج اليقين. إنّ الإمامة ـ وهي قدوة إلهيّة ـ إنّما تكون لمن استحقّها بالعمل والشعور ، وبالصلاح والإيمان والإخلاص لله ربّ العالمين .. وليست هي وراثة أصلاب وأنساب. فالقربى ليست وشيجة لحم ودم ، إنّما هي وشيجة دين وعقيدة.
ومن ثمّ (قالَ) ـ تعالى ـ : (لا يَنالُ عَهْدِي الظَّالِمِينَ).
والظلم أنواع وألوان : ظلم النفس بالشرك ، وظلم الناس بالبغي .. والإمامة الممنوعة على الظالمين تشمل كلّ معاني الإمامة : إمامة الرسالة ، وإمامة الخلافة. وإمامة القيادة. وحتّى إمامة الصلاة.
فالعدل بكلّ معانيه هو أساس استحقاق هذه الإمامة في أيّة صورة من صورها. ومن ظلم ـ أيّ لون من الظلم ـ فقد جرّد نفسه من حقّ الإمامة وأسقط حقّه فيها ، بكلّ معنى من معانيها.
وهذا الذي قيل لإبراهيم عليهالسلام وهذا العهد بصيغته التي لا التواء فيها ولا غموض ، قاطع في تنحية مشركي العرب واليهود عن صلاحيّة القيادة والإمامة ، بما عتوا وبغوا في الأرض ، عتوا عن أمر الله إلى حدّ الشرك بالله وأفسدوا وانحرفوا عن طريقة جدّهم إبراهيم الخليل عليهالسلام.
وهذا الذي قيل لإبراهيم عليهالسلام وهذا العهد بصيغته التي لا التواء فيها ولا غموض ، قاطع كذلك في تنحية من يسمّون أنفسهم المسلمين اليوم ، ولكنّهم ظلموا وفسقوا وعتوا عن أمر ربّهم ، ونبذوا شريعة الله وراء ظهورهم. ودعواهم الإسلام ، وهم ينحّون شريعة الله ومنهجه عن الحياة ، دعوى كاذبة بل فاضحة تزيد على خبثهم لؤما.
__________________
(١) كما قال الجبّائي : إنّه سؤال منه من الله أن يعرّفه : هل في ذرّيّته من يجعله إماما مثله؟ (التبيان ١ : ٤٤٧).