الله من في القبور أنشأ جسمه (١) وردّ روحه إلى جسده ، وحشره ليوفّيه أعماله.
فالمؤمن تنتقل روحه من جسده [الدنيوي] إلى مثل جسده في الصورة [القالب المثالي]. فيجعل في جنّة من جنان الله يتنعّم فيها إلى يوم المآب.
والكافر تنتقل روحه من جسده إلى مثله بعينه ، فتجعل في نار ، فيعذّب بها إلى يوم القيامة.
قال : وشاهد ذلك في المؤمن قوله تعالى : (قِيلَ ادْخُلِ الْجَنَّةَ قالَ يا لَيْتَ قَوْمِي يَعْلَمُونَ. بِما غَفَرَ لِي رَبِّي)(٢). وشاهد ذلك في الكافر قوله تعالى : (وَحاقَ بِآلِ فِرْعَوْنَ سُوءُ الْعَذابِ. النَّارُ يُعْرَضُونَ عَلَيْها غُدُوًّا وَعَشِيًّا وَيَوْمَ تَقُومُ السَّاعَةُ أَدْخِلُوا آلَ فِرْعَوْنَ أَشَدَّ الْعَذابِ)(٣).
قال : فأخبر الله تعالى أنّ مؤمنا قال ـ بعد موته وقد أدخل الجنّة ـ : يا ليت قومي يعلمون. وأخبر أنّ كافرا يعذّب بعد موته غدوّا وعشيّا ويوم تقوم الساعة يخلد في النار.
قال : والضرب الآخر : من يلهى عنه وتعدم نفسه عند فساد جسمه (٤) فلا يشعر بشيء حتّى يبعث ، وهو : من لم يمحض الإيمان محضا ولا الكفر محضا.
قال : وقد بيّن الله تعالى ذلك عند قوله : (إِذْ يَقُولُ أَمْثَلُهُمْ طَرِيقَةً إِنْ لَبِثْتُمْ إِلَّا يَوْماً)(٥). فبيّن أنّ قوما عند الحشر لا يعلمون مقدار لبثهم في القبور ، حتّى يظنّ بعضهم أنّ ذلك كان عشرا (٦).
قال : وليس يجوز أن يكون ذلك عن وصف من عذّب إلى بعثه أو نعّم إلى بعثه. لأنّ من لم يزل منعّما أو معذّبا لا يجهل عليه حاله فيما عومل به ، ولا يلتبس عليه الأمر في بقائه بعد وفاته.
[٢ / ٣٩٨٩] قال : وقد روي عن الإمام أبي عبد الله عليهالسلام أنّه قال : «إنّما يسأل في قبره من محض الإيمان محضا أو محض الكفر محضا. فأمّا ما سوى هذين فإنّه يلهى عنه» (٧).
* * *
قلت : وفي الأحاديث أيضا شواهد على بقاء أرواح المؤمنين الأبرار ، وأنّهم أحياء متنعّمون
__________________
(١) الّذي كان في الدنيا ، وسنتكلّم عن ذلك عند الكلام عن المعاد الجسماني : ماذا يكون؟
(٢) يس ٣٦ : ٢٦ ـ ٢٧.
(٣) غافر ٤٠ : ٤٥ ـ ٤٦.
(٤) التعبير بانعدام النفس يعني الفناء والفساد محضا ، الأمر الّذي يتنافى مع قوله بعد ذلك : فلا يشعر بشيء حتّى يبعث. وسنذكر أنّ الصحيح هو العدم المحض بلا إعادة.
(٥) طه ٢٠ : ١٠٤.
(٦) (يَتَخافَتُونَ بَيْنَهُمْ إِنْ لَبِثْتُمْ إِلَّا عَشْراً) طه ٢٠ : ١٠٣.
(٧) تصحيح الاعتقاد : ٨٨ ـ ٩٠.