لَلَّذِينَ اتَّبَعُوهُ وَهذَا النَّبِيُّ وَالَّذِينَ آمَنُوا وَاللهُ وَلِيُّ الْمُؤْمِنِينَ)(١).
والآن يجيء الحديث عن إبراهيم وإسماعيل وإسحاق ، والحديث عن البيت الحرام وبنائه وعمارته وشعائره ، في جوّه المناسب ، لتقرير الحقائق الخالصة في ادّعاءات اليهود والنصارى والعرب جميعا حول هذه النسب وهذه الصلات. ولتقرير قضيّة القبلة الّتي ينبغي أن يتّجه إليها المسلمون.
كذلك تجيء المناسبة لتقرير حقيقة دين إبراهيم ـ وهو التوحيد الخالص ـ وفصل ما بينها وبين العقائد المشوّهة المنحرفة التي عليها أهل الكتاب والمشركون سواء .. وتقرير وحدة دين الله واطّراده على أيدي رسله جميعا ، ونفي فكرة احتكاره في أيدي أمّة أو جنس.
وهكذا فإنّ العقيدة هي تراث القلب المؤمن الواعي لا تراث العصبيّة العمياء. وإنّ وراثة هذا التراث لا تقوم على قرابة الدم والجنس ، ولكن على قرابة الإيمان والعقيدة الصادقة. فمن آمن بهذه العقيدة ورعاها في أيّ جيل ومن أيّ قبيل فهو أحقّ بها من أبناء الصّلب وأقرباء العصب؟ فالدين دين الله ، وليس بين الله وبين أحد من عباده نسب ولا صهر!!
نعم (إِنَّ أَوْلَى النَّاسِ بِإِبْراهِيمَ لَلَّذِينَ اتَّبَعُوهُ) واتّخذوه الحنيفيّة دينا لهم ومشوا على طريقته البيضاء النقيّة (وَهذَا النَّبِيُ) نبيّ الإسلام (وَالَّذِينَ آمَنُوا) معه هم خلفه الصالح ، ومن ثمّ فإنّهم الّذين ورثوه ، وورثوا عزّه وسؤدده ، ونالتهم العناية الربّانية الشاملة (وَاللهُ وَلِيُّ الْمُؤْمِنِينَ).
* * *
هذه الحقائق التي تمثّل شطرا من الخطوط الأساسيّة في التصوّر الإسلامي ، يجلّيها القرآن الكريم هنا في نسق من الأداء عجيب ، وفي عرض من الترتيب والتعبير بديع يسير بنا خطوة خطوة من لدن إبراهيم عليهالسلام منذ أن ابتلاه ربّه واختبره فاستحقّ اختياره واصطفاءه وتنصيبه للناس إماما إلى أن نشأت الأمّة المسلمة المؤمنة برسالة محمّد صلىاللهعليهوآلهوسلم استجابة من الله لدعوة إبراهيم وإسماعيل عليهماالسلام وهما يرفعان القواعد من البيت الحرام ؛ فاستحقّت وراثة هذه الأمانة ، دون ذرّيّة إبراهيم جميعا ؛ بذلك السبب الوحيد الذي تقوم عليه وراثة العقيدة. سبب الإيمان بالرسالة ، وحسن القيام عليها ، والاستقامة على تصوّرها الصحيح!
__________________
(١) آل عمران ٣ : ٦٨.