وَرَبُّكُمْ وَلَنا أَعْمالُنا وَلَكُمْ أَعْمالُكُمْ وَنَحْنُ لَهُ مُخْلِصُونَ (١٣٩) أَمْ تَقُولُونَ إِنَّ إِبْراهِيمَ وَإِسْماعِيلَ وَإِسْحاقَ وَيَعْقُوبَ وَالْأَسْباطَ كانُوا هُوداً أَوْ نَصارى قُلْ أَأَنْتُمْ أَعْلَمُ أَمِ اللهُ وَمَنْ أَظْلَمُ مِمَّنْ كَتَمَ شَهادَةً عِنْدَهُ مِنَ اللهِ وَمَا اللهُ بِغافِلٍ عَمَّا تَعْمَلُونَ (١٤٠) تِلْكَ أُمَّةٌ قَدْ خَلَتْ لَها ما كَسَبَتْ وَلَكُمْ ما كَسَبْتُمْ وَلا تُسْئَلُونَ عَمَّا كانُوا يَعْمَلُونَ (١٤١))
فيما سبق من آيات كان الجدل مع أهل الكتاب دائرا حول سيرة بني إسرائيل ومواقفهم المتعنّتة مع أنبيائهم وفي العمل بشرائعهم وفي مواثيقهم وعهودهم ما بين نبذ ونقض وتمرّد وعصيان ، ابتداء من عهد موسى عليهالسلام فإلى عهد ظهور الإسلام وأكثره عن اليهود ، وشيء عن النصارى إلى جنب تمرّدات المشركين ، عند السمات التي كانوا يلتقون فيها مع اليهود وسائر أهل الكتاب.
والآن يرجع السياق إلى مرحلة تاريخيّة أسبق من تاريخ اليهود ، يرجع إلى عهد إبراهيم الخليل عليهالسلام وقصّة إبراهيم ـ على النحو الذي تساق به في موضعها هنا ـ تؤدّي دورها في السياق ، كما تؤدّي دورها فيما يعود إلى الجدل بين اليهود والجماعة المسلمة في المدينة من نزاع حادّ متشعّب الأطراف.
إنّ بني إسرائيل ليرجعون بأصولهم إلى إبراهيم عن طريق إسحاق ، ويعتزّون بنسبتهم إليه ، وبوعده تعالى له ولذرّيّته بالنموّ والبركة ، وعهده معه ومع ذرّيّته من بعده ، ومن ثمّ فيحتكرون لأنفسهم الهداية والقوامة على الدين ، كما كانوا يحتكرون لأنفسهم الجنّة أيّا كان ما يعملون!!
هذا وقريش أيضا كانت لترجع بأصولها إلى إبراهيم عن طريق إسماعيل ، وتعتزّ بنسبتها إليه ، وتستمدّ منها القوامة على البيت وعمارة المسجد الحرام ، وتستمدّ كذلك سلطانها الديني على العرب ، وفضلها وشرفها ومكانتها!!
الأمر الذي جعل القبيلين يصطدمان في الاحتكار بأصول الاعتزاز والشرف والنبل.
ومن ثمّ وللفصل بين الموقفين يجب عرض هذه الأصول ومدى امتدادها ـ شرفا وعزّا ـ في أيّ القبيلين؟! أو لا ذا ولا ذاك ، وإنّما يعتزّ الأبناء بشرف الآباء ، إذا ما حفظوا على السمات الأولى التي كان الآباء يملكونها وكانت موضع عزّهم وشرفهم وإلّا فربّ ولد هو شرّ خلف لخير سلف!؟
إذن فالعزّ والشرف إنّما يرثهما الأخلاف المتّبعون لآثار الأسلاف. (إِنَّ أَوْلَى النَّاسِ بِإِبْراهِيمَ