الجديد باطل وتضيع صلاتكم. وعلى أيّة حال فإنّ هذا النسخ والتغيير في الشريعة ، يتنافى وثبات شريعة الله!
وقد كان قوله تعالى : (ما نَنْسَخْ مِنْ آيَةٍ أَوْ نُنْسِها نَأْتِ بِخَيْرٍ مِنْها أَوْ مِثْلِها)(١) جوابا قاطعا على هذا التشكيك ـ على ما سلف ـ.
أمّا الآن فجاء دور تبيين حكمة هذا التحويل بشأن قبلة المسلمين بالذات.
لقد كان الاتّجاه إلى بيت المقدس أوّلا ، لحكمة تربويّة أشارت إليها الآية : (وَما جَعَلْنَا الْقِبْلَةَ الَّتِي كُنْتَ عَلَيْها إِلَّا لِنَعْلَمَ مَنْ يَتَّبِعُ الرَّسُولَ مِمَّنْ يَنْقَلِبُ عَلى عَقِبَيْهِ). كان صعبا على العرب وهم ما زالوا يعظّمون الكعبة بالذات ويعدّوه عنوان مجدهم القوميّ. غير أنّ الإسلام يريد استخلاص القلوب لله ، وتجريدها من التعلّق بغيره ، وتخليصها من كلّ نعرة ومن كلّ عصبيّة لغير المنهج الإسلامي المرتبط بالله ـ عزّت آلاؤه ـ ارتباطا مباشرا ، ومتجرّدا عن كلّ ملابسة عنصريّة أو تاريخيّة أو أرضيّة على العموم .. ولذلك فقد نزعهم نزعا من الاتّجاه إلى الكعبة ، واختار لهم الاتّجاه ـ فترة ـ إلى المسجد الأقصى ، ليخلص نفوسهم من رواسب الجاهليّة (العنصريّة والقوميّة) وليظهر ويلتمع نفوس طيّبة ممّن يتّبع الرسول صلىاللهعليهوآلهوسلم اتّباعا مجرّدا من أيّ إيحاء آخر.
فلم تكن القبلة القديمة إلّا ليتميّز المتّبع الصادق ممّن ينقلب على عقبيه اعتزازا بنعرة جاهليّة تتعلّق بالجنس والقوم والأرض والتاريخ ، أو تتلبّس بها في خفايا المشاعر وحنايا الضمير ، أيّ تلبّس من قريب أو من بعيد.
وبعد هذا كلّه فيجيء دور التعرّض لأقاويل أهل السفاسف من الكلام ، وهم السفهاء من الناس ، يقولون : (ما وَلَّاهُمْ عَنْ قِبْلَتِهِمُ الَّتِي كانُوا عَلَيْها) وهل هو تحوّل من باطل إلى حقّ أم من حقّ إلى باطل؟!
فكان الجواب : أن لا هذا ولا ذاك. بل الأمر اعتبار محض. وقد كانت الحكمة في ذات الاتّجاه الواحد ، فلا يتفرّق المتعبّدون في اتّجاه عباداتهم ، بل الجميع وفي صفّ واحد يتّجهون إلى جهة واحدة. أمّا كون نقطة الاتّجاه كذا أو كذا فهذا لا مساس له في أصل التكليف. فقد يعتبر نقطة مّا ، لمصلحة تقتضيها شرائط الزمان. ويجوز التحويل عنها إلى نقطة اخرى إذا تغيّرت المصالح. شأن
__________________
(١) البقرة ٢ : ١٠٦.