تاريخ الإسلام ووفيات المشاهير والأعلام

شمس الدين محمّد بن أحمد بن عثمان الذّهبي

وكان المصريّون لا يطمعون في أحد من أهل المدينة أن ينصرهم إلّا ثلاثة ، فإنّهم كانوا يراسلونهم ، وهم : محمد بن أبي بكر الصّدّيق ، ومحمد بن جعفر ، وعمّار بن ياسر.

قال واستقتل أناس : منهم زيد بن ثابت ، وأبو هريرة ، وسعد بن مالك ، والحسن بن عليّ ، ونهضوا لنصرة عثمان ، فبعث إليهم يعزم عليهم لمّا انصرفوا ، فانصرفوا ، وأقبل عليّ حتّى دخل على عثمان هو وطلحة والزّبير يعودونه من صرعته ، ثم رجعوا إلى منازلهم (١).

وقال عمرو بن دينار ، عن جابر قال : بعثنا عثمان خمسين راكبا ، وعلينا محمد بن مسلمة حتّى أتينا ذا خشب ، فإذا رجل معلّق المصحف في عنقه ، وعيناه تذرفان ، والسيف بيده وهو يقول : ألا إنّ هذا ـ يعني المصحف ـ يأمرنا أن نضرب بهذا ، يعني السيف ، على ما في هذا ، يعني المصحف ، فقال محمد بن مسلمة : اجلس فقد ضربنا بهذا على ما في هذا قبلك ، فجلس فلم يزل يكلّمهم حتّى رجعوا (٢).

وقال الواقديّ : حدّثني ابن جريج وغيره ، عن عمرو ، عن جابر ، أنّ المصريّين لما أقبلوا يريدون عثمان دعا عثمان محمد بن مسلمة فقال : اخرج إليهم فارددهم وأعطهم الرّضا ، وكان رؤساؤهم أربعة : عبد الرحمن بن عديس ، وسودان بن حمران ، وعمرو بن الحمق الخزاعيّ ، وابن النّباع (٣) ،

__________________

(١) تاريخ الطبري ٤ / ٣٥٠ ـ ٣٥٣ ، وتاريخ دمشق ٣١٥ ـ ٣٢٠.

(٢) تاريخ دمشق ٣٢١.

(٣) في النسخة (ع) ومنتقى الأحمدية ، وتاريخ دمشق ٣٢١ ، «البيّاع» ، وما أثبتناه عن الأصل ، وتاريخ الطبري ٤ / ٣٧٣ و ٣٨٩.

٤٤١

فأتاهم ابن مسلمة ، فلم يزل بهم حتّى رجعوا ، فلمّا كانوا بالبويب (١) رأوا جملا عليه ميسم الصّدقة ، فأخذوه ، فإذا غلام لعثمان ، ففتّشوا متاعه ، فوجدوا قصبة من رصاص ، فيها كتاب في جوف الإداوة (٢) في الماء : إلى عبد الله بن سعد بن أبي سرح أن أفعل بفلان كذا ، وبفلان كذا ، من القوم الذين شرعوا في قتل عثمان ، فرجع القوم ثانية ونازلوا عثمان وحصروه (٣).

قال الواقديّ : فحدّثني عبد الله بن الحارث ، عن أبيه قال : أنكر عثمان أن يكون كتب ذلك الكتاب وقال : فعل ذلك بلا أمري (٤).

وقال أبو نضرة ، عن أبي سعيد مولى أبي أسيد ، فذكر طرفا من الحديث (٥) ، إلى أن قال : ثم رجعوا راضين ، فبينما هم بالطّريق ظفروا برسول إلى عامل مصر أن يصلّبهم ويفعل (٦) ، فردّوا إلى المدينة ، فأتوا عليّا فقالوا : ألم تر إلى عدوّ الله ، فقم معنا ، قال : والله لا أقوم معكم ، قالوا : فلم كتبت إلينا؟ قال : والله ما كتبت إليكم ، فنظر بعضهم إلى بعض.

وخرج عليّ من المدينة ، فانطلقوا إلى عثمان فقالوا : أكتبت فينا بكذا؟ فقال : إنّما هما اثنان ، تقيمون رجلين من المسلمين ـ يعني شاهدين ـ ، أو

__________________

(١) في النسخة (ع) ومنتقى الأحمدية «التويت» وهو تصحيف ، والتصحيح من معجم البلدان ١ / ٥١٢ وهو مدخل أهل الحجاز إلى مصر.

(٢) في طبقات ابن سعد «الإدارة» ، والمثبت هو الصواب. والإداوة : إناء صغير من جلد يتّخذ للماء.

(٣) طبقات ابن سعد ٣ / ٦٥ ، أنساب الأشراف ق ٤ ج ١ / ٥٥١ و ٥٥٥ رقم ١٤١٤ و ١٤١٧ ، تاريخ الطبري ٤ / ٣٧٥ ، تاريخ دمشق ٣٢١ ، ٣٢٢.

(٤) طبقات ابن سعد ٣ / ٦٥ ، تاريخ دمشق ٣٢٢ وفيه «فعل ذلك دوني».

(٥) الحديث في تاريخ خليفة ١٦٩ وتاريخ دمشق ٣٢٧.

(٦) في منتقى الأحمدية «ويفعل ويفعل».

٤٤٢

يميني بالله الّذي لا إله إلّا هو ما كتبت ولا علمت ، وقد يكتب الكتاب على لسان الرجل وينقش الخاتم (١) ، فقالوا : قد أحلّ الله دمك ، ونقض (٢) العهد والميثاق ، وحصروه في القصر (٣).

وقال ابن سيرين : إنّ عثمان بعث إليهم عليّا فقال : تعطون كتاب الله وتعتّبون من كلّ ما سخطتم ، فأقبل معه ناس من وجوههم ، فاصطلحوا على خمس : على أنّ المنفيّ يقلب ، والمحروم يعطى ، ويوفّر الفيء ، ويعدل في القسم ، ويستعمل ذو الأمانة والقوّة ، كتبوا ذلك في كتاب ، وأن يردّوا ابن عامر إلى البصرة وأبا موسى إلى الكوفة (٤).

وقال أبو الأشهب ، عن الحسن قال : لقد رأيتهم تحاصبوا في المسجد حتّى ما أبصر السّماء ، وإنّ رجلا رفع مصحفا من حجرات النّبيّ صلى‌الله‌عليه‌وسلم ثمّ نادى : ألم تعلموا أنّ محمدا قد بريء ممّن فرّقوا دينهم وكانوا شيعا (٥).

وقال سلّام : سمعت الحسن قال : خرج عثمان يوم الجمعة ، فقام إليه رجل فقال : أسألك كتاب الله ، فقال : ويحك ، أليس معك كتاب الله! قال : ثمّ جاء رجل آخر فنهاه ، وقام آخر ، وآخر ، حتّى كثروا ، ثمّ تحاصبوا حتّى لم أر أديم السّماء (٦).

وروى بشر بن شغاف (٧) ، عن عبد الله بن سلّام قال : بينما عثمان

__________________

(١) في تاريخ خليفة «وينقش الخاتم على الخاتم» ، وفي تاريخ دمشق «ينقش بالخاتم على الخاتم».

(٢) في تاريخ خليفة «ونقضت».

(٣) تاريخ خليفة ١٦٨ وانظر تاريخ الطبري ٤ / ٣٧٥ وما بعدها ، وتاريخ دمشق ٣٢٧ ، ٣٢٨.

(٤) تاريخ خليفة ١٦٩ ، ١٧٠ ، تاريخ دمشق ٣٢٨.

(٥) تاريخ الطبري ٤ / ٣٦٤ ، تاريخ دمشق ٣٢٩.

(٦) تاريخ دمشق ٣٣٠.

(٧) في نسخة دار الكتب «شعاف» ، والتصويب من تاريخ دمشق ، والخلاصة ٤٩.

٤٤٣

يخطب ، فقام رجل فنال منه ، فوذأته فاتّذأ (١) فقال رجل : لا يمنعك مكان ابن سلّام أن تسبّ نعثلا ، فإنّه من شيعته ، فقلت له : لقد قلت القول العظيم في الخليفة من بعد نوح (٢).

وذأته : زجرته وقمعته.

وقالوا لعثمان «نعثلا» تشبيها له برجل مصريّ اسمه نعثل (٣) كان طويل اللّحية.

والنّعثل : الذّكر من الضّباع ، وكان عمر يشبّه بنوح في الشّدّة.

وقال ابن عمر : بينما عثمان يخطب إذ قام إليه جهجاه الغفاريّ ، فأخذ من يده العصا فكسرها على ركبته ، فدخلت منها شظيّة في ركبته ، فوقعت فيها الأكلة (٤).

وقال غيره : ثمّ إنّهم أحاطوا بالدّار وحصروه ، فقال سعد بن إبراهيم ، عن أبيه : سمعت عثمان يقول : إن وجدتم في الحقّ أن تضعوا رجليّ في القيد فضعوهما (٥).

وقال ثمامة بن حزن القشيريّ : شهدت الدّار وأشرف عليهم عثمان فقال : ائتوني بصاحبيكم اللّذين ألّباكم ، فدعيا له كأنّهما جملان أو حماران ، فقال : أنشدكم الله أتعلمون أنّ رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وسلم قدم المدينة وليس فيها ماء

__________________

(١) الكلمات مهملة في نسخة دار الكتب ، وفي النسخة (ع) والمنتقى لابن الملّا مصحّفة ، والتصحيح من النهاية في غريب الحديث لابن الأثير ، ولسان العرب (مادّة : وذأ).

(٢) تاريخ دمشق ٣٣٠.

(٣) ذكر المؤلّف في «المشتبه في أسماء الرجال» ١ / ٨٦ : «ونعثل يهوديّ بالمدينة كان يشبّه به عثمان رضي‌الله‌عنه».

(٤) تاريخ الطبري ٤ / ٣٦٦ ، ٣٦٧ ، تاريخ دمشق ٣٣٢ و ٣٣٣.

(٥) طبقات ابن سعد ٣ / ٧٠ ، أنساب الأشراف ق ٤ ج ١ / ٥٦٧ رقم ١٤٤٨ ، تاريخ خليفة ١٧١ ، تاريخ دمشق ٣٥١.

٤٤٤

عذب غير بئر رومة ، فقال : «من يشتريها فيكون دلوه كدلاء المسلمين ، وله في الجنّة خير منها» فاشتريتها ، وأنتم اليوم تمنعوني أن أشرب منها حتّى أشرب من الماء (١) المالح؟ قالوا : اللهمّ نعم ، قال : أنشدكم الله والإسلام ، هل تعلمون أنّ المسجد ضاق بأهله ، فقال رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وسلم : «من يشتري بقعة بخير له منها في الجنّة» ، فاشتريتها وزدتها في المسجد ، وأنتم تمنعوني اليوم أن أصلّي فيها؟ قالوا : اللهمّ نعم ، قال : أنشدكم الله ، هل تعلمون أنّ رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وسلم كان على ثبير (٢) مكّة ، فتحرّك وعليه أبو بكر وعمر وأنا ، فقال : «أسكن فليس عليك إلّا نبيّ وصدّيق وشهيدان». قالوا : اللهمّ نعم ، فقال : الله أكبر شهدوا وربّ الكعبة أنّي شهيد (٣).

ورواه أبو سلمة بن عبد الرحمن بنحوه ، وزاد فيه أنّه جهّز جيش العسرة (٤).

ثم قال : ولكن طال عليكم أمري فاستعجلتم ، وأردتم خلع سربال سربلنيه الله ، وإنّي لا أخلعه حتّى أموت أو أقتل (٥).

وعن ابن عمر قال : فأشرف عليهم وقال : علام تقتلونني؟ فإنّ رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وسلم قال : «لا يحلّ دم امرئ مسلم إلّا بإحدى ثلاث : كفر بعد إسلام ، أو رجل زنى بعد إحصان ، أو رجل قتل نفسا» ، فو الله ما زنيت في جاهليّة ولا إسلام ، ولا قتلت رجلا ولا كفرت (٦).

__________________

(١) (الماء) ساقطة من نسخة دار الكتب.

(٢) في نسخة الدار (بئر) عوض (ثبير) وهو تحريف.

(٣) تاريخ خليفة ١٧٢ ، ١٧٣.

(٤) انظر : تاريخ دمشق ٣٣٧ وما بعدها.

(٥) انظر تاريخ خليفة ١٧١ ، وطبقات ابن سعد ٣ / ٦٦ ، وتاريخ الطبري ٤ / ٣٧١.

(٦) انظر : طبقات ابن سعد ٣ / ٦٩ ، وأنساب الأشراف ق ٤ ج ١ / ٥٦٦ ، وتاريخ الطبري ٤ / ٣٧٩ ، وتاريخ دمشق ٣٤٨.

٤٤٥

قال أبو أمامة بن سهل بن حنيف : إنّي لمع عثمان وهو محصور ، فكنّا ندخل اليه مدخلا ـ أو أدخل إليه الرجل ـ نسمع كلام من على البلاط ، فدخل يوما فيه وخرج إلينا وهو متغيّر اللّون فقال : إنّهم يتوعّدوني بالقتل ، فقلنا : يكفيكهم الله (١).

وقال سهل السّرّاج ، عن الحسن ، قال عثمان : لئن قتلوني لا يقاتلون عدوّا جميعا أبدا ، ولا يقتسمون فيئا جميعا أبدا ، ولا يصلّون جميعا أبدا (٢) :

وقال مثله عبد الملك بن أبي سليمان ، عن أبي ليلى الكنديّ ، وزاد فيه : ثمّ أرسل إلى عبد الله بن سلّام فقال : ما ترى؟ قال : الكفّ الكفّ ، فإنّه أبلغ لك في الحجّة ، فدخلوا عليه فقتلوه وهو صائم رضي‌الله‌عنه وأرضاه (٣).

وقال الحسن : حدّثني وثّاب قال : بعثني عثمان ، فدعوت له الأشتر فقال : ما يريد النّاس؟ قال : إحدى ثلاث : يخيّرونك بين الخلع ، وبين أن تقتصّ من نفسك ، فإن أبيت فإنّهم قاتلوك ، فقال : ما كنت لأخلع سربالا سربلنيه الله ، وبدني ما يقوم لقصاص (٤).

وقال حميد بن هلال : ثنا عبد الله بن مغفّل قال : كان عبد الله بن سلّام يجيء من أرض له على حمار يوم الجمعة ، فلمّا حصر عثمان قال : يا أيّها النّاس لا تقتلوا عثمان ، واستعتبوه ، فو الّذي نفسي بيده ما قتلت أمّة نبيّها

__________________

(١) طبقات ابن سعد ٣ / ٦٧ ، تاريخ دمشق ٣٥١.

(٢) طبقات ابن سعد ٣ / ٦٧ ، تاريخ الطبري ٤ / ٣٧٢ ، تاريخ خليفة ١٧١ ، تاريخ دمشق ٣٥١.

(٣) وانظر طبقات ابن سعد ٣ / ٧١ ، وتاريخ دمشق ٣٥١.

(٤) انظر تاريخ خليفة ١٧٠.

٤٤٦

فصلح ذات بينهم حتّى يهريقوا دم سبعين ألفا ، وما قتلت أمّة خليفتها فيصلح الله بينهم حتّى يهريقوا دم أربعين ألفا ، وما هلكت أمّة حتّى يرفعوا القرآن على السلطان ، قال : فلم ينظروا فيما قال : وقتلوه ، فجلس على طريق عليّ بن أبي طالب ، فقال له : لا تأت العراق والزم منبر رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وسلم ، فو الّذي نفسي بيده لئن تركته لا تراه أبدا ، فقال من حول عليّ : دعنا نقتله ، قال : دعوا عبد الله بن سلّام ، فإنّه رجل صالح (١).

قال عبد الله بن مغفّل : كنت استأمرت عبد الله بن سلّام في أرض أشتريها. فقال بعد ذلك : هذه رأس أربعين سنة ، وسيكون بعدها صلح فاشترها. قيل لحميد بن هلال : كيف ترفعون القرآن على السّلطان؟ قال : ألم تر إلى الخوارج كيف يتأوّلون القرآن على السّلطان (٢)؟

ودخل ابن عمر على عثمان وهو محصور فقال : ما ترى؟ قال : أرى أن تعطيهم ما سألوك من وراء عتبة بابك غير أن لا تخلع نفسك ، فقال : دونك عطاءك ـ وكان واجدا عليه ـ فقال : ليس هذا يوم ذاك. ثمّ خرج ابن عمر إليهم فقال : إيّاكم وقتل هذا الشيخ ، والله لئن قتلتموه لم تحجّوا البيت جميعا أبدا ، ولم تجاهدوا عدوّكم جميعا أبدا ، ولم تقتسموا فيئكم جميعا أبدا إلّا أن تجتمع الأجساد والأهواء مختلفة ، ولقد رأيتنا وأصحاب رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وسلم متوافرون نقول : أبو بكر ، ثمّ عمر ، ثمّ عثمان. رواه عاصم بن محمد العمريّ ، عن أبيه ، عن ابن عمر (٣).

وعن أبي جعفر القاري قال : كان المصريّون الذين حصروا عثمان

__________________

(١) رواه ابن عساكر في تاريخ دمشق ٣٥٦.

(٢) تاريخ دمشق ٣٥٧.

(٣) أخرجه ابن عساكر ٣٥٩.

٤٤٧

ستمائة : رأسهم كنانة بن بشر ، وابن عديس البلويّ ، وعمرو بن الحمق ، والّذين قدموا من الكوفة مائتين ، رأسهم الأشتر النّخعيّ ، والّذين قدموا من البصرة مائة ، رأسهم حكيم بن جبلة ، وكانوا يدا واحدة في الشّرّ ، وكانت حثالة من النّاس قد ضووا إليهم ، وكان أصحاب النّبيّ صلى‌الله‌عليه‌وسلم الذين خذلوه كرهوا الفتنة وظنّوا أنّ الأمر لا يبلغ قتله ، فلمّا قتل ندموا على ما ضيّعوا في أمره ، ولعمري لو قاموا أو قام بعضهم فحثا في وجوه أولئك التّراب لا نصرفوا خاسئين (١).

وقال الزّبير بن بكّار : حدّثني محمد بن الحسن قال : لمّا كثر الطّعن على عثمان تنحّى عليّ إلى ماله بينبع (٢) ، فكتب اليه عثمان : أمّا بعد فقد بلغ الحزام الطّبيين ، وبلغ (٣) السّيل الزّبى ، وبلغ الأمر فوق قدره ، وطمع في الأمر من لا يدفع عن نفسه :

فإن كنت مأكولا فكن خير آكل

وإلّا فأدركني ولمّا أمزّق

والبيت لشاعر من عبد القيس (٤).

الطّبي : موضع الثّدي من الخيل.

__________________

(١) طبقات ابن سعد ٣ / ٧١ وفيه «خاسرين» ، تاريخ دمشق ٣٦٢ ، ٣٦٣.

(٢) ينبع : بالفتح ثم السكون ثم باء موحّدة مضمومة. عين على يمين رضوى من المدينة على سبع مراحل. (معجم البلدان ٥ / ٤٤٩ ، ٤٥٠).

(٣) في تاريخ دمشق ٣٦٤ «خلّف» بدل «بلغ».

(٤) قال هشام بن الكلبيّ : هذا البيت للممزّق العبديّ واسمه شأس بن نهار بن الأسود بن حزيل ، وبه سمّي الممزّق. (أنساب الأشراف للبلاذري ق ٤ ج ١ / ٥٦٨ رقم ١٤٥١) وانظر : الكامل للمبرد ١ / ٧ والإمامة والسياسة لابن قتيبة ١ / ٥٨ ، وعيون الأخبار له ١ / ٣٤ ، وغريب الحديث لأبي عبيد ٣ / ٤٢٨ ، ومحاضرات الأدباء لراغب الأصفهاني ١ / ١٣٠ ، المفضّليّات للضبيّ ٢٩١ ، وطبقات الجمحيّ ٢٧٤ ، والبدء والتاريخ للمقدسي ٥ / ٢٠٦ ، والعقد الفريد لابن عبد ربّه ٢ / ١٦٤ ، وتاريخ دمشق (ترجمة عثمان) ـ ص ٣٦٤ ، والإكمال لابن ماكولا ٧ / ٢٩٢ ، وتبصير المنتبه ٤ / ١٣٢٠.

٤٤٨

وقال محمد بن جبير بن مطعم : لمّا حصر عثمان أرسل الى عليّ : إنّ ابن عمّك مقتول ، وإنّك لمسلوب (١).

وعن أبان بن عثمان قال : لمّا ألحّوا على عثمان بالرّمي ، خرجت حتّى أتيت عليّا فقلت : يا عمّ أهلكتنا الحجارة ، فقام معي ، فلم يزل يرمي حتّى فتر منكبه ، ثم قال : يا بن أخي ، أجمع حشمك ، ثمّ يكون هذا شأنك (٢).

وقال حبيب بن أبي ثابت ، عن أبي جعفر محمد بن عليّ : إنّ عثمان بعث إلى عليّ يدعوه وهو محصور ، فأراد أن يأتيه ، فتعلّقوا به ومنعوه ، فحسر عمامة سوداء عن رأسه وقال : اللهمّ لا أرضى قتله ولا آمر به (٣).

وعن أبي إدريس الخولانيّ قال : أرسل عثمان إلى سعد ، فأتاه ، فكلّمه ، فقال له سعد أرسل إلى عليّ ، فإن أتاك ورضي صلح الأمر ، قال : فأنت رسولي إليه ، فأتاه ، فقام معه عليّ ، فمرّ بمالك الأشتر ، فقال الأشتر لأصحابه : أين يريد هذا؟ قالوا : يريد عثمان ، فقال : والله لئن دخل عليه لتقتلنّ عن آخركم ، فقام إليه في أصحابه حتّى اختلجه (٤) عن سعد وأجلسه في أصحابه ، وأرسل الى أهل مصر : إن كنتم تريدون قتله فأسرعوا. فدخلوا عليه فقتلوه (٥).

وعن أبي حبيبة قال : لمّا اشتدّ الأمر ، قالوا لعثمان ـ يعني الذين عنده

__________________

(١) تاريخ دمشق ٣٦٨.

(٢) أنساب الأشراف ق ٤ ج ١ / ٥٦٩ رقم ١٤٥٥ ، تاريخ دمشق ٣٧١.

(٣) أنساب الأشراف ق ٤ ج ١ / ٥٦٩ رقم ١٤٥٤ ، طبقات ابن سعد ٣ / ٦٨ ، تاريخ دمشق ٣٧١.

(٤) أصل الخلج : الجذب والنزع ، كما في «النهاية» لابن الأثير ، وانظر : لسان العرب ـ مادّة «خلج».

(٥) تاريخ دمشق ٣٧٣.

٤٤٩

في الدّار ـ ائذن لنا في القتال ، فقال : أعزم على من كانت لي عليه طاعة أن لا يقاتل (١).

أبو حبيبة هو مولى الزّبير ، روى عنه موسى بن عقبة (٢).

قال محمد بن سعد : ثنا محمد بن عمر ، حدّثني شرحبيل بن أبي عون ، عن أبيه. وحدّثني عبد الحميد بن عمران ، عن أبيه ، عن مسور (٣) ابن مخرمة.

(ح) (٤) ، وحدّثني موسى بن يعقوب ، عن عمّه ، عن ابن الزّبير.

(ح) ، وثنا ابن أبي حبيبة ، عن داود بن الحصين ، عن عكرمة ، عن ابن عبّاس قالوا : بعث عثمان المسور بن مخرمة إلى معاوية يعلمه أنّه محصور ، ويأمره أن يجهّز إليه جيشا سريعا. فلمّا قدم على معاوية ، ركب معاوية لوقته هو ومسلم بن عقبة ، وابن حديج ، فساروا من دمشق إلى عثمان عشرا.

فدخل معاوية نصف الليل ، وقبّل رأس عثمان ، فقال : أين الجيش؟ قال : ما جئت إلّا في ثلاثة رهط ، فقط عثمان : لا وصل الله رحمك ، ولا اعزّ نصرك ، ولا جزاك خيرا ، فو الله لا أقتل إلّا فيك ، ولا ينقم عليّ إلّا من أجلك ، فقال : بأبي أنت وأمّي ، لو بعثت إليك جيشا فسمعوا به عاجلوك فقتلوك ، ولكنّ معي نجائب ، فاخرج معي ، فما يشعر بي أحد ، فو الله ما

__________________

(١) أخرجه ابن عساكر في تاريخ دمشق ٣٧٤ ، وخليفة في تاريخه ١٧٣ بنحوه ، من طريق عبد الوهاب بن عبد المجيد ، عن يحيى بن سعيد ، عن عبد الله بن عامر بن ربيعة.

(٢) هو جدّ موسى أبو أمّه. (تاريخ دمشق ٣٧٤).

(٣) في النسخة (ع) «مسعود» بدل «مسور» ، وهو خطأ ، والتصحيح من نسخة دار الكتب ومنتقى الأحمدية ، وغيره.

(٤) رمز ، يعني تحويل السند.

٤٥٠

هي إلّا ثلاث حتّى نرى معالم الشّام ، فقال : بئس ما أشرت به ، وأبى أن يجيبه ، فأسرع معاوية راجعا ، وورد المسور يريد المدينة بذي المروة راجعا. وقدم على عثمان وهو ذامّ لمعاوية غير عاذر له.

فلمّا كان في حصره الآخر ، بعث المسور (١) ثانيا إلى معاوية لينجده فقال : إنّ عثمان أحسن فأحسن الله به ، ثمّ غيّر فغيّر الله به ، فشددت عليه فقال : تركتم عثمان حتى إذا كانت نفسه في حنجرته قلتم : اذهب فادفع عنه الموت ، وليس ذلك بيدي ، ثمّ انزلني في مشربة (١) على رأسه ، فما دخل عليّ داخل حتى قتل عثمان (٢).

وأمّا سيف بن عمر ، فروى عن أبي حارثة ، وأبي عثمان قالا : لمّا أتى معاوية الخبر أرسل الى حبيب بن مسلمة الفهريّ فقال : أشر عليّ برجل منفّذ لأمري ، ولا يقصّر ، قال : ما أعرف لذاك غيري ، قال : أنت لها. وجعل على مقدّمته يزيد بن شجعة (٣) الحميريّ في ألف وقال : إن قدمت يا حبيب وقد قتل ، فلا تدعنّ أحدا (٤) أشار إليه ولا أعان عليه إلّا قتلته ، وإن أتاك الخبر قبل أن تصل ، فأقم حتّى انظر ، وبعث يزيد بن شجعة في ألف على البغال ، يقودون الخيل ، معهم الإبل عليها الرّوايا فأغذّ السّير ، فأتاه قتله بقرب خيبر. ثمّ أتاه النّعمان بن بشير ، معه القميص الّذي فيه الدّماء وأصابع امرأته نائلة ، قد قطعوها بضربة سيف ، فرجعوا ، فنصب معاوية القميص

__________________

(١) في نسخة الدار (المسلمون) عوض (المسور) المثبتة في منتقى ابن الملّا ، ومنتقى الأحمدية و (ع) ، وتاريخ دمشق.

(٢) تاريخ دمشق ٣٧٩ ، ٣٨٠.

(٣) هكذا في الأصول ، وتاريخ دمشق ٣٨٠ ، وترجمته في المخطوطة من تاريخ دمشق (النسخة الأزهرية) ٥٣ / ورقة ١٥٣ وقد أثبته القدسي في طبعة ٣ / ٢٤٦ «الشجري» وقال : المثبت من المراجع المشهورة.

«أقول» : هذا وهم ، فالشجريّ هو الرهاوي وليس الحميري كما هو هنا.

(٤) هذه الجملة مصحّفة في نسخة دار الكتب ، والتصويب من الأصل وتاريخ دمشق.

٤٥١

على منبر دمشق ، والأصابع معلّقة فيه ، وآلى رجال من أهل الشّام لا يأتون النّساء ولا يمسّون الغسل إلّا من حلم ، ولا ينامون على فراش حتّى يقتلوا قتلة عثمان ، أو تفنى أرواحهم ، وبكوه سنة (١).

وقال الأوزاعيّ : حدّثني محمد بن عبد الملك بن مروان ، أنّ المغيرة ابن شعبة ، دخل على عثمان وهو محصور فقال : إنّك إمام العامّة ، وقد نزل بك ما نرى ، وإني أعرض عليك خصالا : إمّا أن تخرج تقاتلهم ، فإنّ معك عددا وقوّة. وإمّا أن تخرق لك بابا سوى الباب الّذي هم عليه ، فتقعد على رواحلك فتلحق بمكة ، فإنّهم لن يستحلّوك وأنت بها ، وإمّا أن تلحق بالشّام ، فإنّهم أهل الشّام ، وفيهم معاوية. فقال : إنّي لن أفارق دار هجرتي ، ولن أكون أوّل من خلف رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وسلم في أمّته بسفك الدّماء (٢).

وقال نافع ، عن ابن عمر : أصبح عثمان يحدّث النّاس قال : رأيت رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وسلم اللّيلة في المنام ، فقال : «أفطر عندنا غدا» فأصبح صائما ، وقتل من يومه (٣).

وقال محمد بن سيرين : ما أعلم أحدا يتّهم عليّا في قتل عثمان ، وقتل وإنّ الدّار غاصّة ، فيهم ابن عمر ، والحسن بن عليّ ، ولكنّ عثمان عزم عليهم أن لا يقاتلوا (٤).

ومن وجه آخر. عن ابن سيرين قال : انطلق الحسن والحسين وابن عمر ، ومروان ، وابن الزّبير ، كلّهم شاك السّلاح ، حتّى دخلوا على عثمان ،

__________________

(١) تاريخ دمشق ٣٨٠ ، ٣٨١ ، وانظر تاريخ الطبري ٤ / ٥٦٢.

(٢) تاريخ دمشق ٣٨٧ و ٣٨٨.

(٣) طبقات ابن سعد ٣ / ٧٥ ، أنساب الأشراف ق ٤ ج ١ / ٥٧٤ رقم ١٤٦٩ ، تاريخ دمشق ٣٨٩.

(٤) تاريخ دمشق ٣٩٥.

٤٥٢

فقال : أعزم عليكم لما رجعتم فوضعتم أسلحتكم ولزمتم بيوتكم ، فقال ابن الزّبير ، ومروان : نحن نعزم على أنفسنا أن لا نبرح ، وخرج الآخرون (١).

وقال ابن سيرين : كان مع عثمان يومئذ في الدّار سبعمائة ، لو يدعهم لضربوهم حتّى يخرجوهم من أقطارها (٢).

وروي أنّ الحسن (٣) بن عليّ ما راح حتّى خرج (٤).

وقال عبد الله بن الزّبير : قلت لعثمان : قاتلهم ، فو الله لقد أحلّ الله لك قتالهم ، فقال : لا أقاتلهم أبدا ، فدخلوا عليه وهو صائم. وقد كان عثمان أمّر ابن الزّبير على الدّار ، وقال : أطيعوا عبد الله بن الزّبير (٥).

وقال ابن سيرين : جاء زيد بن ثابت في ثلاثمائة من الأنصار ، فدخل على عثمان فقال : هذه الأنصار بالباب. فقال : أمّا القتال فلا (٦).

وقال أبو صالح ، عن أبي هريرة قال : دخلت على عثمان يوم الدّار فقلت : طاب الضّرب ، فقال : أيسرّك أن يقتل النّاس جميعا وأنا معهم؟ قلت : لا ، قال (٧) فإنّك إن قتلت رجلا واحدا ، فكأنّما قتلت النّاس جميعا ،

__________________

(١) تاريخ خليفة ١٧٤ ، تاريخ دمشق ٣٩٦.

(٢) تاريخ خليفة ١٧٣ عن محمد بن سيرين ، قال ، قال سليط بن سليط : «نهانا عثمان عن قتالهم ...» ، طبقات ابن سعد ٣ / ٧١ ، أنساب الأشراف ق ٤ ج ١ / ٥٦٤ رقم ١٤٣٥ ، تاريخ دمشق ٤٠٣.

(٣) في منتقى الأحمدية «الحسين» وهو تحريف.

(٤) في منتقى الأحمدية «جرح» والمثبت عن الأصل. وفي تاريخ خليفة ١٧٤ من طريق كهمس ، عن ابن أبي عروبة ، عن قتادة ، وزاد عبد الأعلى : «أن الحسن بن عليّ كان آخر من خرج من عند عثمان». وانظر : تاريخ دمشق ٤٠٢.

(٥) تاريخ دمشق ٣٩٩ ، ٤٠٠.

(٦) تاريخ دمشق ٤٠٠.

(٧) (قال) ساقطة من نسخة الدار فاستدركتها من منتقى ابن الملا ومنتقى الأحمدية و (ع) ، وتاريخ دمشق.

٤٥٣

فانصرفت ولم أقاتل (١).

وعن أبي عون مولى المسور قال : ما زال المصريّون كافّين عن القتال ، حتّى قدمت أمداد العراق من عند ابن عامر ، وأمداد ابن أبي سرح من مصر ، فقالوا : نعاجله قبل أن تقدم الأمداد (٢).

وعن مسلم أبي سعيد قال : أعتق عثمان عشرين مملوكا ، ثمّ دعا بسراويل ، فشدّها عليه (٣). ولم يلبسها في جاهلية ولا إسلام ، وقال إنّي رأيت رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وسلم البارحة ، وأبا بكر ، وعمر ، فقال : «اصبر فإنّك تفطر عندنا القابلة» ثمّ نشر المصحف بين يديه ، فقتل وهو بين يديه (٤).

وقال ابن عون ، عن الحسن : أنبأني وثّاب مولى عثمان قال : جاء رويجل كأنّه ذئب ، فاطّلع من باب ، ثمّ رجع ، فجاء محمد بن أبي بكر في ثلاثة عشر رجلا ، فدخل حتّى انتهى إلى عثمان ، فأخذ بلحيته ، فقال بها حتّى سمعت وقع أضراسه ، فقال : ما أغنى عنك معاوية ، ما أغنى عنك ابن عامر ، ما أغنت عنك كتبك ، فقال : أرسل لحيتي يا بن أخي ، قال : فأنا رأيته استعدى رجلا من القوم عليه يعينه ، فقام إلى عثمان بمشقص ، حتّى وجأ به في رأسه (٥) ثمّ تعاوروا عليه حتّى قتلوه (٦).

وعن ريطة مولاة أسامة قالت : كنت في الدّار ، إذ دخلوا ، فجاء محمد فأخذ بلحية عثمان فهزّها ، فقال : يا بن أخي دع لحيتي لتجذب ما يعزّ على أبيك أن تؤذيها. فرأيته كأنّه استحى ، فقام ، فجعل بطرف ثوبه هكذا : ألا

__________________

(١) أنساب الأشراف ق ٤ ج ١ / ٥٦٣ رقم ١٤٣٠ ، تاريخ دمشق ٤٠١ ، ورواه خليفة مختصرا في تاريخه ١٧٣.

(٢) طبقات ابن سعد ٣ / ٧١ ، ٧٢ ، تاريخ دمشق ٤٠٤.

(٣) إنّما لبسها لئلّا تبدو عورته إذا قتل ، رضي‌الله‌عنه.

(٤) تاريخ دمشق ٤٠٥.

(٥) في الرواية زيادة هنا «قلت : ثم مه».

(٦) تاريخ خليفة ١٧٤ ، تاريخ دمشق ٤٠٩.

٤٥٤

ارجعوا. قالت : وجاء رجل من خلف عثمان بسعفة رطبة ، فضرب بها جبهته فرأيت الدّم يسيل ، وهو يمسحه ويقول : «اللهمّ لا يطلب بدمي غيرك» (١) ، وجاء آخر فضربه بالسّيف على صدره فأقعصه (٢) ، وتعاوروه بأسيافهم ، فرأيتهم ينتهبون بيته (٣).

وقال مجالد (٤) ، عن الشّعبي قال : جاء رجل من تجيب من المصريّين ، والنّاس حول عثمان ، فاستلّ سيفه ، ثمّ قال : أفرجوا ، ففرجوا له ، فوضع ذباب سيفه في بطن عثمان ، فأمسكت نائلة بنت الفرافصة زوجة عثمان السّيف لتمنع عنه ، فحزّ السّيف أصابعها (٥).

وقيل : الّذي قتله رجل يقال له حمار (٦).

وقال الواقديّ : حدّثني عبد الرحمن بن عبد العزيز ، عن عبد الرحمن بن محمد بن عبد ، أنّ محمد بن أبي بكر تسوّر من دار عمرو بن حزم على عثمان ، ومعه كنانة بن بشر ، وسودان ، وعمرو بن الحمق ، فوجدوه عند نائلة يقرأ في المصحف ، فتقدّمهم محمد ، فأخذ بلحيته وقال :

__________________

(١) ورد من دعاء عثمان عليهم في (الثقات لابن حبّان ٢ / ٢٦١) : اللهمّ فشتّت أمرهم ، وخالف بين كلمتهم ، وانتقم لي منهم ، واطلبهم لي طلبا حثيثا.

وقد استجيب دعاؤه في كلّ ذلك.

وقال ابن كثير في (البداية والنهاية ٧ / ١٨٩) : لمّا بلغ سعد بن أبي وقّاص ـ وكان مستجاب الدعاء ـ قتل عثمان قال ... : اللهمّ اندمهم ، ثمّ خذهم. وقد أقسم بعض السّلف بالله أنّه ما مات أحد من قتلة عثمان إلّا مقتولا.

(٢) أقعصه ، وقعصته : إذا قتلته قتلا سريعا. (لسان العرب ـ قعص).

(٣) تاريخ دمشق ٤١١ ، ٤١٢ وفيه زيادة : «فهذا يأخذ الثوب ، وهذا يأخذ المرآة ، وهذا يأخذ الشيء».

(٤) في نسخة دار الكتب «مجاهد» وهو تحريف ، والمثبت عن النسخة ع ومنتقى الأحمدية ، وتاريخ دمشق ، وتهذيب التهذيب ١٠ / ٣٩.

(٥) تاريخ دمشق ٤١٢.

(٦) تاريخ خليفة ١٧٥.

٤٥٥

يا نعثل قد أخزاك الله ، فقال : لست بنعثل ولكنّني عبد الله ، وأمير المؤمنين ، فقال محمد : ما أغنى عنك معاوية وفلان وفلان ، قال : يا بن أخي دع لحيتي ، فما كان أبوك ليقبض على ما قبضت ، فقال : ما يراد بك أشدّ من قبضتي ، وطعن جنبه بمشقص ، ورفع كنانة مشاقص فوجأ بها في أذن عثمان ، فمضت حتى دخلت في حلقه ، ثمّ علاه بالسّيف ، قال عبد الرحمن بن عبد العزيز : فسمعت ابن أبي عون يقول : ضرب كنانة بن بشر جبينه بعمود حديد ، وضربه سودان المراديّ فقتله ، ووثب عليه عمرو بن الحمق ، وبه رمق ، وطعنه تسع طعنات وقال : ثلاث لله ، وستّ لما في نفسي عليه (١).

وعن المغيرة قال : حصروه اثنين وعشرين يوما ، ثمّ احرقوا الباب ، فخرج من في الدّار.

وقال سليمان التّيميّ ، عن أبي نضرة ، عن أبي سعيد مولى أبي أسيد قال : فتح عثمان الباب ووضع المصحف (٢) بين يديه ، فدخل عليه رجل فقال : بيني وبينك كتاب الله ، فخرج وتركه ، ثمّ دخل عليه آخر ، فقال : بيني وبينك كتاب الله ، فأهوى إليه بالسّيف ، فاتّقاه بيده فقطعها ، فقال : أما والله إنّها لأوّل كفّ خطّت المفصّل (٣) ، ودخل عليه رجل يقال له : الموت الأسود ، فخنقه قبل أن يضرب بالسّيف ، قال : فو الله ما رأيت شيئا ألين من حلقه (٤) ، لقد خنقته حتّى رأيت نفسه مثل الجان (٥) تردّد في جسده (٦).

__________________

(١) طبقات ابن سعد ٣ / ٧٣ ، تاريخ الطبري ٤ / ٣٩٣ ، تاريخ دمشق ٤١٣ ، وانظر : أنساب الأشراف ق ٤ ج ١ / ٥٧٤ ، ٥٧٥ رقم ١٤٧٠.

(٢) (المصحف) مستدركة من منتقى الأحمدية.

(٣) يريد أنّها كتبت القرآن الكريم.

(٤) في تاريخ خليفة «خناقه».

(٥) في نسخة دار الكتب «ألحان» ، والمثبت من بقيّة النسخ ، وتاريخ خليفة ، وتاريخ الطبري ، وتاريخ دمشق.

والجانّ : ضرب من الحيّات ، وهو الدقيق الخفيف. قال تعالى (تَهْتَزُّ كَأَنَّها جَانٌ).

(٦) تاريخ خليفة ١٧٤ ، ١٧٥ ، تاريخ الطبري ٤ / ٣٨٤ ، تاريخ دمشق ٤١٦.

٤٥٦

وعن الزّهري قال : قتل عند صلاة العصر ، وشدّ عبد لعثمان على كنانة ابن بشر فقتله ، وشدّ سودان على العبد فقتله (١).

وقال أبو نضرة ، عن أبي سعيد قال : ضربوه فجرى الدّم على المصحف على : (فَسَيَكْفِيكَهُمُ اللهُ وَهُوَ السَّمِيعُ الْعَلِيمُ) (٢).

وقال عمران بن حدير ، إلّا يكن عبد الله بن شقيق حدّثني : أنّ أوّل قطرة قطرت [من دمه] (٣) على : (فَسَيَكْفِيكَهُمُ اللهُ) فإنّ أبا حريث ذكر أنّه ذهب هو وسهيل المرّيّ ، فأخرجوا إليه المصحف ، فإذا قطرة الدّم على (فَسَيَكْفِيكَهُمُ اللهُ) قال : فإنّها في المصحف ما حكت (٤).

وقال محمد بن عيسى بن سميع (٥) عن ابن أبي ذئب ، عن الزّهري : قلت لسعيد بن المسيّب : هل أنت مخبري كيف كان قتل عثمان؟ قال : قتل مظلوما ، ومن خذله كان معذورا ، ومن قتله كان ظالما ، وإنّه لمّا استخلف كره ذلك نفر من الصّحابة ، لأنه كان يحبّ قومه ويولّيهم ، فكان يكون منهم ما تنكره الصّحابة فيستعتب [فيهم ، فلا يعزلهم ، فلمّا كان في السّتّ الحجج الأواخر استأثر ببني عمّه فولّاهم] (٦) وما أشرك معهم ، فولّى عبد الله بن أبي سرح مصر ، فمكث عليها سنين (٧) ، فجاء أهل مصر يشكونه ويتظلّمون منه. وقد كان قبل ذلك من عثمان هنات إلى ابن مسعود ، وأبي ذرّ

__________________

(١) انظر تاريخ دمشق ٤١٩ ، وتاريخ الطبري ٤ / ٣٩١.

(٢) سورة البقرة ـ الآية ١٣٧.

والخبر في أنساب الأشراف ق ٤ ج ١ / ٥٨٥ رقم ١٤٩٠ ، وتاريخ دمشق ٤١٩.

(٣) زيادة من منتقى الأحمدية ومنتقى ابن الملّا ، ع.

(٤) تاريخ خليفة ١٧٥ ، تاريخ دمشق ٤٢٠.

(٥) هو : محمد بن عيسى بن القاسم بن سميع. (تهذيب التهذيب ٩ / ٣٩٠).

(٦) ما بين الحاصرتين ساقط من النسخ ، استدركته من «منتقى الأحمدية» ، وتاريخ دمشق.

(٧) «سنين» ساقطة من الأصول ، استدركتها من تاريخ دمشق ، وتاريخ الخلفاء للسيوطي.

٤٥٧

وعمّار فحنق عليه قومهم ، وجاء المصريّون يشكون ابن أبي سرح ، فكتب إليه يتهدّده فأبى أن يقبل ، وضرب بعض من أتاه ممّن شكاه فقتله.

فخرج من أهل مصر سبعمائة رجل ، فنزلوا المسجد ، وشكوا إلى الصّحابة ما صنع ابن أبي سرح بهم ، فقام طلحة فكلّم عثمان بكلام شديد ، وأرسلت إليه عائشة تقول له : أنصفهم من عاملك ، ودخل عليه عليّ ، وكان متكلّم القوم فقال : إنّما يسألونك رجلا مكان رجل ، وقد ادّعوا قبله دما ، فاعزله ، واقض بينهم ، فقال : اختاروا رجلا أوله ، فأشاروا عليه بمحمد بن أبي بكر ، فكتب عهده ، وخرج معهم عدد من المهاجرين والأنصار ينظرون فيما بين أهل مصر وابن أبي سرح ، فلمّا كان محمد على مسيرة ثلاث من المدينة ، إذا هم بغلام أسود على بعير مسرعا ، فسألوه ، فقال : وجّهني أمير المؤمنين إلى عامل مصر ، فقالوا له : هذا عامل أهل مصر ، وجاءوا به إلى محمد ، وفتّشوه فوجدوا إداوته تتقلقل ، فشقّوها ، فإذا فيها كتاب من عثمان إلى ابن أبي سرح ، فجمع محمد ، من عنده من الصّحابة ، ثمّ فكّ الكتاب ، فإذا فيه : إذا أتاك محمد ، وفلان ، وفلان فاستحلّ قتلهم ، وأبطل كتابه ، واثبت على عملك. فلمّا قرءوا الكتاب رجعوا الى المدينة ، وجمعوا طلحة ، وعليّا ، والزّبير ، وسعدا ، وفضّوا الكتاب ، فلم يبق أحد إلّا حنق على عثمان ، وزاد ذلك غضبا وحنقا أعوان أبي ذرّ ، وابن مسعود ، وعمّار.

وحاصر أولئك عثمان وأجلب عليه محمد بن أبي بكر ببني تيم ، فلمّا رأى ذلك عليّ بعث إلى طلحة ، والزّبير ، وعمّار ، ثمّ دخل إلى عثمان ، ومعه الكتاب والغلام والبعير فقال : هذا الغلام والبعير لك؟ قال : نعم ، قال : فهذا كتابك؟ فحلف أنّه ما كتبه ولا أمر به ، قال : فالخاتم خاتمك؟ قال : نعم.

فقال : كيف يخرج غلامك ببعيرك بكتاب عليه خاتمك ولا تعلم به!.

٤٥٨

وعرفوا أنّه خطّ مروان. وسألوه أن يدفع إليهم مروان ، فأبى وكان عنده في الدّار ، فخرجوا من عنده غضابا ، وشكّوا في أمره ، وعلموا أنّه لا يحلف بباطل ولزموا بيوتهم.

وحاصره أولئك حتّى منعوه الماء ، فأشرف يوما فقال : أفيكم عليّ؟ قالوا : لا ، قال : أفيكم سعد؟ قالوا : لا ، فسكت ، ثم قال : ألا أحد يسقينا ماء. فبلغ ذلك عليّا ، فبعث إليه بثلاث قرب فجرح في سببها جماعة حتّى وصلت إليه ، وبلغ عليّا أنّ عثمان يراد قتله فقال : إنّما أردنا منه مروان ، فأمّا عثمان ، فلا ندع أحدا يصل إليه.

وبعث إليه الزّبير ابنه ، وبعث طلحة ابنه ، وبعث عدّة من الصّحابة أبناءهم ، يمنعون الناس منه ، ويسألونه إخراج مروان ، فلمّا رأى ذلك محمد بن أبي بكر ، ورمى النّاس عثمان بالسّهام ، حتّى خضب [الحسن] (١) بالدّماء على بابه ، وأصاب مروان سهم ، وخضب محمد بن طلحة ، وشجّ قنبر مولى عليّ.

فخشي محمد أن يغضب بنو هاشم خال الحسن ، فاتّفق هو وصاحباه ، وتسوّروا من دار ، حتّى دخلوا عليه ، ولا يعلم أحد من أهل الدّار ، لأنّهم كانوا فوق البيوت ، ولم يكن مع عثمان إلّا امرأته. فدخل محمد فأخذ بلحيته ، فقال : والله لو رآك أبوك لساءه مكانك منّي ، فتراخت يده ، ووثب الرجلان عليه فقتلاه ، وهربوا من حيث دخلوا ، ثمّ صرخت المرأة ، فلم يسمع صراخها لما في الدّار من الجلبة. فصعدت إلى النّاس وأخبرتهم ، فدخل الحسن والحسين وغيرهما ، فوجدوه مذبوحا.

وبلغ عليّا وطلحة والزّبير الخبر ، فخرجوا ـ وقد ذهبت عقولهم ـ ودخلوا

__________________

(١) إضافة من تاريخ دمشق ٤٢٣ وتاريخ الخلفاء للسيوطي ١٦٠.

٤٥٩

فرأوه مذبوحا ، وقال عليّ : كيف قتل وأنتم على الباب؟ ولطم الحسن وضرب صدر الحسين ، وشتم ابن الزّبير ، وابن طلحة ، وخرج غضبان إلى منزله ، فجاء النّاس يهرعون إليه ليبايعوه ، قال : ليس ذاك إليكم ، إنما ذاك إلى أهل بدر ، فمن رضوه فهو خليفة ، فلم يبق أحد من البدريّين إلّا أتى عليّا ، فكان أوّل من بايعه طلحة بلسانه ، وسعد بيده ، ثمّ خرج إلى المسجد فصعد المنبر ، فكان أوّل من صعد طلحة ، فبايعه بيده ، ثمّ بايعه الزّبير وسعد والصّحابة جميعا ، ثمّ نزل فدعا النّاس ، وطلب مروان ، فهرب منه هو وأقاربه.

وخرجت عائشة باكية تقول : قتل عثمان ، وجاء عليّ إلى امرأة عثمان فقال : من قتله؟ قالت : لا أدري ، وأخبرته بما صنع محمد بن أبي بكر. فسأله عليّ ، فقال : تكذب ، قد والله دخلت عليه ، وأنا أريد قتله ، فذكر لي أبي ، فقمت وأنا تائب إلى الله ، والله ما قتلته ولا أمسكته ، فقالت : صدق ، ولكنّه أدخل اللّذين قتلاه (١).

وقال محمد بن عمرو بن علقمة بن وقّاص (٢) ، عن أبيه ، عن جدّه قال : اجتمعنا في دار مخرمة للبيعة بعد قتل عثمان ، فقال أبو جهم بن حذيفة : أمّا من بايعنا منكم فلا يحول بيننا وبين قصاص ، فقال عمّار : أمّا دم عثمان فلا ، فقال : يا بن سميّة ، أتقتصّ من جلدات جلدتهنّ ، ولا تقتصّ من دم عثمان! فتفرّقوا يومئذ عن غير بيعة.

وروى عمر بن عليّ بن الحسين ، عن أبيه قال : قال مروان : ما كان في القوم أدفع عن صاحبنا من صاحبكم ـ يعني عليّا ـ عن عثمان ، قال :

__________________

(١) الحديث بطوله في : الرياض النضرة ٢ / ١٢٥ ، وتاريخ دمشق ٤٢١ ـ ٤٢٤ ، وتاريخ الخلفاء للسيوطي ١٥٧ ـ ١٦١ ، وأنساب الأشراف للبلاذري ق ٤ ج ١ / ٥٥٦ ـ ٥٦٠ رقم ١٤١٩.

(٢) في منتقى ابن الملا (بن أبي وقّاص) وهو وهم صحّحته من (تهذيب التهذيب ٩ / ٣٧٥).

٤٦٠