تاريخ الإسلام ووفيات المشاهير والأعلام

شمس الدين محمّد بن أحمد بن عثمان الذّهبي

وقال أنس : قال عمر : وافقت ربي في ثلاث : في مقام إبراهيم ، وفي الحجاب ، وفي قوله (عَسى رَبُّهُ إِنْ طَلَّقَكُنَ) (١).

وقال حيوة بن شريح ، عن بكر بن عمرو ، عن مشرح ، عن عقبة بن عامر قال : قال رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وسلم : «لو كان بعدي نبيّ لكان عمر» (٢).

وجاء من وجهين مختلفين عن ابن جريج ، عن عطاء ، عن ابن عبّاس قال : قال رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وسلم : «إنّ الله تعالى باهى بأهل عرفة عامّة وباهى بعمر خاصّة» (٣).

ويروى مثله عن ابن عمر ، وعقبة بن عامر. وقال معن القزّاز : ثنا الحارث بن عبد الملك اللّيثي ، عن القاسم بن يزيد بن عبد الله بن قسيط (٤) ، عن أبيه ، عن عطاء ، عن ابن عبّاس ، عن أخيه الفضل قال : قال رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وسلم : «الحقّ بعدي مع عمر حيث كان» (٥).

وقال ابن عمر : سمعت رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وسلم يقول : «بينما أنا نائم أتيت بقدح من لبن فشربت منه حتّى إنّي لأرى الرّيّ يجري في أظفاري ، ثم أعطيت فضلي عمر» قالوا : فما أوّلت ذلك؟ قال : «العلم» (٦).

__________________

(١) سورة التحريم ـ الآية ٥.

والحديث أخرجه مسلم في فضائل الصحابة ، باب من فضائل عمر ، رقم (٢٣٩٩) من طريق نافع ، عن ابن عمر ، قال : قال عمر : وافقت ربّي في ثلاث : في مقام إبراهيم ، وفي الحجاب ، وفي أسارى بدر ، وابن عبد البرّ في الاستيعاب ٢ / ٤٦٢ ، والسيوطي في تاريخ الخلفاء ١٢٢ ، والنووي في تهذيب الأسماء ٢ / ٨.

(٢) أخرجه الحاكم في المستدرك ٣ / ٨٥ وقال : هذا حديث صحيح الإسناد ولم يخرجاه ، والهيثمي في مجمع الزوائد ٩ / ٦٨ عن عصمة ، وقال : رواه الطبراني ، والترمذي رقم ٣٧٦٩.

(٣) أخرجه الهيثمي في مجمع الزوائد ٩ / ٧٠ وقال : رواه الطبراني ، والسيوطي في تاريخ الخلفاء ١١٩ وابن الأثير في أسد الغابة ٤ / ٦٥ ، ٦٦.

(٤) في نسخة دار الكتب «قسط» وهو خطأ ، والتصويب من الأصل وغيره ..

(٥) أخرجه السيوطي في تاريخ الخلفاء ١١٩ وقال : أخرجه الطبراني ، والديلميّ.

(٦) أخرجه البخاري في فضائل أصحاب النبيّ صلى‌الله‌عليه‌وسلم ، باب مناقب عمر بن الخطاب رضي‌الله‌عنه ٤ / ١٩٨ من طريق ابن المبارك ، عن يونس ، عن الزهري ، عن حمزة ، عن أبيه ، ومسلم في

٢٦١

وقال أبو سعيد : قال رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وسلم : «بينا أنا نائم رأيت النّاس يعرضون عليّ وعليهم قمص ، منها ما يبلغ الثّدي ، ومنها ما يبلغ دون ذلك ، ومرّ عليّ عمر عليه قميص يجرّه ، قالوا : ما أوّلت ذلك يا رسول الله؟ قال «الدين» (١).

وقال أنس : قال رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وسلم : «أرحم أمّتي أبو بكر ، وأشدّها في دين الله عمر» (٢).

وقال أنس : قال رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وسلم «دخلت الجنّة فرأيت قصرا من ذهب فقلت : «لمن هذا»؟ قيل : لشابّ من قريش ، فظننت أني أنا هو ، فقيل : لعمر بن الخطّاب (٣). وفي الصّحيح أيضا من حديث جابر مثله (٤).

وقال أبو هريرة ، عن النّبيّ صلى‌الله‌عليه‌وسلم : «بينا أنا نائم رأيتني في الجنّة ، فإذا امرأة تتوضّأ إلى جانب قصر فقلت : لمن هذا القصر؟ قالوا : لعمر ، فذكرت

__________________

= فضائل الصحابة ، باب من فضائل عمر ، رقم (٢٣٩١) والترمذي في المناقب ، باب ٦٩ رقم (٣٧٧٠) وقال : هذا حديث حسن صحيح غريب ، والدارميّ في الرؤيا ١٣ ، وأخرج الهيثمي نحوه في مجمع الزوائد ٩ / ٦٩ وقال : هو في الصحيح بغير سياقه ، رواه الطبراني ، وانظر اللؤلؤ والمرجان فيما اتفق عليه الشيخان لفؤاد عبد الباقي ـ ٣ / ١٢٦ ، وتهذيب الأسماء واللغات ٢ / ٧ ، وابن الأثير في أسد الغابة ٤ / ٦٠ ، وعبد الرزاق في المصنّف ١١ / ٢٢٤ ، وابن طهمان في مشيخته ١٩٢ ، ١٩٣ رقم ١٤٧ ، ونوادر الأصول ١١٩ من طريق أبي سلمة.

(١) رواه البخاري في فضائل أصحاب النبيّ صلى‌الله‌عليه‌وسلم ، باب مناقب عمر ٤ / ٢٠١ ، ومسلم في فضائل الصحابة ، باب من فضائل عمر ، رقم (٢٣٩٠) ، وابن عبد البرّ في الإستيعاب ٢ / ٤٦٣ ، والنووي في تهذيب الأسماء ٦ / ٧ ، وابن الأثير في أسد الغابة ٤ / ٦٢ ، وعبد الرزاق في المصنّف ١١ / ٢٢٤ ، وابن الطهماني في مشيخته ١٩٤ رقم (١٤٩) ، والذهبي في تذكرة الحفّاظ ١ / ٣٣٦.

(٢) أخرجه أحمد في المسند ٣ / ١٨٤ وله تكملة ، و ٣ / ٢٨١ ، وانظر ابن سعد ٣ / ٢٩١.

(٣) أخرجه أحمد في المسند ٣ / ١٧٩ ، والترمذي في المناقب (٣٧٧١) وقال : حديث حسن صحيح ، وابن الأثير في أسد الغابة ٤ / ٦٤.

(٤) رواه البخاري في فضائل أصحاب النبيّ صلى‌الله‌عليه‌وسلم ، باب مناقب عمر ٤ / ١٩٨ ، ومسلم في فضائل الصحابة ، باب من فضائل عمر ، رقم (٢٣٩٤) ، وانظر الترمذي في المناقب ٥ / ٢٨٣.

٢٦٢

غيرة عمر ، فولّيت مدبرا». قال فبكى عمر وقال : بأبي أنت يا رسول الله أعليك أغار؟ (١).

وقال الشّعبي وغيره : قال عليّ رضي‌الله‌عنه : بينا أنا مع رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وسلم إذ طلع أبو بكر وعمر فقال : «هذان سيّدا كهول أهل الجنّة من الأوّلين والآخرين إلّا النّبيّين والمرسلين لا تخبرهما يا عليّ» (٢). هذا الحديث سمعه الشّعبيّ من الحارث الأعور ، وله طرق حسنة عن عليّ منها عاصم ، عن زرّ. وأبو إسحاق ، عن عاصم بن ضمرة.

قال الحافظ ابن عساكر : والحديث محفوظ عن عليّ رضي‌الله‌عنه.

قلت : وروي نحوه من حديث أبي هريرة ، وابن عمر ، وأنس ، وجابر.

وقال مجالد عن أبي الوداك ، وقاله جماعة عن عطية ، كلاهما عن أبي سعيد ، عن النّبيّ صلى‌الله‌عليه‌وسلم : «إن أهل الدرجات العلا ليرون من فوقهم كما ترون الكوكب الدّرّي في أفق السماء ، وإنّ أبا بكر وعمر منهم وأنعما» (٣).

__________________

(١) رواه البخاري في فضائل أصحاب النبيّ صلى‌الله‌عليه‌وسلم ، باب مناقب عمر ٤ / ١٩٨ ، ومسلم في فضائل الصحابة ، باب من فضائل عمر ، رقم (٢٣٩٥) ، وابن ماجة في المقدّمة ، باب فضل عمر ١ / ٤٠ رقم (١٠٧) وأحمد في المسند ٢ / ٣٣٩ ، والنووي في تهذيب الأسماء ٢ / ٧ ، وابن الأثير في أسد الغابة ٤ / ٦٢ ، وابن ماجة في المقدّمة ١١ ، وعبد الرزاق ١١ / ٢٢٤ ، وابن الطهماني ١٩٢.

(٢) أخرجه الترمذي في المناقب ، باب ٥٣ مناقب أبي بكر ، رقم (٣٧٤٧) ، وابن ماجة في المقدّمة باب فضل أبي بكر ، رقم (١٠٠) من طريق مالك بن مغول ، عن عون بن أبي جحيفة ، عن أبيه ، وأحمد في المسند ١ / ٨٠ من طريق الحسن بن زيد بن الحسن ، عن أبيه ، عن أبيه ، عن عليّ رضي‌الله‌عنه ، والنووي في تهذيب الأسماء ٢ / ١٠ ، وابن الأثير في أسد الغابة ٤ / ٦٣.

(٣) أخرجه أحمد في المسند ٣ / ٥٠ ولفظه : «إن أهل علّيين ليراهم من هو أسفل منهم كما يرى الكوكب في أفق السماء ، وإنّ أبا بكر وعمر لمنهم وأنعما». وأخرجه الترمذي في المناقب (٣٧٣٨) وابن ماجة في المقدّمة (٩٦) ، والنووي في تهذيب الأسماء واللغات ٢ / ١٠ ، وابن الأثير في أسد الغابة ٤ / ٦٣.

٢٦٣

وعن إسماعيل بن أميّة ، عن نافع ، عن ابن عمر أنّ النّبيّ صلى‌الله‌عليه‌وسلم دخل المسجد وعن يمينه أبو بكر وعن يساره عمر فقال : «هكذا نبعث يوم القيامة (١)». تفرّد به سعيد بن مسلمة الأموي وهو ضعيف عن إسماعيل.

وقال عليّ رضي‌الله‌عنه بالكوفة على منبرها في ملأ من النّاس أيّام خلافته : خير هذه الأمّة بعد نبيّها أبو بكر ، وخيرها بعد أبي بكر عمر ، ولو شئت أن أسمّي الثالث لسمّيته (٢). وهذا متواتر عن عليّ رضي‌الله‌عنه ، فقبّح الله الرافضة.

وقال الثّوريّ ، عن أبي هاشم القاسم بن كثير ، عن قيس الخارفي (٣) سمعت عليّا يقول : سبق رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وسلم ، وصلّى أبو بكر ، وثلّث عمر ، ثم خبطتنا فتنة فكان ما شاء الله (٤). ورواه شريك ، عن الأسود بن قيس ، عن عمرو بن سفيان ، عن عليّ مثله.

وقال ابن عيينة ، عن زائدة ، عن عبد الملك بن عمير ، عن ربعيّ ، عن حذيفة قال : قال رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وسلم : «اقتدوا باللّذين من بعدي أبي بكر وعمر» (٥).

وكذا رواه سفيان بن حسين (٦) الواسطيّ عن عبد الملك ، وكان سفيان

__________________

(١) الكامل في ضعفاء الرجال لابن عديّ ٣ / ١٢١٥.

(٢) أخرجه ابن ماجة في المقدّمة ١ / ٣٩ رقم (١٠٦) باب فضل عمر.

(٣) الخارفي : بفتح الخاء المعجمة والراء بعد الألف في آخرها فاء. نسبة إلى خارف ، بطن من همدان نزل الكوفة. الأنساب ٥ / ١٤.

(٤) رواه أحمد في المسند ١ / ١٢٤ ، ١٢٥ و ١٣٢ وأخرجه من طريق خلف بن حوشب ، عن أبي إسحاق ، عن عبد خير ، عن عليّ ، ١ / ١٢٥ و ١٤٧.

(٥) رواه الترمذي في المناقب ، باب مناقب أبي بكر رضي‌الله‌عنه ، رقم (٣٧٤٢) وقال : وفي الباب عن ابن مسعود. هذا حديث حسن ، وأخرجه ابن ماجة في المقدّمة ١ / ٣٧ رقم (٩٧) باب فضل أبي بكر الصّدّيق رضي‌الله‌عنه ، وأحمد في المسند ٥ / ٣٨٢ و ٣٨٥ و ٣٩٩ و ٤٠٢ ، والنووي في تهذيب الأسماء ٢ / ٩.

(٦) في نسخة دار الكتب «حصين» وهو تصحيف السمع ، أو هو وهم.

٢٦٤

ربّما دلّسه وأسقط منه زائدة ، ورواه سفيان الثّوريّ ، عن عبد الملك ، عن هلال مولى ربعيّ عن ربعيّ (١).

وقالت عائشة : قال أبو بكر : ما على ظهر الأرض رجل أحبّ إليّ من عمر (٢).

وقالت عائشة : دخل ناس على أبي بكر في مرضه فقالوا : يسعك أن تولّي علينا عمر وأنت ذاهب إلى ربك فما ذا تقول له؟ قال : أقول : ولّيت عليهم خيرهم (٣).

وقال الزّهريّ : أوّل من حيّا عمر بأمير المؤمنين المغيرة بن شعبة (٤).

وقال القاسم بن محمد : قال عمر : ليعلم من ولي هذا الأمر من بعدي أن سير يده عنه القريب والبعيد ، إنّي لأقاتل النّاس عن نفسي قتالا ، ولو علمت أنّ أحدا أقوى عليه منّي لكنت أن أقدم فتضرب عنقي أحبّ إليّ من أن أليه (٥).

وعن ابن عبّاس قال : لمّا ولي عمر قيل له : لقد كاد بعض النّاس أن يجيد هذا الأمر عنك ، قال : وما ذاك؟ قال : يزعمون أنّك فظّ غليظ ، قال : الحمد لله الّذي ملأ قلبي لهم رحما (٦) وملأ قلوبهم لي رعبا (٧).

__________________

(١) انظر سنن الترمذي ٥ / ٢٧١ رقم (٣٧٤٢).

(٢) رواه السيوطي في تاريخ الخلفاء ١٢٠ وقال : أخرجه ابن عساكر.

(٣) أخرجه ابن سعد في الطبقات ٣ / ٢٧٤ من طريق صالح بن رستم ، عن ابن أبي مليكة ، عن عائشة ، بنحوه ، والسيوطي في تاريخ الخلفاء ١٢٠.

(٤) الإستيعاب لابن عبد البرّ ٢ / ٤٦٥.

(٥) طبقات ابن سعد ٣ / ٢٧٥ ، مناقب عمر لابن الجوزي ٥٨.

(٦) الرّحم : بالضم ، الرحمة. (النهاية لابن الأثير).

(٧) انظر نحوه مختصرا في مناقب عمر لابن الجوزي ١٣٤ و ١٣٥.

٢٦٥

وقال الأحنف بن قيس : سمعت عمر يقول : لا يحلّ لعمر من مال الله إلّا حلّتين : حلّة للشتاء وحلّة للصيف ، وما حجّ به واعتمر ، وقوت أهلي كرجل من قريش ليس بأغناهم ، ثم أنا رجل من المسلمين (١).

وقال عروة : حجّ عمر بالنّاس إمارته كلّها (٢).

وقال ابن عمر : ما رأيت أحدا قط بعد رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وسلم من حين قبض أجدّ (٣) ولا أجود من عمر (٤).

وقال الزّهري : فتح الله الشام كلّه على عمر ، والجزيرة ومصر والعراق كلّه ، ودوّن الدواوين قبل أن يموت بعام ، وقسّم على النّاس فيئهم.

وقال : عاصم بن (٥) أبي النّجود ، عن رجل من الأنصار ، عن خزيمة ابن ثابت : إنّ عمر كان إذا استعمل عاملا كتب له واشترط عليه أن لا يركب برذونا ، ولا يأكل نقيا ، ولا يلبس رقيقا ، ولا يغلق بابه دون ذوي الحاجات ، فإن فعل فقد حلّت عليه العقوبة (٦).

وقال طارق بن شهاب : إن كان الرجل ليحدّث عمر بالحديث فيكذبه الكذبة فيقول : احبس هذه ، ثم يحدّثه بالحديث فيقول : احبس هذه ، فيقول له : كلّ ما حدّثتك حقّ إلّا ما أمرتني أن أحبسه (٧).

__________________

(١) أخرجه ابن سعد في الطبقات ٣ / ٢٧٦ وزاد في آخره «يصيبني ما أصابهم» ، والسيوطي في تاريخ الخلفاء ١٢٨.

(٢) انظر طبقات ابن سعد ٣ / ٢٨٣.

(٣) في الأصل «أحد ، والتصويب من نسخة دار الكتب ، وصحيح البخاري ، وابن سعد.

(٤) أخرجه البخاري في فضائل أصحاب النبيّ ، باب مناقب عمر ٤ / ٢٠٠ ، وابن سعد في الطبقات ٣ / ٢٩٢ ، والسيوطي في تاريخ الخلفاء ١٢٠ ، والنووي في تهذيب الأسماء ٢ / ٩.

(٥) في النسخة (ح) «عن» بدل «بن» وهو وهم.

(٦) تاريخ الخلفاء للسيوطي ١٢٨.

(٧) تاريخ الخلفاء ١٢٧ وقال : أخرجه ابن عساكر.

٢٦٦

وقال ابن مسعود : إذا ذكر الصالحون فحيهلا بعمر ، إنّ عمر كان أعلمنا بكتاب الله وأفقهنا في دين الله (١).

وقال ابن مسعود : لو أنّ علم عمر وضع في كفّة ميزان ووضع علم أحياء الأرض في كفّة لرجح علم عمر بعلمهم (٢).

وقال شمر عن حذيفة قال : كان علم النّاس مدسوسا في جحر مع عمر (٣).

وقال ابن عمر : تعلّم عمر البقرة في اثنتي عشرة سنة ، فلمّا تعلّمها نحر جزورا.

وقال العوّام بن حوشب : قال معاوية : أمّا أبو بكر فلم يرد الدنيا ولم ترده ، وأمّا عمر فأرادته الدنيا ولم يردها ، وأمّا نحن فتمرّغنا فيها ظهرا لبطن (٤).

وقال عكرمة بن خالد وغيره : إنّ حفصة ، وعبد الله ، وغيرهما كلّموا عمر فقالوا : لو أكلت طعاما طيّبا كان أقوى لك على الحقّ ، قال : أكلّكم على هذا الرأي؟ قالوا : نعم ، قال : قد علمت نصحكم ولكنّي تركت صاحبي على جادّة فإن تركت جادّتهما لم أدركهما في المنزل (٥).

قال : وأصاب النّاس سنة (٦) فما أكل عامئذ سمنا ولا سمينا (٧).

__________________

(١) تاريخ الخلفاء ١٢٠ و ١٢١.

(٢) تاريخ الخلفاء ١٢٠.

(٣) تاريخ الخلفاء ١٢٠ وفيه «حجر» بدل «جحر».

(٤) تاريخ الخلفاء ١٢٠ وقال : أخرجه الزبير بن بكار في الموفقيات. وأقول لم أجده في «الأخبار الموفقيات» المطبوع.

(٥) تاريخ الخلفاء ١٢٨.

(٦) السنة : المجاعة.

(٧) تاريخ الخلفاء ١٢٨.

٢٦٧

وقال ابن أبي مليكة : كلّم عتبة بن فرقد عمر في طعامه ، فقال : ويحك آكل طيّباتي في حياتي الدنيا وأستمتع بها (١)!.

وقال مبارك ، عن الحسن : دخل عمر على ابنه عاصم وهو يأكل لحما فقال : ما هذا؟ قال : قرمنا (٢) إليه ، قال : أو كلّما قرمت إلى شيء أكلته! كفى بالمرء سرفا أن يأكل كلّ ما اشتهى (٣).

وقال عبد الرحمن بن زيد بن أسلم ، عن أبيه ، عن جدّه ، قال عمر : لقد خطر على قلبي شهوة السمك الطّريّ ، قال ورحّل «يرفأ» (٤) راحلته وسار أربعا مقبلا ومدبرا ، واشترى مكتلا فجاء به ، وعمد إلى الراحلة فغسّلها ، فأتى عمر فقال : انطلق حتّى انظر إلى الراحلة ، فنظر وقال : نسيت أن تغسل هذا العرق الّذي تحت أذنها ، عذّبت بهيمة في شهوة عمر ، لا والله لا يذوق عمر مكتلك (٥).

وقال قتادة : كان عمر يلبس ، وهو خليفة ، جبّة من صوف مرقوعا بعضها بأدم ، ويطوف في الأسواق على عاتقه الدّرّة يؤدّب النّاس بها ، ويمرّ بالنّكث (٦) والنّوى فيلقطه ويلقيه في منازل النّاس لينتفعوا به (٧).

قال أنس : رأيت بين كتفي عمر أربع رقاع في قميصه (٨).

__________________

(١) تاريخ الخلفاء ١٢٨.

(٢) القرم : بالتحريك شدّة الشهوة إلى اللحم.

(٣) تاريخ الخلفاء ١٢٨ ، ١٢٩.

(٤) اسم غلام كان لعمر.

(٥) تاريخ الخلفاء ١٢٩.

(٦) النّكث : بالكسر : الغزل المنقوض.

(٧) تاريخ الخلفاء ١٢٩ وأخرج بعضه ابن سعد في الطبقات ٣ / ٣٣٠ من طريق عبيد الله بن الوليد ، عن العوّام بن جويرية ، عن أنس بن مالك.

(٨) طبقات ابن سعد ٣ / ٣٢٨ ، تاريخ الخلفاء ١٢٩ ، أسد الغابة لابن الأثير ٤ / ٦٢.

٢٦٨

وقال أبو عثمان النّهديّ : رأيت على عمر إزارا مرقوعا بأدم (١).

وقال عبد الله بن عامر بن ربيعة : حججت مع عمر ، فما ضرب فسطاطا (٢) ولا خباء ، كان يلقي الكساء والنّطع على الشجرة ويستظلّ تحته (٣).

وقال عبد الله بن مسلم بن هرمز ، عن أبي الغادية الشاميّ قال : قدم عمر الجابية (٤) على جمل أورق تلوح صلعته للشمس (٥) ، ليس عليه قلنسوة ولا عمامة ، قد طبّق رجليه بين شعبتي الرحل بلا ركاب ، ووطاؤه كساء أنبجانيّ (٦) من صوف وهو فراشه إذا نزل ، وحقيبته محشوّة ليفا (٧) ، وهي إذا نزل وساده ، وعليه قميص من كرابيس (٨) قد دسم وتخرّق جيبه ، فقال : ادعوا لي رأس القرية ، فدعوه له فقال : اغسلوا قميصي وخيّطوه وأعيروني قميصا ، فأتي بقميص كتّان فقال : ما هذا؟ قيل : كتّان ، قال : وما الكتّان؟

فأخبروه فنزع قميصه فغسلوه ورقّعوه ولبسه ، فقال له رأس القرية : أنت ملك العرب وهذه بلاد لا تصلح فيها الإبل. فأتي ببرذون فطرح عليه قطيفة بلا سرج ولا رحل ، فلمّا سار هنيهة قال : احبسوا ، ما كنت أظنّ النّاس يركبون الشيطان ، هاتوا جملي (٩).

وقال المطّلب بن زياد ، عن عبد الله بن عيسى : كان في وجه عمر بن

__________________

(١) طبقات ابن سعد ٣ / ٣٢٨ ، تاريخ الخلفاء ١٢٩.

(٢) خيمة.

(٣) طبقات ابن سعد ٣ / ٢٧٩ ، تاريخ الخلفاء ١٢٩ ، مناقب عمر لابن الجوزي ١٤٠.

(٤) الجابية : قرية حوران.

(٥) كذا في نسخة دار الكتب. وفي الأصل وغيره (بالشمس).

(٦) نسبة إلى منبج.

(٧) هذا ما في نسخة دار الكتب. وفي الأصل وفي ح (ليف). وكلاهما صواب.

(٨) أي قطن.

(٩) مناقب عمر لابن الجوزي ١٥٠.

٢٦٩

الخطّاب خطّان أسودان من البكاء (١).

وعن الحسن قال : كان عمر يمرّ بالآية من ورده فيسقط حتّى يعاد منها أياما (٢).

وقال أنس : خرجت مع عمر فدخل حائطا فسمعته يقول وبيني وبينه جدار : عمر بن الخطّاب أمير المؤمنين والله لتتّقينّ الله بني (٣) الخطّاب أو ليعذّبنّك (٤).

وقال عبد الله بن عامر بن ربيعة : رأيت عمر أخذ تبنة من الأرض فقال : يا ليتني هذه التبنة ، ليتني لم أك شيئا ، ليت أمّي لم تلدني (٥).

وقال عبيد الله بن عمر بن حفص : إنّ عمر بن الخطّاب حمل قربة على عنقه ، فقيل له في ذلك فقال : إنّ نفسي أعجبتني فأردت أن أذلّها (٦).

وقال الصّلت بن بهرام ، عن جميّع بن عمير التّيمي ، عن ابن عمر قال : شهدت جلولاء فابتعت من المغنم بأربعين ألفا ، فلمّا قدمت على عمر قال : أرأيت لو عرضت على النّار فقيل لك : افتده ، أكنت مفتديّ به؟

قلت : والله ما من شيء يؤذيك إلّا كنت مفتديك منه ، قال : كأنّي شاهد النّاس حين تبايعوا فقالوا : عبد الله بن عمر صاحب رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وسلم وابن أمير المؤمنين وأحبّ النّاس إليه ، وأنت كذلك فكان أن يرخصوا عليك أحبّ إليهم من أن يغلوا عليك ، وإنّي قاسم مسئول وأنا معطيك أكثر ما ربح تاجر من

__________________

(١) مناقب عمر لابن الجوزي ١٦٨ وفيه : وفي رواية خطّان مثل الشراك من البكاء.

(٢) ابن الجوزي ١٦٨.

(٣) هكذا في الأصل. وفي تاريخ الخلفاء للسيوطي ١٢٩ «يا ابن الخطّاب».

(٤) تاريخ الخلفاء ١٢٩.

(٥) تاريخ الخلفاء ١٢٩.

(٦) تاريخ الخلفاء ١٢٩.

٢٧٠

قريش ، لك ربح الدّرهم درهم ، قال : ثمّ دعا التّجّار فابتاعوه منه بأربعمائة ألف درهم ، فدفع إليّ ثمانين ألفا وبعث بالباقي إلى سعد بن أبي وقّاص ليقسمه.

وقال الحسن : رأى عمر جارية تطيش هزالا فقال : من هذه؟ فقال عبد الله : هذه إحدى بناتك. قال : وأيّ بناتي هذه؟ قال : بنتي ، قال : ما بلغ بها ما أرى؟ قال عملك! لا تنفق عليها ، قال : إنّي والله ما أعول ولدك فاسع عليهم أيّها الرجل (١).

وقال محمد بن سيرين : قدم صهر لعمر عليه فطلب أن يعطيه عمر من بيت المال فانتهره عمر وقال : أردت أن ألقى الله ملكا خائنا! فلمّا كان بعد ذلك أعطاه من صلب ماله عشرة آلاف درهم (٢).

قال حذيفة : والله ما أعرف رجلا لا تأخذه في الله لومة لائم إلّا عمر (٣).

وقال حذيفة : كنّا جلوسا عند عمر فقال : أيّكم يحفظ قول رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وسلم في الفتنة؟ قلت : أنا. قال : إنّك لجريء ، قلت : فتنة الرجل في أهله وماله وولده تكفّرها الصّلاة والصيام (٤) والصّدقة والأمر بالمعروف والنّهي عن المنكر ، قال : ليس عنها أسألك ولكن الفتنة التي تموج موج البحر ، قلت : ليس عليك منها بأس إنّ بينك وبينها بابا مغلقا ، قال : أيكسر أم يفتح؟ قلت : بل يكسر ، قال : إذا لا يغلق أبدا ، قلنا لحذيفة : أكان عمر يعلم من الباب؟ قال : نعم كما يعلم أنّ دون غد الليلة ، إنّي حدّثته حديثا ليس بالأغاليط ،

__________________

(١) مناقب عمر لابن الجوزي ١٠٥ طبقات ابن سعد ٣ / ٢٧٧.

(٢) طبقات ابن سعد ٣ / ٣٠٣ ، ٣٠٤ ، تاريخ الخلفاء للسيوطي ١٣٠.

(٣) تاريخ الخلفاء ١٢٠.

(٤) «الصيام» ساقطة من نسخة دار الكتب وغيرها. والاستدراك من صحيح البخاري.

٢٧١

فسأله مسروق : من الباب؟ قال : الباب عمر. أخرجه البخاريّ (١).

وقال إبراهيم بن عبد الرحمن بن عوف : أتي عمر بكنوز كسرى ، فقال عبد الله بن الأرقم : أتجعلها في بيت المال حتى تقسمها؟ فقال عمر : لا والله لا آويها إلى سقف حتى أمضيها ، فوضعها في وسط المسجد وباتوا يحرسونها ، فلمّا أصبح كشف عنها فرأى من الحمراء والبيضاء ما يكاد يتلألأ ، فبكى فقال له أبي : ما يبكيك يا أمير المؤمنين فو الله إنّ هذا ليوم شكر ويوم سرور! فقال : ويحك إنّ هذا لم يعطه قوم إلّا ألقيت بينهم العداوة والبغضاء.

وقال أسلم مولى عمر : استعمل عمر مولى له على الحمى فقال : يا هنيّ اضمم جناحك عن المسلمين واتّق دعوة المظلوم فإنّها مستجابة ، وأدخل ربّ الصّريمة والغنيمة ، وإيّاي ونعم ابن عوف ونعم ابن عفّان فإنّهما إن تهلك ماشيتهما يرجعان إلى زرع ونخل ، وإنّ ربّ الصّريمة والغنيمة إن تهلك ماشيتهما يأتني ببنيه فيقول : يا أمير المؤمنين! أفتاركهم أنا لا أبا لك! فالماء والكلأ أيسر عليّ من الذهب والفضة ، وايم الله إنّهم ليرون أنّي قد ظلمتهم ، إنّها لبلادهم قاتلوا عليها في الجاهلية وأسلموا عليها في الإسلام ، والّذي نفسي بيده لو لا المال الّذي أحمل عليه في سبيل الله ما حميت عليهم من بلادهم شبرا. أخرجه البخاريّ (٢).

وقال أبو هريرة : دوّن عمر الدّيوان ، وفرض للمهاجرين الأوّلين خمسة

__________________

(١) في المواقيت ١ / ١٣٣ باب الصلاة كفّارة ، وفي الزكاة ٢ / ١١٩ باب الصدقة تكفّر الخطيئة ، وفي الصوم ٢ / ٢٢٦ باب الصوم كفّارة ، وفي المناقب ٤ / ١٧٤ باب علامات النبوّة ، وفي الفتن ٨ / ٩٦ باب الفتنة التي تموج كموج البحر ، وأخرجه مسلم في الإيمان (٢٣١) باب بيان أن الإسلام بدأ غريبا وسيعود غريبا ، وفي الفتن وأشراط الساعة (٢٦) باب في الفتنة التي تموج موج البحر ، والترمذي في الفتن باب ٦١ رقم (٢٣٥٩) ، وابن ماجة في الفتن ، رقم (٣٩٥٥) ، وأحمد في المسند ٥ / ٣٨٦ و ٤٠١ و ٤٠٥.

(٢) في الجهاد والسير ٤ / ٣٣ باب إذا أسلم قوم في دار الحرب ولهم مال وأرضون فهي لهم ، ومالك في الموطّأ ٧٠٧ ، ٧٠٨ رقم (١٨٤٢) باب ما يتّقى من دعوة المظلوم.

٢٧٢

آلاف خمسة آلاف ، وللأنصار أربعة آلاف أربعة آلاف ، ولأمّهات المؤمنين اثني عشر ألفا اثني عشر ألفا (١).

وقال إبراهيم النّخعيّ : كان عمر يتّجر وهو خليفة (٢).

وقال الأعمش ، عن أبي صالح ، عن مالك الدّار قال : أصاب النّاس قحط في زمان عمر ، فجاء رجل إلى قبر رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وسلم فقال : يا رسول الله استسق الله لأمّتك فإنّهم قد هلكوا. فأتاه رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وسلم في المنام وقال : ائت عمر فأقرئه منّي السّلام وأخبره أنّهم مسقون وقل له : عليك الكيس الكيس ، فأتى الرجل فأخبر عمر فبكى وقال : يا ربّ ما آلو ما عجزت عنه.

وقال أنس : تقرقر بطن عمر من أكل الزّيت عام الرّمادة ، كان قد حرم نفسه السّمن ، قال : فنقر بطنه بإصبعه وقال : إنّه ليس [لك] (٣) عندنا غيره حتّى يحيا النّاس (٤).

وقال الواقديّ : ثنا هشام بن سعد ، عن زيد بن أسلم ، عن أبيه قال : لمّا كان عام الرّمادة جاءت العرب من كلّ ناحية فقدموا المدينة ، فكان عمر قد أمر رجالا يقومون بمصالحهم ، فسمعته يقول ليلة : «أحصوا من يتعشّى عندنا» فأحصوهم من القابلة فوجدوهم سبعة آلاف رجل ، وأحصوا الرّجال المرضى والعيالات فكانوا أربعين ألفا. ثمّ بعد أيام بلغ الرجال والعيال ستّين ألفا ، فما برحوا حتّى أرسل الله السّماء ، فلمّا مطرت رأيت عمر قد وكل بهم من يخرجونهم إلى البادية ويعطونهم قوتا (٥) وحملانا إلى باديتهم ، وكان قد

__________________

(١) طبقات ابن سعد ٣ / ٣٠٠ تاريخ الخلفاء ١٣٠.

(٢) تاريخ الخلفاء ١٣٠.

(٣) ما بين الحاصرتين إضافة على الأصل من طبقات ابن سعد.

(٤) طبقات ابن سعد ٣١٣.

(٥) في الأصل «قوّة» وهو تحريف ، والتصويب من نسخة دار الكتب ، وطبقات ابن سعد.

٢٧٣

وقع فيهم الموت فأراه مات ثلثاهم ، وكانت قدور عمر تقوم إليها العمّال من السّحر يعملون الكركور (١) ويعملون العصائد (٢).

وعن أسلم قال : كنّا نقول : لو لم يرفع الله المحل عام الرّمادة لظننا أنّ عمر يموت (٣).

وقال سفيان الثّوريّ : من زعم أنّ عليّا كان أحقّ بالولاية من أبي بكر وعمر فقد خطّأ أبا بكر وعمر والمهاجرين والأنصار (٤).

وقال شريك : ليس يقدّم عليّا على أبي بكر وعمر أحد فيه خير (٥).

وقال أبو أسامة : تدرون من أبو بكر وعمر؟ هما أبو الإسلام وأمّه (٦).

وقال الحسن بن صالح بن حيّ : سمعت جعفر بن محمد الصّادق يقول : أنا بريء ممّن ذكر أبا بكر وعمر إلّا بخير (٧).

ذكر نسائه وأولاده

تزوّج زينب بنت مظعون ، فولدت له عبد الله ، وحفصة ، وعبد الرحمن (٨). وتزوّج مليكة الخزاعيّة ، فولدت له عبيد الله ، وقيل أمّه وأمّ زيد الأصغر أمّ كلثوم بنت جرول. وتزوّج أمّ حكيم بنت الحارث بن هشام

__________________

(١) في طبعة القدسي ٣ / ١٥٦ «الكرنور» والتصويب من طبقات ابن سعد.

(٢) طبقات ابن سعد ٣١٦ ، ٣١٧.

(٣) زاد ابن سعد في طبقاته ٣ / ٣١٥ : «همّا بأمر المسلمين».

(٤) تاريخ الخلفاء ١٢١.

(٥) تاريخ الخلفاء ١٢٢.

(٦) تاريخ الخلفاء ١٢٣.

(٧) تاريخ الخلفاء ١٢٢.

(٨) هو الأكبر. (تاريخ الطبري ٤ / ١٩٨).

٢٧٤

المخزوميّة ، فولدت له فاطمة. وتزوّج جميلة بنت عاصم بن ثابت (١) فولدت له عاصما. وتزوّج أمّ كلثوم بنت فاطمة الزّهراء (٢) وأصدقها أربعين ألفا ، فولدت له زيدا (٣) ورقيّة. وتزوّج لهيّة امرأة من اليمن فولدت له عبد الرحمن الأصغر (٤). وتزوّج عاتكة بنت زيد بن عمرو بن نفيل الّتي تزوّجها بعد موته الزّبير (٥).

وقال الليث بن سعد : استخلف عمر فكان فتح دمشق ، ثم كان اليرموك سنة خمس عشرة ، ثمّ كانت الجابية سنة ستّ عشرة ، ثمّ كانت إيلياء وسرغ لسنة سبع عشرة ، ثمّ كانت الرّمادة وطاعون عمواس سنة ثماني عشرة ، ثمّ كانت جلولاء سنة تسع عشرة ، ثمّ كان فتح باب ليون وقيسارية بالشام ، وموت هرقل سنة عشرين ، وفيها فتحت مصر ، وسنة إحدى وعشرين فتحت نهاوند ، وفتحت الإسكندرية سنة اثنتين وعشرين. وفيها فتحت إصطخر وهمذان. ثم غزا عمرو بن العاص أطرابلس المغرب. وغزوة عمّورية وأمير مصر وهب بن عمير الجمحيّ ، وأمير أهل الشام أبو الأعور سنة ثلاث وعشرين. ثم قتل عمر مصدر الحاجّ في آخر السّنة.

* * *

قال خليفة (٦) : وقعة جلولاء سنة سبع عشرة.

* * *

__________________

(١) هكذا في الأصل ، والصحيح كما في طبقات ابن سعد ٣ / ٢٦٥ : «جملة بنت ثابت بن أبي الأقلح واسمه قيس بن عصمة». وعند الطبري ٤ / ١٩٩ «جميلة أخت عاصم» وهو الصحيح.

(٢) في النسخة (ع) «الزهري» وهو تحريف.

(٣) هو الأكبر ، ولا بقيّة له. (ابن سعد ٣ / ٢٦٥).

(٤) في طبقات ابن سعد ٣ / ٢٦٦ هو : عبد الرحمن الأوسط ، وهو أبو المجبّر.

(٥) ابن سعد ٣ / ٢٦٦ ، تاريخ الطبري ٤ / ١٩٩.

(٦) في تاريخه ١٣٦.

٢٧٥

وقال سعيد بن المسيّب : إنّ عمر لما نفر من منى أناخ بالأبطح ، ثم كوّم كومة من بطحاء (١) واستلقى ورفع يديه إلى السّماء ، ثمّ قال : «اللهمّ كبرت سنّي وضعفت قوّتي وانتشرت رعيّتي فاقبضني إليك غير مضيّع ولا مفرّط» فما انسلخ ذو الحجّة حتّى طعن فمات (٢).

وقال أبو صالح السّمّان : قال كعب لعمر : أجدك في التّوراة (٣) تقتل شهيدا ، قال : وأنّى لي بالشّهادة وأنا بجزيرة العرب (٤)؟ وقال أسلم ، عن عمر أنّه قال : اللهمّ ارزقني شهادة في سبيلك ، واجعل موتي في بلد رسولك. أخرجه البخاريّ (٥).

وقال معدان بن أبي طلحة اليعمريّ : خطب عمر يوم جمعة وذكر نبيّ الله وأبا بكر ثمّ قال : رأيت كأنّ ديكا نقرني نقرة أو نقرتين ، وإنّي لا أراه إلّا حضور أجلي ، وإنّ قوما يأمروني أن استخلف وإنّ الله لم يكن ليضيّع دينه ولا خلافته فإن عجل بي أمر فالخلافة شورى بين هؤلاء الستّة الّذين توفّي رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وسلم وهو عنهم راض (٦).

وقال الزّهريّ : كان عمر لا يأذن لسبيّ قد احتلم في دخول المدينة حتّى كتب المغيرة بن شعبة وهو على الكوفة يذكر له غلاما عنده صنعا (٧)

__________________

(١) أي من الحصى الصغير.

(٢) طبقات ابن سعد ٣ / ٣٣٤ ، ٣٣٥ ، تاريخ الخلفاء ١٣٣ ، المستدرك للحاكم ٣ / ٩٢ ، أسد الغابة ٤ / ٧٣.

(٣) انظر تاريخ الطبري ٤ / ١٩١.

(٤) طبقات ابن سعد ٣ / ٣٣١.

(٥) وابن سعد في طبقاته ٣ / ٣٣١ ، والسيوطي في تاريخ الخلفاء ١٣٣.

(٦) في حاشية الأصل كتب هنا : «بلغت قراءة في الحادي والعشرين على مؤلّفه. كتبه عبد الرحمن بن البعلبكي. عفي عنه».

والحديث في طبقات ابن سعد ٣ / ٣٣٥ ، ٣٣٦ وتاريخ الخلفاء للسيوطي ١٣٣ والحاكم في المستدرك ٣ / ٩١ وابن الأثير ٤ / ٧٣.

(٧) صنعا : بالكسرة وبالتحريك : حاذق.

٢٧٦

ويستأذنه أن يدخل المدينة ويقول : إنّ عنده أعمالا كثيرة فيها منافع للنّاس : إنّه حدّاد نقّاش نجّار ، فأذن له أن يرسل به ، وضرب عليه المغيرة مائة درهم في الشّهر ، فجاء إلى عمر يشتكي شدّة الخراج ، قال : ما خراجك بكثير. فانصرف ساخطا يتذمّر ، فلبث عمر ليالي (١) ثمّ دعاه فقال : ألم أخبر أنّك تقول : لو شاء لصنعت رحى تطحن بالرّيح؟ فالتفت إلى عمر عابسا وقال : لأصنعنّ لك رحى يتحدّث النّاس بها ، فلمّا ولّي قال عمر لأصحابه : أوعدني العبد آنفا. ثمّ اشتمل أبو لؤلؤة على خنجر ذي رأسين نصابه في وسطه ، فكمن في زاوية من زوايا المسجد في الغلس (٢).

وقال عمرو بن ميمون الأوديّ : إنّ أبا لؤلؤة عبد المغيرة طعن عمر بخنجر له رأسان وطعن معه اثني عشر رجلا ، مات منهم ستّة ، فألقى عليه رجل من أهل العراق ثوبا ، فلمّا اغتمّ فيه قتل نفسه (٣).

وقال عامر بن عبد الله بن الزّبير عن أبيه قال : جئت من السّوق وعمر يتوكّأ عليّ ، فمرّ بنا أبو لؤلؤة ، فنظر إلى عمر نظرة ظننت أنّه لو لا مكاني لبطش به ، فجئت بعد ذلك إلى المسجد الفجر فإنّي لبين النّائم واليقظان ، إذ سمعت عمر يقول : قتلني الكلب ، فماج النّاس ساعة ، ثمّ إذا قراءة عبد الرحمن بن عوف.

وقال ثابت البناني ، عن أبي رافع : كان أبو لؤلؤة عبدا للمغيرة يصنع الأرحاء ، وكان المغيرة يستغلّه (٤) كلّ يوم أربعة دراهم ، فلقي عمر فقال : يا

__________________

(١) في النسخة (ع) «لياليا» ، وهو خطأ ، لأنّ «ليالي» ممنوعة من الصرف.

(٢) طبقات ابن سعد ٣ / ٣٤٥ ، تاريخ الخلفاء ١٣٣ ، وانظر تعليق الأستاذين الأخوين : علي وناجي الطنطاوي في : سيرة عمر بن الخطاب ٢ / ٦٠٧ حول هذه الرواية.

(٣) طبقات ابن سعد ٣ / ٣٤٠ ، تاريخ الخلفاء ١٣٤.

(٤) هكذا في الأصل والمصادر الأخرى ، وعند الحاكم في المستدرك «يستعمله».

٢٧٧

أمير المؤمنين إنّ المغيرة قد أثقل عليّ فكلّمه ، فقال : أحسن إلى مولاك ، ومن نيّة عمر أن يكلّم المغيرة فيه ، فغضب وقال : يسع النّاس كلّهم عدله غيري ، وأضمر قتله واتّخذ خنجرا وشحذه وسمّه ، وكان عمر يقول : «أقيموا صفوفكم» قبل أن يكبّر ، فجاء فقام حذاءه في الصّفّ وضربه في كتفه وفي خاصرته ، فسقط عمر ، وطعن ثلاثة عشر رجلا معه ، فمات منهم ستّة ، وحمل عمر إلى أهله وكادت الشمس أن تطلع ، فصلّى ابن عوف بالنّاس بأقصر سورتين ، وأتي عمر بنبيذ فشربه فخرج من جرحه فلم يتبيّن ، فسقوه لبنا فخرج من جرحه فقالوا : لا بأس عليك ، فقال : إن يكن بالقتل بأس فقد قتلت (١) ، فجعل النّاس يثنون عليه ويقولون : كنت وكنت ، فقال : أما والله وددت أنّي خرجت منها كفافا لا عليّ ولا لي وأنّ صحبة رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وسلم سلمت لي (٢).

وأثنى عليه ابن عبّاس ، فقال : لو أنّ لي طلاع الأرض ذهبا (٣) لافتديت به من هول (٤) المطّلع (٥) ، وقد جعلتها شورى في عثمان وعليّ وطلحة والزّبير وعبد الرحمن وسعد. وأمر صهيبا أن يصلّي بالنّاس ، وأجّل الستّة ثلاثا (٦).

وعن عمرو بن ميمون أنّ عمر قال : «الحمد لله الّذي لم يجعل منيّتي

__________________

(١) إلى هنا تنتهي الرواية عند الحاكم في المستدرك ٣ / ٩١.

(٢) طبقات ابن سعد ٣ / ٣٥٣ ، مجمع الزوائد ٩ / ٧٦ ، ٧٧ وفيه : رواه أبو يعلى ورجاله رجال الصحيح ، وأسد الغابة ٤ / ٧٥ ، مناقب عمر لابن الجوزي ٢١٧.

(٣) أي ما يملأ الأرض ذهبا حتى يطلع عنها ويسيل. (النهاية لابن الأثير).

(٤) في طبعة القدسي ٣ / ١٦١ «هو» بدل «هول» والتصويب من طبقات ابن سعد ٣ / ٣٥٢ وغيره.

(٥) المطّلع : الموقف يوم القيامة. (النهاية لابن الأثير).

(٦) انظر طبقات ابن سعد ٣ / ٣٤٤ ، والمستدرك للحاكم ٣ / ٩٢ ، والاستيعاب لابن عبد البرّ ٢ / ٤٦٨ ، ٤٦٩ ، مجمع الزوائد ٩ / ٧٧ ، مناقب عمر لابن الجوزي ٢١٩ ، تاريخ الخلفاء ١٣٤.

وأجّل السّتّة ثلاثا : أي ثلاثة أيّام.

٢٧٨

بيد رجل يدّعي الإسلام» ثمّ قال لابن عبّاس : كنت أنت وأبوك تحبّان أن يكثر العلوج بالمدينة. وكان العبّاس أكثرهم رقيقا (١).

ثمّ قال ، يا عبد الله! انظر ما عليّ من الدّين ، فحسبوه فوجدوه ستّة وثمانين ألفا أو نحوها ، فقال : إن وفّى مال آل عمر فأدّه من أموالهم وإلّا فاسأل في بني عديّ فإن لم تف أموالهم فسل في قريش ، اذهب إلى أمّ المؤمنين عائشة فقل : يستأذن عمر أن يدفن مع صاحبيه ، فذهب إليها فقالت : كنت أريده ـ تعني المكان ـ لنفسي ولأؤثرنّه اليوم على نفسي ، قال : فأتى عبد الله فقال : قد أذنت لك ، فحمد الله.

ثمّ جاءت أمّ المؤمنين حفصة والنّساء يسترنها ، فلمّا رأيناها قمنا ، فمكثت عنده ساعة ، ثمّ استأذن الرجال فولجت داخلة ثمّ سمعنا بكاءها.

وقيل له : أوص يا أمير المؤمنين واستخلف ، قال : ما أرى أحدا أحقّ بهذا الأمر من هؤلاء النّفر الذين توفّي رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وسلم وهو عنهم راض ، فسمّى السّتّة وقال : يشهد عبد الله بن عمر معهم وليس له من الأمر شيء ـ كهيئة التعزية له ـ فإن أصابت الإمرة سعدا فهو ذاك وإلّا فليستعن به أيّكم ما (٢) أمّر ، فإنّي لم أعزله من عجز ولا خيانة ، ثمّ قال : أوصي الخليفة من بعدي بتقوى الله ، وأوصيه بالمهاجرين والأنصار ، وأوصيه بأهل الأمصار خيرا ، في مثل ذلك من الوصيّة (٣).

فلمّا توفّي خرجنا به نمشي ، فسلّم عبد الله بن عمر وقال : عمر يستأذن ، فقالت عائشة : أدخلوه ، فأدخل فوضع هناك مع صاحبيه (٤).

__________________

(١) طبقات ابن سعد ٣ / ٣٣٨.

(٢) ابن سعد ٣ / ٣٣٨ ، ٣٣٩ ، تاريخ الخلفاء للسيوطي ١٣٥.

(٣) «ما» غير موجودة في المنتقى لابن الملّا.

(٤) مناقب عمر لابن الجوزي ٢٢٠ ، تاريخ الخلفاء للسيوطي ١٣٥.

٢٧٩

فلمّا فرغ من دفنه ورجعوا اجتمع هؤلاء الرّهط ، فقال عبد الرحمن بن عوف : اجعلوا أمركم إلى ثلاثة منكم ، فقال الزّبير : قد جعلت أمري إلى عليّ وقال سعد : قد جعلت أمري إلى عبد الرحمن ، وقال طلحة : قد جعلت أمري إلى عثمان ، قال : فخلا هؤلاء الثلاثة فقال عبد الرحمن : أنا لا أريدها فأيّكما تبرّأ من هذا الأمر ونجعله إليه والله عليه والإسلام لينظرنّ أفضلهم في نفسه وليحرصنّ على صلاح الأمّة ، قال : فسكت الشيخان عليّ وعثمان ، فقال عبد الرحمن : اجعلوه إليّ والله عليّ لا آلو عن أفضلكم ، قالا : نعم فخلا بعليّ وقال : لك من القدم في الإسلام والقرابة ما قد علمت ، الله عليك لئن امّرتك لتعدلنّ ولئن أمّرت عليك لتسمعنّ ولتطيعنّ ، قال : ثم خلا بالآخر فقال له كذلك ، فلمّا أخذ ميثاقهما بايع عثمان وبايعه عليّ (١).

وقال المسور بن مخرمة : لما أصبح عمر من الغد ، ـ وهو مطعون ـ فزّعوه (٢) فقالوا : الصّلاة ، ففزع وقال : نعم ولا حظّ في الإسلام لمن ترك الصّلاة ، فصلّى وجرحه يثقب دما (٣).

وقال النّضر بن شميل : ثنا أبو عامر الخزّاز ، عن ابن أبي مليكة ، عن ابن عبّاس قال : لما طعن عمر جاء كعب فقال : والله لئن دعا أمير المؤمنين ليبقينّه الله وليرفعنّه لهذه الأمّة حتّى يفعل كذا وكذا. حتّى ذكر المنافقين فيمن ذكر ، قال : قلت : أبلّغه ما تقول؟ قال : ما قلت إلّا وأنا أريد أن تبلّغه ، فقمت وتخطّيت النّاس حتّى جلست عند رأسه فقلت : يا أمير المؤمنين ، فرفع رأسه فقلت : إنّ كعبا يحلف بالله لئن دعا أمير المؤمنين ليبقينه الله وليرفعنّه لهذه الأمّة ، قال : ادعوا كعبا فدعوه فقال : ما تقول؟ قال : أقول

__________________

(١) ابن سعد ٣ / ٣٣٩ ، تاريخ الخلفاء للسيوطي ١٣٥.

(٢) أي نبّهوه. وفي نسخة دار الكتب (قرّعوه) وهو تصحيف.

(٣) ابن سعد ٣ / ٣٥٠ و ٣٥١ ، مناقب عمر ٢٢٢.

٢٨٠