تاريخ الإسلام ووفيات المشاهير والأعلام - ج ٣٩

شمس الدين محمّد بن أحمد بن عثمان الذّهبي

١
٢

٣

٤

[الطبقة السابعة والخمسون]

بسم الله الرّحمن الرّحيم

سنة إحدى وستين وخمسمائة

[الرفض في عاشوراء]

ظهر في أيّام عاشوراء من الرّفض ببغداد أمر عظيم حتّى سبّوا الصّحابة ، وكانوا في الكرخ إذا رأوا مكحّلا ضربوه (١).

[وقوع الرّخص]

ووقع الرّخص حتّى أبيعت كارّة الدّقيق بعشرة قراريط (٢).

قال ابن الجوزيّ (٣) : وقد اشتريتها في زمن المسترشد باثنتي عشر دينارا (٤).

[هياج الكرج على بلاد الشام]

وفيها هاجت الكرج على بلاد الإسلام ، وقتلوا وسبوا ، وغنموا ما لا يحصى (٥).

[فتح المنيطرة]

وفيها افتتح نور الدّين حصن المنيطرة (٦).

__________________

(١) المنتظم ١٠ / ٢١٧ (١٨ / ١٧١) ، العبر ٤ / ١٧٤ ، مرآة الجنان ٣ / ٣٤٦ ، البداية والنهاية ١٢ / ٢٥١.

(٢) في المنتظم ١٠ / ٢١٨ (١٨ / ١٧١) «باثني عشر قيراطا».

(٣) في المنتظم.

(٤) في الأصل : «دينار».

(٥) الكامل في التاريخ ١١ / ٣٢٣ ، دول الإسلام ٢ / ٧٥ ، العبر ٤ / ١٧٤.

(٦) الكامل في التاريخ ١١ / ٣٢٢ ، التاريخ الباهر ١٣١ ، كتاب الروضتين ج ٢ ق ٢ / ٣٦٠ و ٣٦٧

٥

__________________

= و ٣٦٨ ، زبدة الحلب ٢ / ٣٢٢ ، النوادر السلطانية ٣٨ ، وفيات الأعيان ٧ / ٤٧ ، المغرب في حلى المغرب ١٣٩ ، الكواكب الدرّية ١٦٩ ، والإعلام بتاريخ أهل الإسلام لابن قاضي شهبة (مخطوط) ١١ / ١٦٩ ، المختصر في أخبار البشر ٣ / ٤٣ ، والإعلام والتبيين للحريري ٢٩ ، ودول الإسلام ٢ / ٧٥ وفيه «المنيظرة» ، والعبر ٤ / ١٧٤ ، البداية والنهاية ١٢ / ٢٥١ ، والنجوم الزاهرة ٥ / ٣٥٠ ، تاريخ طرابلس السياسي والحضاريّ (تأليفنا) ٥١٤١ ، تاريخ ابن سباط ١ / ١٧. و «المنيطرة» : بضم الميم وفتح النون وسكون الياء المنقوطة باثنتين من تحتها ، وكسر الطاء المهملة ، وفتح الراء ، وفي الآخر هاء. حصن بجبل لبنان. قال ياقوت : قريب من طرابلس. (معجم البلدان) وأقول : هو بين بعلبكّ وجبيل في جبل المنيطرة المعروف باسمه. وقد ذكر الحريري في (الإعلام والتبيين) أنه حصن قريب من كسروان. فعلّق محقّقه الدكتور مهدي رزق الله أحمد (بالحاشية ٢٢٠) فقال : لم أعثر عليها في كتب البلدان (أي كسروان) ، ولكن يفهم من كتاب (السلوك) أنها من مناطق الدروز ، وأن جبل كسروان متصل بسلسلة جبال لبنان.

ويقول خادم العلم محقق هذا الكتاب «عمر بن عبد السلام تدمري» : إن المنيطرة في قلب جبل لبنان ، وفي القسم الشمالي من كسروان ، وهي ليست من مناطق الدروز. فليصحّح.

٦

سنة اثنتين وستين وخمسمائة

[إرسال العسكر لحرب شملة]

وقع الإرجاف بمجيء شملة التّركمانيّ إلى قلعة الماهكيّ ، وبعث يطلب ويتنطّع (١) ، فامتنع الخليفة أن يعطيه ما طلب من البلاد ، وبعث لحربه أكثر عسكر بغداد (٢).

[عودة ركب الحاجّ]

وقدم الرّكب ، وأخبروا بالأمن والرّخص والمياه ، وأنّهم نقضوا القبّة الّتي بنيت بمكّة للمصريّين (٣).

[مشاركة قطب الدين لعمّه نور الدين الغزو]

وفيها قدم قطب الدّين من الموصل للغزو مع عمّه نور الدّين ، فاجتمعا على حمص ، وسارا بالجيوش ، فأغاروا على بلاد حصن الأكراد ، وحاصروا عرقة ، وحاصروا حلبة ، وأخذوا العريمة ، وصافيتا. ثمّ صاموا رمضان بحمص ، وساروا إلى بانياس ، فنازلوا حصن هونين وأحرقوه. وعزم نور الدّين على منازلة بيروت ، فوقع خلف في العسكر ، فعاد قطب الدّين إلى الموصل ، وأعطاه أخوه بلد الرّقّة.

__________________

(١) في المنتظم : «ويقتطع».

(٢) المنتظم ١٠ / ٢٢٠ (١٨ / ١٧٤) ، مرآة الزمان ٨ / ٢٦٨.

(٣) المنتظم ١٠ / ٢٢٠ (١٨ / ١٧٤).

٧

[حريق اللّبّادين]

وفيها ، قال أبو المظفّر ابن الجوزيّ (١) : احترقت اللّبّادين ، وباب السّاعات (٢) بدمشق حريقا عظيما صار تاريخا ، رقد طبّاخ هريسة على القدر ونام ، فاحترقت دكّانه ، ولعبت النّار في اللّبّادين ، وتعدّت إلى دور كثيرة ، ونهبت أموال عظيمة ، وأقامت النّار تلعب أيّاما.

[مسير شير كوه إلى مصر]

وفيها كان مسير الأمير أسد الدّين شير كوه المسير الثّاني إلى مصر. جهّز السّلطان نور الدّين المعظّم جيوشه ، وقيل : بل جهّز معه ألفي فارس ، فنزل بالجيزة محاصرا لمصر مدّة نيّف وخمسين يوما ، فاستنجد شاور بالفرنج ، فدخلوا مصر من دمياط لنجدته ، فرحل أسد الدّين من بين أيديهم ، وتقدّم عن منزلته ، ثمّ وقع بينه وبين المصريّين حرب على قلّة عسكره وكثرة عدوّه ، فانتصر فيها أسد الدّين ، وقتل من الفرنج ألوفا وأسر منهم سبعين فارسا (٣).

قال ابن الأثير (٤) : كانت هذه الوقعة من أعجب ما يؤرّخ أنّ ألفي فارس تهزم عساكر مصر والفرنج السّاحليّة.

__________________

(١) في مرآة الزمان ٨ / ٢٧٠ ، وانظر : دول الإسلام ٢ / ٧٥ ، ٧٦.

(٢) باب الساعات : هو الباب الغربي للجامع الأموي ويعرف بباب الزيادة ، سمّي بباب الساعات لأنه كان هناك منكاب الساعات يعلم بها كل ساعة تمضي من النهار ، عليها عصافير من نحاس ، وحيّة من نحاس ، وغراب ، فإذا تمّت الساعة خرجت فصفرت العصافير ، وصاح الغراب وسقطت حصاة. (الدارس في تاريخ المدارس ٢ / ٣٨٦ ، ٣٨٧).

أما اللبّادين فهي محلّة في شرق جامع دمشق مكان النوفرة اليوم وما حولها. (معجم الأماكن الطبوغرافية ، للمنجد) وقد تصحّفت إلى «البلادين» في مرآة الجنان ٣ / ٣٧٠ ، والخبر في : النجوم الزاهرة ٥ / ٣٧٣.

(٣) أخبار الدول المنقطعة ١١٥ ، المختصر في أخبار البشر ٢ / ٤٣ ، مرآة الزمان ٨ / ٢٦٨ ، دول الإسلام ٢ / ٧٦ ، اتعاظ الحنفا ٣ / ٢٨٤.

(٤) في الكامل في التاريخ ١١ / ٣٢٦ ، والتاريخ الباهر ١٣٣ ، والعبر ٤ / ١٧٦ ، ومرآة الجنان ٣ / ٣٧٠.

٨

قلت : صدق والله ابن الأثير ، وهذه تسمّى وقعة البابين ، وهو موضع بالصّعيد ، أدركته فيه الفرنج والمصريّون في جمادى الآخرة من السّنة ، فعمل مشورة ، فأشاروا بالتّعدية إلى الجانب الشّرقي والرجوع إلى الشّام ، وقالوا : إن انهزمنا إلى أين نلتجئ؟ فقال بزغش النّوريّ صاحب الشّقيف (١) : من خاف القتل والأسر فلا يخدم الملوك ، والله لئن عدنا إلى نور الدّين من غير غلبة ليأخذنّ إقطاعاتنا ويطردنا.

فقال أسد الدّين : هذا رأيي. وقال صلاح الدّين كذلك ، فوافق الأمراء ، ونصبوا للملتقى ، وجعلوا الثّقل في القلب حفظا له وتكثيرا للسّواد ، وأقيم صلاح الدّين في القلب ، وقال له عمّه أسد الدّين : إذا حملوا على القلب فلا تصدقوهم القتال ، وتقهقروا ، فإن ردّوا عنكم فارجعوا على أعقابهم. ثمّ اختار هو طائفة يثق بشجاعتهم ، ووقف في الميمنة ، فحملت الفرنج على القلب ، فناوشوهم القتال ، واندفعوا بين أيديهم على بقيّتهم ، فتبعتهم الفرنج ، فحمل أسد الدّين على باقي الفرنج والمصريّين ، فهزمهم ، ووضع فيهم السّيف. فلمّا عاد الفرنج من حملتهم على القلب رأوا عسكرهم مهزوما ، فولّوا وانهزموا ، ونزل النّصر (٢).

ثمّ سار أسد الدّين إلى الصّعيد ، فجبى خراجها ، وأقام الفرنج بالقاهرة حتّى استراشوا ، وقصدوا الإسكندرية وقد أخذها صلاح الدّين يوسف ابن أخي أسد الدّين ، فحاصروها أربعة أشهر ، وقاتل أهلها مع صلاح الدّين أشدّ قتال بجموعه ، فترحّل الفرنج عن الإسكندريّة (٣).

__________________

(١) الشقيف : هو شقيف تيرون ، حصن بجبل عامل شرقيّ صور.

(٢) الكامل في التاريخ ١١ / ٣٢٤ ـ ٣٢٦ ، التاريخ الباهر ١٣٢ ، ١٣٣ ، النوادر السلطانية ٣٧ ، ٣٨ ، زبدة الحلب ٢ / ٣٢٣ ، ٣٢٤ ، كتاب الروضتين ج ١ ق ٢ / ٣٦٥ ، تاريخ الزمان ١٧٨ و ١٧٩ ، أخبار الدول المنقطعة ١١٥ ، مفرّج الكروب ١ / ١٥٢ ، المختصر في أخبار البشر ٣ / ٤٣ ، ٤٤ ، دول الإسلام ٢ / ٧٦ ، العبر ٤ / ١٧٦ ، ١٧٧ ، تاريخ ابن الوردي ٢ / ٧٢ ، مرآة الجنان ٣ / ٣٧٠ ، البداية والنهاية ١٢ / ٢٥٢ ، ٢٥٣ ، الكواكب الدريّة ١٦٩ ـ ١٧١ ، اتعاظ الحنفا ٣ / ٢٨٢ ـ ٢٨٥ ، تاريخ ابن سباط ١ / ١١٧ ، نهاية الأرب ٢٨ / ٣٣٥ ـ ٣٣٧ ، مرآة الزمان ٨ / ٢٦٨ ، ٢٦٩.

(٣) الكامل ١١ / ٣٢٦ ، التاريخ الباهر ١٣٣ ، ١٣٤ الروضتين ج ١ ق ٢ / ٣٦٥ ، ٣٦٦ و ٣٧٠ ،

٩

[المهادنة بين أسد الدين وشاور]

ثمّ وقعت مهادنة بين أسد الدّين وشاور على أن ينصرف أسد الدّين إلى الشّام ، ويعطى خمسين ألف دينار. فأخذها ورجع (١).

واستقرّ بالقاهرة شحنة للفرنج ، وقطيعة مائة ألف دينار في السّنة (٢).

__________________

= المغرب في حلى المغرب ٩٤ ، نهاية الأرب ٢٩ / ٣٣٧ ، العبر ٤ / ١٧٦ ، ١٧٧.

(١) الكامل ١١ / ٣٢٦ ، التاريخ الباهر ١٣٤ ، نهاية الأرب ٢٨ / ٣٣٧ ، مرآة الزمان ٨ / ٢٦٩. العبر ٤ / ١٧٧ ، مرآة الجنان ٣ / ٣٧٠ ، البداية والنهاية ١٢ / ٢٥٣.

(٢) الكامل ١١ / ٣٢٧ ، التاريخ الباهر ١٣٤ ، المختصر في أخبار البشر ٣ / ٤٤ ، نهاية الأرب ٢٨ / ٣٣٨ ، مرآة الزمان ٨ / ٢٦٩ ، العبر ٤ / ١٧٧ ، مرآة الجنان ٣ / ٣٧٠ ، البداية والنهاية ١٢ / ٢٥٣ ، اتعاظ الحنفا ٣ / ٢٨٧ ، النجوم الزاهرة ٥ / ٣٤٩.

١٠

سنة ثلاث وستين وخمسمائة

[امتناع حجّ المصريّين]

لم يحجّ المصريّون لما فيه ملكهم من الويل والاشتغال بحرب أسد الدّين (١).

[رخص الورد ببغداد]

ورخص الورد ببغداد إلى أن أبيع كلّ ثمانين رطلا بقيراط (٢).

[وزارة البلديّ]

وفيها ولّي الوزير شرف الدّين أبو جعفر أحمد بن محمد بن سعيد بن البلديّ وزارة المستنجد بالله. وكان ناظرا بواسط (٣).

[مصالحة البهلوان وصاحب مراغة]

وفيها كان حرب ومحاصرة من البهلوان لصاحب مراغة آقسنقر الأحمديليّ. ثمّ وقع الصّلح بعد مصافّ كبير (٤).

[مشيخة الشيوخ]

وفيها ولّي مشيخة الشّيوخ والأوقاف بدمشق ، وحمص ، وحماه : أبو الفتح عمر بن عليّ بن حمّويه.

__________________

(١) المنتظم ١٠ / ٢٢٢ (١٨ / ١٧٦).

(٢) المنتظم ١٠ / ٢٢٢ (١٨ / ١٧٦) وفيه : «بيع الورد مائة رطل بقيراط وحبّة» ، ومثله في : مرآة الزمان ٨ / ٢٧١ ، والنجوم الزاهرة ٥ / ٣٧٦ ، وتاريخ ابن الفرات ، مجلّد ٤ ج ٤ / ١.

(٣) المنتظم ١٠ / ٢٢٢ (١٨ / ١٧٦) ، الكامل ١١ / ٣٣٢ ، البداية والنهاية ١٢ / ٢٥٤.

(٤) الكامل ١١ / ٣٣٢.

١١

سنة أربع وستين وخمسمائة

[الإيقاع بالعيّارين]

فيها واقع غلمان الخليفة العيّارين بالدّجيل ، وقتل كثير منهم ، وجاءوا برءوسهم ، وأخذ قائدهم ، ثمّ صلب ببغداد وتسعة من اللّصوص (١).

[مصادرة الأمير قيماز]

وفيها صودر الأمير قيماز ببغداد ، وأخذ منه ثلاثون ألف دينار ، وانكسر بذلك (٢).

[مسير أسد الدين إلى مصر]

وفيها كان مسير أسد الدّين إلى مصر المسير الثّالث ، وذلك أنّ الفرنج قصدت الدّيار المصريّة في جمع عظيم ، وكان السّلطان نور الدّين في جهة الشّمال ونواحي الفرات ، فطلعوا عليه من عسقلان ، وأتوا بلبيس فحاصروها ، وملكوها ، واستباحوها ، ثمّ نزلوا على القاهرة ، فحاصروها ، فأحرق شاور مصر خوفا من الفرنج ، فلمّا ضايقوا القاهرة بعث إلى ملكهم يطلب الصّلح على ألف ألف دينار ، يعجّل له بعضها. فأجابه به ملك الفرنج مرّي (٣) إلى ذلك ، وحلف له ، فحمل إليه شاور مائة ألف دينار وماطله بالباقي (٤).

__________________

(١) المنتظم ١٠ / ٢٢٦ (١٨ / ١٨٢) ، تاريخ ابن الفرات م ٤ ج ١ / ١٧.

(٢) المنتظم ١٠ / ٢٢٧ (١٨ / ١٨٣).

(٣) يسمّى بالإنكليزيةIcirlamA ، وبالفرنسيةiruammA.

(٤) الكامل ١١ / ٣٣٥ ـ ٣٣٧ ، التاريخ الباهرة ١٣٧ ، ١٣٨ ، تاريخ ابن سباط ١ / ١٢٠ ، الروضتين ج ١ ق ٢ / ٣٩١ ، تاريخ الزمان ١٨١ ، أخبار الدول المنقطعة ١١٦ ، سنا البرق

١٢

وكاتب في غضون ذلك الملك العادل نور الدّين يستنجد به ، وسوّد كتابه ، وجعل في طيّه ذوائب النّساء ، وواصل كتبه يستحثّه ، فكان بحلب ، فساق أسد الدّين من حمص إلى حلب في ليلة (١).

قال القاضي بهاء الدّين يوسف بن شدّاد (٢) : قال لي السّلطان صلاح الدّين : كنت أكره النّاس في الخروج إلى مصر هذه المرّة ، وهذا معنى قوله :

(فَعَسى (٣) أَنْ تَكْرَهُوا شَيْئاً وَيَجْعَلَ اللهُ فِيهِ خَيْراً كَثِيراً) (٤).

[دعوة صلاح الدين لدخول مصر]

وقال ابن الأثير (٥) : حكي عن صلاح الدّين قال : لمّا وردت الكتب من مصر إلى نور الدّين أحضرني وأعلمني الحال ، وقال : تمضي إلى عمّك أسد الدّين مع رسولي تحثّوه على الحضور. ففعلت ، فلمّا سرنا عن حلب ، ميلا لقيناه قادما ، فقال له نور الدّين : تجهّز. فامتنع خوفا من غدرهم أوّلا ، وعدم ما ينفقه في العسكر آخرا ، فأعطاه نور الدّين الأموال والرجال ، وقال : إن تأخّرت عن مصر سرت أنا بنفسي ، فإن ملكها الفرنج لا يبقى معهم بالشّام مقام.

__________________

= الشامي ١ / ٧٤ ، المغرب في حلى المغرب ٩٥ ، ٩٦ ، المختصر في أخبار البشر ٣ / ٤٧ ، تاريخ ابن الوردي ٢ / ٧٤ ، العبر ٤ / ١٨٤ ، دول الإسلام ٢ / ٧٧ ، البداية والنهاية ١٢ / ٢٥٥ وفيه : «وعجّل لهم من ذلك ثمانمائة ألف دينار» ، تاريخ ابن الفرات م ٤ ج ١ / ٢٤ ، ٢٥.

(١) الكامل ١١ / ٣٣٨ ، التاريخ الباهر ١٣٩ ، الروضتين ج ١ ق ٢ / ٣٩١ ، ٣٩٢ ، سنا البرق الشامي ١ / ٧٥ ، زبدة الحلب ٢ / ٣٢٦.

(٢) في النوادر السلطانية ٣٩.

(٣) في الأصل : «وعسى» وهو غلط.

(٤) سورة النساء ، الآية ١٩ ، والنص في (النوادر) : «كنت أكره الناس للخروج في هذه الدفعة ، وما خرجت مع عمّي باختياري ، وهذا معنى قوله سبحانه وتعالى : (وَعَسى أَنْ تَكْرَهُوا شَيْئاً وَهُوَ خَيْرٌ لَكُمْ)».

(٥) في الكامل ١١ / ٣٤٢ ، ٣٤٣ ، والتاريخ الباهر ١٤١ ، وانظر : النوادر السلطانية ٣٨ ، ٣٩ ، والروضتين ج ١ ق ٢ / ٣٩٣ ، والمختصر في أخبار البشر ٣ / ٤٧.

١٣

فالتفت إليّ عمّي وقال : تجهّز يا يوسف. [قال] : فكأنّما ضرب قلبي بسكّين! فقلت : والله لو أعطيت ملك مصر ما سرت إليها. فلقد قاسيت بإلاسكندريّة من المشاقّ ما لا أنساه (١).

فقال عمّي لنور الدّين : لا بدّ من مسيره معي. فترسم له. فأمرني نور الدّين وأنا أستقيله ، وانقضى المجلس.

ثمّ قال نور الدّين : لا بدّ من مسيرك مع عمّك. فشكوت الضّائقة ، فأعطاني ما تجهّزت به ، وكأنّما أساق إلى الموت.

وكان نور الدّين مهيبا ، مخوفا ، مع لينه ورحمته ، فسرت معه. فلمّا توفّي أعطاني الله من الملك ما [لا] (٢) كنت أتوقّعه (٣).

[وزارة أسد الدين]

رجعنا إلى ذكر مسير أسد الدّين ، فجمع الجيوش ، وسار إلى دمشق ، وعرض الجيش ، ثمّ سار إلى مصر في جيش عرمرم ، فقيل : كانوا سبعين ألف فارس وراجل. فتقهقر الفرنج لمجيئه ، ودخل القاهرة في ربيع الآخر ، وجلس في الدّست ، وخلع عليه العاضد خلع السّلطنة ، وولّاه وزارته (٤) ، وهذه نسخة العهد :

«من عبد الله أبي محمد عبد الله بن يوسف العاضد (٥) لدين الله أمير المؤمنين ، إلى السّيّد الأجلّ ، الملك المنصور ، سلطان الجيوش ، وليّ الأئمّة (٦) ، أسد الدّين (٧) ، هادي دعاة المؤمنين ، أبي الحارث شير كوه

__________________

(١) تاريخ ابن سباط ١ / ١٢٢.

(٢) ما بين الحاصرتين ساقطة من الأصل. أضفتها من : الروضتين ج ١ ق ٢ / ٣٩٤.

(٣) العبارة في الكامل ١١ / ٣٤٣ : «ثم توفّي فملّكني الله تعالى ما لم أكن أطمع في بعضه».

(٤) التاريخ الباهر ١٣٩.

(٥) في الروضتين ج ١ ق ٢ / ٤٠٢ : «من عبد الله ووليّه أبي محمد العاضد».

(٦) في الروضتين زيادة : «مجير الأمّة».

(٧) في الروضتين زيادة : «كامل قضاة المسلمين ، و».

١٤

العاضديّ ، عضّد الله به الدّين ، ومتّع (١) ببقائه أمير المؤمنين ، وأدام أقدرته ، وأعلى (٢) كلمته ، سلام عليك ، فإنّا نحمد الله (٣) الّذي لا إله إلّا هو ، ونسأله (٤) أن يصلّي على محمّد (٥) سيّد المرسلين ، وعلى آله الطّاهرين ، والأئمّة المهديّين ..» ثمّ أتبع ذلك بخطبتين بليغتين ، وأنّه ولّاه الوزارة ، وفوّض إليه تدبير الدّولة.

وكتب هو في أعلى (٦) المنشور بخطّه : «هذا عهد لم يعهد (٧) لوزير بمثله ، فتقلّد أمانة رآك أمير المؤمنين أهلا (٨) لحملها (٩) ، والحجّة عليك عند الله بما أوضحه لك من مراشد سبله ، فخذ كتاب أمير المؤمنين بقوّة ، واسحب ذيل الفخار بأن اعتزّت بك بنو النّبوّة (١٠) ، واتّخذ (١١) للفوز سبيلا (وَلا تَنْقُضُوا الْأَيْمانَ بَعْدَ تَوْكِيدِها وَقَدْ جَعَلْتُمُ اللهَ عَلَيْكُمْ كَفِيلاً) (١٢).

[قتل شاور]

وكان هذا قبل مقتل شاور ، وهو أنّ أسد الدّين لمّا دخل القاهرة فأقام شاور بضيافته وضيافة عسكره ، وتردّد إلى خدمته ، فطلب منه أسد الدّين مالا ينفقه على جيشه ، فماطله. فبعث إليه الفقيه ضياء الدّين عيسى بن محمد الهكّاريّ يقول : إنّ الجيش طلبوا نفقاتهم ، وقد مطلتهم بها ، وتغيّرت

__________________

(١) في الروضتين ج ١ ق ٢ / ٤٠٣ «أمتع».

(٢) في الأصل : «أعلا» في الموضعين.

(٣) في الروضتين : «فإنه يحمد إليك الله.

(٤) في الروضتين : «ويسأله».

(٥) في الروضتين : «على محمد خاتم النبيّين ، وسيّد ..».

(٦) في الأصل : «أعلا» في الموضعين.

(٧) في الروضتين : «هذا عهد لا عهد» ، والمثبت يتفق مع : مفرّج الكروب ١ / ١٦٤.

(٨) في الأصل : «أهل» وهو غلط.

(٩) في الروضتين ج ١ ق ٢ / ٤٠٢ ، ومفرّج الكروب : «لحملة».

(١٠) في الروضتين ، ومفرّج الكروب : «بأن اعتزّت خدمتك إلى بنوة النبوة».

(١١) في المصدرين : «واتّخذه».

(١٢) سورة النحل ، الآية ٩١.

١٥

قلوبهم ، فإذا أبيت فكن على حذر منهم. فلم يؤثّر هذا عند شاور ، وركب على عادته ، وأتى أسد الدّين مسترسلا ، وقيل : إنّه تمارض ، فجاء شاور يعوده (١) ، فاعترضه صلاح الدّين يوسف بن أيّوب وجماعة من الأمراء النّوريّة ، فقبضوا عليه ، فجاءهم رسول يطلب رأس شاور ، فذبح وحمل رأسه إليه (٢).

[موت شير كوه]

ثمّ لم يلبث أسد الدّين أن حضرته المنيّة بعد خمسة وستّين يوما من ولايته (٣).

__________________

(١) في الأصل : «يعوضه».

(٢) الكامل ١١ / ٣٤٠ ، التاريخ الباهر ١٤٠ ، تاريخ ابن سباط ١ / ١٢١ ، النوادر السلطانية ٣٩ ، ٤٠ ، الروضتين ج ١ ق ٢ / ٣٩٧ و ٣٩٨ ، تاريخ الزمان ١٨٢ ، تاريخ مختصر الدول ٢١٢ ، أخبار الدول المنقطعة ١١٦ ، سنا البرق الشامي ١ / ٧٨ ، مفرّج الكروب ١ / ١٦٠ ـ ١٦٧ ، المغرب في حلى المغرب ٩٦ ، المختصر في أخبار البشر ٣ / ٤٥ ، ٤٦ ، نهاية الأرب ٢٨ / ٣٤٢ ، ٣٤٣ ، زبدة الحلب ٢ / ٣٢٧ ، مرآة الزمان ٨ / ٢٧٧ ، ٢٧٨ ، والدر المطلوب ٣٥ ، ومرآة الجنان ٣ / ٣٧٤ ، البداية والنهاية ١٢ / ٢٥٦ ، اتعاظ الحنفا ٣ / ٣٠١ ، والنجوم الزاهرة ٥ / ٣٣٩ و ٣٥١ ، ٣٥٢ ، تاريخ الخلفاء ٤٤٤ ، بدائع الزهور ج ١ ق ١ / ٢٣٢ ، تاريخ ابن الفرات م ٤ ج ١ / ٢٩ ـ ٣٣ ، شفاء القلوب ٢٦ ، ٣٥.

(٣) انظر (وفاة شيركوه) في : الكامل في التاريخ ١١ / ٣٤١ ، والتاريخ الباهر ١٤١ ، والنوادر السلطانية ٤٠ ، ٤١ ، والروضتين ج ١ ق ٢ / ٤٠٥ ، وتاريخ مختصر الدول ٢١٢ ، وأخبار الدول المنقطعة ١١٦ ، وسنا البرق الشامي ١ / ٨٠ ، ٨١ ، والمغرب في حلى المغرب ٩٦ وفيه : «فكانت مدّة وزارته ستين يوما» ، والمختصر في أخبار البشر ٣ / ٤٧ ، وتاريخ ابن الوردي ٢ / ٧٥ ، ونهاية الأرب ٢٨ / ٣٤٣ ، و ٣٥٧ ، ومفرّج الكروب ١ / ١٦٥ ، واتعاظ الحنفا ٣ / ٣٠٤ ، وزبدة الحلب ٣ / ٤٣٢٨ ، ومرآة الزمان ٨ / ٢٧٨ ، الدر المطلوب ٣٥ وفيه : «فكانت مدّة وزارته ثمانية أشهر»! و ٢٦ و ٤٠ وفيه : «لم يقم في الوزارة غير أربعة أشهر ، وقيل ثمانية أشهر على اختلاف الرواة في ذلك» ، البداية والنهاية ١٢ / ٢٥٦ ، النجوم الزاهرة ٥ / ٣٥٢ ، وتاريخ الخلفاء ٤٤٤ ، وبدائع الزهور ج ١ ق ١ / ٢٣٢ ، وتاريخ ابن الفرات م ٤ / ج ١ / ٥٠ ـ ٥٥.

١٦

[تقليد صلاح الدين أمور الخليفة]

وقلّد العاضد الملك النّاصر صلاح الدّين يوسف الأمور ، وهو لقّبه الملك النّاصر ، وكتب تقليده القاضي الفاضل. فقام بالسّلطنة أتمّ قيام (١).

قال العماد في «البرق الشّاميّ» (٢) بعد أن ذكر استباحة الفرنج بلبيس : فأناخوا على القاهرة معوّلين على المحاصرة في عاشر صفر ، فخاف النّاس من نوبة بلبيس ، فلو أنّ الفرنج لم يعمدوا بالسّوء في بلبيس لوثقت منهم القاهرة ، ولم تدم المحاصرة. وأحرق شاور مصر ، وخاف عليها منهم ، فبقيت النّار تعمل فيها أربعة وخمسين يوما. وكان غرضه أن يأمن عليها من العدوّ الكافر. ثمّ عرف العجز ، فشرع في الحيل ، فأرسل إلى ملك الفرنج يبذل له المودّة ، وأنّه يراه لدهره العمدة ، فأحسن له العدّة ، ووفّر لرجائه الجدّة ، وقال : أمهلني حتّى أجمع لك الدّنانير ، وأنفذ لك منها قناطير ، وأطمعه (٣) في ألف ألف دينار معجّلة ومنجّمة ، وتوثّق منه بمواثيق مستحكمة ، ثمّ قال له : ترحل عنّا ، وتوسع الخناق ، وتترك الشّقاق. وعجّل له مائة ألف دينار حيلة وخداعا ، ووصل بكتبه نور الدّين مستصرخا مستنفرا ، وفي طيّها ذوائب مجزوزة وعصائب محزوزة ، وبقي ينفّذ للفرنج في كلّ حين مالا ، ويطلب منهم إمهالا ، حتّى أتى الغوث ، فسلب أسد الدّين القرار ، وساق في ليلة إلى حلب ، وقال إنّ الفرنج قد استحكم في البلاد المصريّة طمعهم ، وليس في الوجود غيرك من يرغمهم ، ومتى تجمع العسكر؟ وكيف تدفعهم؟ فقال له :

خزانتي لك ، فخذ منها ما تريد ، ويصحبك أجنادي. وعجّل له بمائتي ألف دينار ، وأمر خازنه وليّ الدّين إسماعيل بأن يعطيه ما يطلب. فقال : أمضي إلى الرحبة لجمع التّركمان.

__________________

(١) الروضتين ج ١ ق ٢ / ٤٠٦ ، أخبار الدول المنقطعة ١١٦ ، نهاية الأرب ٢٨ / ٣٥٩ ، البداية والنهاية ١٢ / ٢٥٦ ، النجوم الزاهرة ٥ / ٣٣٩ ، تاريخ الخلفاء ٤٤٤ ، بدائع الزهور ج ١ ق ١ / ٢٣٣.

(٢) في الجزء الضائع من الكتاب ، ويوجد نحوه في الروضتين ج ١ ج ٢ / ٣٩١ ، ٣٩٢.

(٣) في الأصل : «أطعمه».

١٧

وذهب نور الدّين ليتسلم قلعة جعبر ، وحشد أسد الدّين وحشر ، وأسرع نور الدّين بالعود إلى دمشق. وخرجنا إلى الفوّار ، وأسد الدّين هناك في العسكر الجرّار ، وأطلق لكلّ فارس عشرين دينارا ، ورحلوا على قصد مصر.

وخيّم نور الدّين بمن أقام معه على رأس الماء ، (١) فجاء البشير برحيل الفرنج عن القاهرة عند وصول خبر العسكر ، (٢) فدخلوا مصر في سابع (٣) ربيع الآخر ، وتودّد شاور إلى أسد الدّين وتردّد ، وتجدّد بينهما من الودّ ما تأكّد (٤).

ثمّ ساق «العماد» نحو ما قدّمنا ، وأنّه قتل في سابع عشر ربيع الآخر.

ثمّ قال (٥) : «ولمّا فرغ العسكر بمصر بعد ثلاثة أيّام من التّعزية بأسد الدّين اختلفت آراؤهم ، واختلطت أهواؤهم ، وكاد الشّمل لا ينتظم (٦) ، فاجتمع الأمراء النّوريّة على كلمة واحدة ، وأيد متساعدة ، وعقدوا لصلاح الدّين الرأي والراية ، وأخلصوا له الولاء والولاية ، وقالوا : هذا مقام (٧) عمّه ، ونحن بحكمه ، وألزموا صاحب القصر بتوليته ، ونادت السّعادة بتلبيته ، وشرع في ترتيب الملك وتربيته (٨) ، وسلّط الجود على الموجود ، وبسط الوفور للوفود».

قال القاضي بهاء الدّين بن شدّاد (٩) : وكانت الوصيّة إلى صلاح الدّين. من عمّه ، ولمّا فوّض إليه تاب من الخمر ، وأعرض عن اللهو (١٠). ولقد

__________________

(١) رأس الماء : من أرض حوران وتقع على طريق الحج ، شمال درعا وجنوب دمشق.

(٢) الروضتين ج ١ ق ٢ / ٣٩١ ـ ٣٩٣ و ٤٦٤.

(٣) في الروضتين ج ١ ق ٢ / ٣٩٨ «في الرابع».

(٤) الروضتين ج ١ / ق ٢ / ٣٩٨.

(٥) قول العماد في الروضتين ج ١ ق ٢ / ٤٠٩ ، وفي سنا البرق الشامي ١ / ٨١.

(٦) زاد في الروضتين : «والخلل لا يلتئم» ، ومثله في : سنا البرق الشامي ١ / ٨١.

(٧) في الروضتين «هذا قائم مقامه» ، والمثبت يتفق مع سنا البرق ١ / ٨١.

(٨) زاد في الروضتين : «ورفض ختوم الخزائن ، وأبضّ رسوم المزاين» ، وانظر : سنا البرق ١ / ٨١.

(٩) في النوادر السلطانية ٤٠ ، ٤١.

(١٠) تاريخ ابن سباط ١ / ١٢٤.

١٨

سمعته يقول لمّا يسّر الله ديار مصر : علمت أنّه أراد فتح السّاحل ، لأنّه أوقع ذلك في نفسي.

وقال ابن واصل (١) : لمّا مات أسد الدّين كان ثمّ جماعة ، منهم عين الدّولة الياروقيّ ، وقطب الدّين خسرو الهذبانيّ (٢) ، وسيف الدّين عليّ المشطوب (٣) ، وشهاب الدّين محمود الحارميّ خال صلاح الدّين ، وكلّ منهم تطاول إلى الأمر ، فطلب العاضد صلاح الدّين ليولّيه الأمر ، حمله على ذلك ضعف صلاح الدّين ، وأنّه لا يجسر أحد على مخالفته ، فامتنع وجبن ، فألزم وأحضر إلى القصر ، وخلع عليه ، ولقّب بالملك النّاصر صلاح الدّين ، وعاد إلى دار الوزارة ، فلم يلتفت إليه أولئك الأمراء ولا خدموه ، فقام بأمره الفقيه ضياء الدّين عيسى الهكّاريّ ، وأمال إليه المشطوب ، ثمّ قال لشهاب الدّين :

هذا هو ابن أختك ، وملكه بك ، ولم يزل به حتّى حلّفه له (٤) ، ثمّ أتى قطب الدّين وقال : إنّ صلاح الدّين قد أطاعه النّاس ، ولم يبق غيرك وغير عين الدّولة ، وعلى كلّ حال ، فالجامع بينك وبين صلاح الدّين أنّ أصله من الأكراد ، فلا يخرج الأمر عنه إلى الأتراك. ووعده بزيادة إقطاعه ، فلان وحلف (٥). ثمّ ذهب ضياء الدّين واجتمع بعين الدّولة الياروقيّ ، وكان أكبر الجماعة ، وأكثرهم جمعا ، فلم تنفع رقاه ، وقال : لا أخدم يوسف أبدا. وعاد إلى نور الدّين ومعه غيره ، فأنكر عليهم فراقهم له.

قال العماد (٦) : وكان بالقصر أستاذ خصيّ يلقّب مؤتمن الخلافة (٧) ،

__________________

(١) في مفرّج الكروب ١ / ١٦٨.

(٢) في مفرّج الكروب : «قطب الدين خسرو بن تليل ، وهو ابن أخي أبي الهيجاء الهذباني الّذي كان صاحب إربل».

(٣) في المفرّج : «سيف الدين علي بن أحمد المشطوب». وفي التاريخ الباهر ٢٥٥ ، والروضتين ج ١ ق ٢ / ٤٠٦ «سيف الدين علي بن أحمد الهكاري».

(٤) في الأصل : «به». والمثبت عن : التاريخ الباهر ، والروضتين.

(٥) هكذا في الأصل. وفي التاريخ الباهر والروضتين : «فأطاع صلاح الدين أيضا».

(٦) قول العماد في (الروضتين ج ١ ق ٢ / ٤٥٠) ، وسنا البرق الشامي ١ / ٨٢.

(٧) اسمه «جعفر». كما في : مفرّج الكروب ١ / ١٧٤ ، والمواعظ والاعتبار ١ / ٩٧.

١٩

لأمره نفاذ ، وبه في الشّدّة عياذ ، وله بتحيّل الحيل لياذ ، وعلى القصر استحواذ ، فتشمّر وتنمّر ، وقال : من كسرى ، ومن كيقباذ (١)؟. وتآمر هو ومن شايعه وبايعه على مكاتبة الفرنج ، فكاتبوهم خفية ، فاتّفق أنّ تركمانيّا عبر بالبير البيضاء (٢) ، فرأى نعلين جديدين مع إنسان ، فأخذهما وجاء بهما إلى صلاح الدّين ، فوجد في البطانة خرقا مكتوبة ، مكتومة ، مختومة ، بالشرّ محتومة ، وإذا هي إلى الفرنج من القصر ، يرجون بالفرنج النّصر ، فقال : دلّوني على كاتب هذا الخطّ. فدلوه على يهوديّ من الرّهط ، فلمّا أحضروه لفظ بالشّهادتين ، واعترف أنّه بأمر مؤتمن الخلافة كتبه ، واستشعر الخصيّ العصيّ ، وخشي أن تسبقه (٣) على شقّ العصا العصيّ ، فلزم القصر. وأعرض عنه صلاح الدّين ، ثمّ خرج إلى قرية له (٤) ، فأنهض له السّلطان صلاح الدّين من أخذ رأسه في ذي القعدة.

ولمّا قتل هذا الخادم سار (٥) السّودان وثاروا ، ومن استعار السّعير استعاروا ، وأقاموا ثاني يوم قتله وجيّشوا ، وكانوا أكثر من خمسين ألفا ، من كلّ أنبس أغلس ، أحمر أحمس (٦) ، أجرى أجرس ، ألسع أليس ، أسود أسود ، وأسحم حسامه يحسم ، فحسبوا أنّ كلّ بيضاء شحمة ، وكلّ سوداء فحمة (٧) ، وحمراء لحمة ، وأنّ كلّ ما أسدوه من العجاج مناله لحمة ، فأقبلوا ونصرائهم

__________________

(١) النص في سنا البرق الشامي مختلف : «وكان بالقصر أستاذ ، له على حكم القصر استحواذ ، وبدا من شرار شرّه دخان ، ومن رشاش كيده رذاذ».

(٢) البير البيضاء : قريبة من بلبيس بينها وبين الخانكة ، ومكانها اليوم عزبة أبي حبيب بناحية الزوامل في حوض يعرف الآن باسم حوض البيضاء. وفي معجم البلدان : البيضاء اسم لأربع قرى في مصر ، الأولى من كورة الشرقية (وهي المقصودة هنا) ، والثانية : غربيّ النيل بين مصر والإسكندرية ، والثالثة : من ضواحي الإسكندرية ، والرابعة : قرب المحلّة. (انظر : الروضتين ج ١ ق ٢ / ٤٥٠ حاشية ٣).

(٣) في الأصل : «تشنقه» ، والتحرير من : الروضتين ج ١ ق ٢ / ٤٥١.

(٤) يقال لها : الخرقانية. وفي سنا البرق الشامي ١ / ٨٣ : «وكان له قصر يقال له الخرقانية».

(٥) هكذا في الأصل. وفي الروضتين ج ١ ق ٢ / ٤٥١ : «غار» ، ومثله في سنا البرق ١ / ٨٣.

(٦) في سنا البرق ١ / ٨٣ : «من كل أخضر ينظر من عينيه الموت الأحمر».

(٧) انظر : مجمع الأمثال للميداني ٢ / ١٥٦.

٢٠