تاريخ الإسلام ووفيات المشاهير والأعلام - ج ٤٨

شمس الدين محمّد بن أحمد بن عثمان الذّهبي

١
٢

٣

٤

بسم الله الرحمن الرحيم

ربنا أفرغ علينا صبراً

فصل

فقد انقرض في هذه الطبقة السادسة والستين خلق من العلماء والأعيان ورواة الآثار ، منهم طائفة بالأندلس والمغرب لم تبلغنا أخبارهم ، وطائفة بالمشرق وخراسان ، وخلف ببغداد ذهبوا تحت السيف في سنة ست وخمسين ، كالخيفة وأمرائه وحشمه ، وطائفة من شيوخ الدمياطي وابن السقلاني منهم أربعة أو أكثير من أصحاب أبي الفتح ابن شاتيل وأبي السعادات القزاز ، وعدة شرطنا تحت السيف كتبنا أكثرهم ، رحم الله الجميع بكرمه.

وهذه نبذه مما جرى في هذه الطبقة من الحوادث.

٥

حوادث سنة إحدى وخمسين وستمائة

[سلطان مصر]

استهلّت وسلطان مصر الملك الأشرف بن صلاح الدين ابن أقسيس وأتابكه الملك المعزّ أيبك (١).

[سلطان الشام]

وسلطان الشّام إلّا اليسير النّاصر يوسف.

[رجوع الأسرى من وقعة الصالحية]

وفيها رجع الباذرائيّ ونظام الدين ابن المولى من القاهرة بخلاص الّذين أسرتهم البحريّة في وقعة الصّالحيّة بآخر الرمل في سنة ثمان وأربعين. وهم الملك المعظّم توران شاه بن السّلطان صلاح الدّين ، وأخوه النّصرة ، والملك الأشرف ابن صاحب حمص ، وأولاد الملك الصّالح إسماعيل ، وشهاب الدّين القيمريّ (٢).

[قدوم ابنة السلطان علاء الدين على زوجها السلطان الناصر]

وفي آخرها ، وقيل في الآتية ، قدمت ابنة السّلطان علاء الدّين من الروم على زوجها السّلطان الملك النّاصر ، وفي خدمتها سوباشيّ (٣) معه خمسمائة

__________________

(١) العبر ٥ / ٢٠٧

(٢) مرآة الزمان ق ٢ ج ٨ / ٧٨٩ ، المختار من تاريخ ابن الجزري ٢٣٢ ، البداية والنهاية ١٣ / ١٨٤.

(٣) سوباشي صوباشي ، لفظ فارسي مركّب من : صو ، ومعناه : الجند ، وباشي ، معناه رئيس.

٦

فارس ، وجهازها وثقلها على ألف جمل ، ومحفّتها بأطلس مكلّلة بالجوهر والذّهب ، فبسطت البسط بين يدي دابّتها ، وكان يوما مشهودا ، وعمل لها عرس لم يسمع بمثله من الأعمال بدمشق. وهي بنت ابنة السّلطان العادل (١).

[الصلح بين المصريين والسلطان]

وفيها تقرّر الصّلح بين المصريّين والسّلطان الناصر على أن تكون للمصريّين غزّة ، والقدس ، وحلفوا على ذلك (٢).

[قطع خبز الأمير حسام الدين بمصر]

وقطع بمصر خبز الأمير حسام الدّين بن أبي عليّ ، فاستأذن في المضيّ إلى الشّام ، فأذن له ، فقدم على النّاصر فاحترمه وأعطاه خبزا جليلا (٣).

[تعاظم الفارس أقطاي بمصر]

وعظم الفارس أقطاي الجمدار (٤) بمصر ، وكان يركب بشاويش وعظمة ، والتفّت عليه البحريّة والجمداريّة. وكانوا في نيّة سلطنته. ونزل ركن الدّين بيبرس البندقداريّ ببعض دار الوزارة ، وصار من كبار أمراء الدّولة ، وكذلك سيف الدّين بلبان الرّشيديّ ، وشمس الدّين سنقر الرّوميّ ، وشمس الدّين سنقر الأشقر ، وعزّ الدّين الأخرم ، وهم من حزب الفارس. والملك خائف من ثورتهم ، وكانت النّاصريّة والعزيزيّة من حزبه ، فأخذوا في الحيلة على إهلاك الفارس (٥).

وكانت الوقعة الجمعة ، وخرج من دمشق ركب عظيم وسبيل كثير.

__________________

(١) مرآة الزمان ق ٢ / ج ٨ / ٧٩١ (حوادث سنة ٦٥٢ ه‍) ، أخبار الأيوبيين لابن العميد ١٦٤ ، ١٦٥ ، نهاية الأرب ٢٩ / ٣٧٩ ، السلوك ج ١ ق ٢ / ٣٨٨ ، عقد الجمان (١) ٧٩ ، ٨٠.

(٢) نهاية الأرب ٢٩ / ٤٢٦ ، المختصر في أخبار البشر ٣ / ١٨٦ ، الدّرة الزكية لابن أيبك ٢٢ ، ٢٣ ، تاريخ ابن الوردي ٢ / ١٨٩ ، تاريخ ابن سباط (بتحقيقنا) ١ / ٣٦٤ ، السلوك ج ١ ق ٢ / ٣٨٥ ، ٣٨٦ ، عقد الجمان (١) ٨٠.

(٣) المختصر في أخبار البشر ٣ / ١٨٦ ، الدرّة الزكية ٢٣ ، تاريخ ابن الوردي ٢ / ١٨٩ وفيه «خبر» بدل «خبز» وهو تحريف ، المختار من تاريخ ابن الجزري ٢٣٢ ، السلوك ج ١ ق ٢ / ٣٨٦.

(٤) الجمدار : كلمة فارسية مركّبة من لفظين : جاما : وهي الثياب ، ودار : معناها صاحب. فيكون هو صاحب الثياب. أي المشرف على خزائن الملابس السلطانية وما يتعلّق بها.

(٥) الروض الزاهر ٥٣ ، التحفة الملوكية ٣٤ ، السلوك ج ١ ق ٢ / ٣٨٦ و ٣٨٨ ، عقد الجمان (١) ٨٠ ، النجوم الزاهرة ٧ / ٣٠.

٧

[الغلاء بمكة]

ولكن كان الغلاء بمكّة شديدا ، أبيع شربة الماء بدرهم ، والشّاة بأربعين درهما (١). ومضوا وردّوا على تيماء.

[مسير هولاكو إلى ما وراء النهر]

وفيها جهّز طاغية «المغل إلى بلاد ما وراء النهر أخاه هولاكو ، فسار من قراقرم في جيش كثيف ، فبادر أرغوان إلى خدمته فأقرّه على خراسان (٢).

[منازلة عسكر الناصر عكا]

وفيها سار طائفة من عسكر الملك النّاصر فنزلوا على عكّا ، ثمّ ملكوا كردانة وأحرقوا الطّواحين.

[أخذ صيدا بالسيف]

وساقوا إلى صيدا فأخذوها بالسّيف فهرب أهلها إلى قلعتها (٣).

[تخريب قلعة الجيزة]

وفيها خرّبوا قلعة الجيزة.

[منع الوعّاظ من الوعظ بالقاهرة]

وفيها منعوا الوعّاظ بالقاهرة من الوعظ لكون العماد الواعظ قال على المنبر : خلق الله آدم بيده. وأشار إلى يده ، فعزّروه وعزموا على عقد مجلس فلم يتّفق.

[نزوح خلق من بغداد إلى الشام]

وفيها نزح خلق من الجند من بغداد إلى الشّام لقطع أرزاقهم.

__________________

(١) النجوم الزاهرة ٧ / ٣٠.

(٢) الحوادث الجامعة ١٣١.

(٣) القدّيس لويس ، حياته ، حملاته على مصر والشّام (مذكّرات جوانقيل ـ سيمون دي جوانقيل) ترجمة د. حسن حبشي ـ القاهرة ١٩٦٨ ـ ص ٢٤٣ ، العدوان الصليبي على بلاد الشّام ـ د. جوزيف نسيم يوسف ـ الإسكندرية ١٩٧١ ـ ص ٢٠٦ ، صيدا ودورها في الصراع الصليبي الإسلامي ـ د. أسامة زكي زيد ـ طبعة الهيئة المصرية العامة للكتاب ـ فرع الإسكندرية ١٩٨٠ ـ ص ٢٣١ ، ٢٣٢. ، لبنان من السقوط بيد الصليبيين حتى التحرير ـ تأليفنا ـ ص ٢٦٣.

٨

سنة اثنتين وخمسين وستمائة

[إقطاع آيدغدي]

فيها أقطع الملك المعزّ لأيدغدي العزيزيّ دمياط فوق خبزه (١).

[ظهور نار في أرض عدن]

وفيها جاءت الأخبار أنّ نارا ظهرت في أرض عدن بجبالها ، وكان يطير شررها في اللّيل إلى البحر ويصعد منها دخان عظيم في النّهار. وخاف أهل اليمن وتاب بعضهم (٢).

[ظهور الخارجي المستنصر بالله بالمغرب]

وفيها ظهر بالمغرب خارجيّ وتسمّى المستنصر بالله ، وأظهر العدل ، واستولى على إفريقية ، وبنى (٣) برجا وكان يجلس فيه ، ويجلس تحته القاضي ،

__________________

(١) مرآة الزمان ق ٢ ج ٨ / ٧٩٠ وفيه زيادة ، «ونقل ثلاثين ألف دينار» ، نهاية الأرب ٢٩ / ٤٣٢ ، الدرّة الزكية ٢٤ ، المختار من تاريخ ابن الجزري ٢٣٤ ، عيون التواريخ ٢٠ / ٧٤.

(٢) مرآة الزمان ق ٢ ج ٨ / ٧٩٠ ، ٧٩١ ، نهاية الأرب ٢٩ / ٤٣٣ ، الدرّة الزكية ٢٣ (حوادث سنة ٦٥١ ه‍). وهو ينقل عن ابن واصل الّذي يذكر الخبر أيضا في سنة ٦٥١ ه‍. تاريخ ابن الوردي ٢ / ١٩٠ ، المختار من تاريخ ابن الجزري ٢٣٤ ، عيون التواريخ ٢٠ / ٧٤ ، البداية والنهاية ١٣ / ١٨٥ ، مرآة الزمان ج ٨ ق ٢ / ٧٩٠ ، ٧٩١ ، عقد الجمان (١) ٩٢ ، درّة الأسلاك (مخطوط) ورقة ٩ ، النجوم الزاهرة ٧ / ٣٢ ، تاريخ ابن سباط ١ / ٣٦٤ (حوادث سنة ٦٥١ ه‍) ، أخبار الدول ٢ / ١٩٩ ، السلوك ج ١ ق ٢ / ٣٩٤ ، تاريخ الخلفاء ٤٦٥ ، شذرات الذهب ٥ / ٢٥٥.

(٣) في الأصل : «بنا».

٩

والوزير ، والمحتسب ، والوالي ، يقضون أمور النّاس بحيث يراهم ويسمعهم (١).

[عرس ابنة الملك علاء الدين]

وفيها رجع الشّريف المرتضى الحلبيّ من الرّوم ، وأحضر معه ابنة ملك الرّوم علاء الدّين كيقباذ ، وأمّها ابنة السّلطان الملك العادل ، وقد تزوّجها الملك النّاصر ، فعمل عرسه عليها بدمشق ، وعملت القباب ، ولعب الجيش ، واحتفلوا للعرس احتفالا عظيما (٢).

[قتل أقطاي وركوب المعزّ دست السلطنة]

وفيها توجّه الفارس أقطاي إلى الصّعيد ثانيا فقتل ونهب وعسف (٣) ، ولما رجع قتل بقلعة الجبل ، وهرب حزبه من البحريّة (٤) ، ومن قعد منهم قبض عليه المعزّ وأودعهم السّجن. وركبت العزيزيّة ونهبوا دور البحريّة. وأبطل المعزّ يومئذ اسم الملك الأشرف ، وأنزله إلى عمّاته القطبيّات. وركب الملك المعزّ في دست السّلطنة (٥).

__________________

(١) مرآة الزمان ق ٢ ج ٨ / ٧٩١ ، المختار من تاريخ ابن الجزري ٢٣٤ ، عقد الجمان (١) ٩٩ ، ١٠٠ ، تاريخ الدولتين الموحّدية والحفصية ٤٦ ، الحلل السندسية ج ١ ق ٤ / ١٠٣٦ ، النجوم الزاهرة ٧ / ٣٢.

(٢) تقدّم هذا الخبر في السنة الماضية ، وهو في : مرآة الزمان ق ٢ ج ٨ / ٧٩١ ، وأخبار الأيوبيين ١٦٤ ، ١٦٥ ، المختصر في أخبار البشر ٣ / ١٩٠ ، المختار من تاريخ ابن الجزري ٢٣٥ ، البداية والنهاية ١٣ / ١٨٥ ، التحفة الملوكية ٣٦ ، عقد الجمان (١) ٩٢.

(٣) مرآة الزمان ق ٢ ج ٨ / ٧٩١.

(٤) مرآة الزمان ق ٢ ج ٨ / ٧٩٢ و ٧٩٣ ، نزهة المالك والمملوك ، للعباسي (مخطوطة المتحف البريطاني) (٢٣٦٦٢) ورقة ١٠٢ ، تاريخ الدولة التركية ، ورقة ٢ ب ـ ٣ ب ، أخبار الأيوبيين لابن العميد ١٦٤ (حوادث سنة ٦٥١ ه‍) ، نهاية الأرب ٢٩ / ٤٣٠ ، المختصر في أخبار البشر ٣ / ١٩٠ ، الدرّة الزكية ٢٥ ، تاريخ ابن الوردي ٢ / ١٩٢ ، العبر ٥ / ٢١٠ و ٢١١ ، دول الإسلام ٢ / ١٥٧ ، مرآة الجنان ٤ / ١٢٨ ، عيون التواريخ ٢٠ / ٧٥ ، الروض الزاهر ٥٣ ، تاريخ ابن سباط ١ / ٣٦٥ ، جامع التواريخ ٢٣٣ ، ذيل مرآة الزمان ١ / ٥٩ ، التحفة الملوكية ٣٥ ، الجوهر الثمين ٢ / ٥٤ ، السلوك ج ١ ق ٢ / ٣٩٠ ، العسجد المسبوك ٢ / ٦٠٥ ، عقد الجمان (١) ٨٥ ، ٨٦.

(٥) الحوادث الجامعة ١٣٣ ، ١٣٤ وفيه «القراطاي» بدل «أقطاي» ، المختصر في أخبار البشر ٣ / ١٩٠ ، الدرّة الزكية ٢٥ ، ٢٦ ، المختار من تاريخ ابن الجزري ٢٣٥ ، ذيل مرآة الزمان ١ / ٥٨ ،

١٠

[قدوم البحرية على صاحب الشام]

وقدم البحريّة على صاحب الشّام ورأسهم سيف الدّين بلبان الرّشيديّ ، وركن الدّين بيبرس البندقداريّ ، فبالغ في إكرامهم بالعطاء والخلع ، فلزّوه في التّوجّه إلى مصر لكونها مخبّطة (١). فقدّم على الجيش الملك المعظّم عمّ أبيه ، فدهمهم الشّتاء وهم بالغور ، وزادت الشّريعة ، ووقع في حوافر خيلهم مرض. وبقوا في الغور مدّة ، ثمّ نزلوا غزّة ، فبذل الملك المعزّ الأموال ، ونزل العبّاسية (٢) ، وخاف من العزيزيّة الّذين قفزوا إلى مصر سنة ثمان وأربعين ، لأنّه بلغه أنّ الملك النّاصر كاتبهم ، فقبض على كبارهم ، ونهب خيمهم. فبلغ ذلك الملك النّاصر ففتر وضعفت همّته (٣).

[طغيان أقطاي]

وكان الفارس أقطاي قد طغى وتجبّر بحيث إنه إذا ركب إلى القلعة يدوس موكبه النّاس ويضربونهم ، ولا يلتفت إلى المعزّ ولا إلى غيره ، والخزائن بحكمه. ثمّ أراد أن يسكن القلعة وأن تخلى له دار السّلطنة ، وطاش وأسرف ، فقتله المعزّ ، وهربت مماليكه (٤).

__________________

= ٥٩ ، بدائع الزهور ج ١ ق ١ / ٢٩١ ، ٢٩٢.

(١) نهاية الأرب ٢٩ / ٤٣٤ ، العبر ٥ / ٢١٠.

(٢) في المختصر لأبي الفداء ٣ / ١٩٠ «العباسية».

(٣) أخبار الأيوبيين لابن العميد ١٦٤ ، العبر ٥ / ٢١٠ ، المختار من تاريخ ابن الجزري ٢٣٥ ، ٢٣٦ ، دول الإسلام ٢ / ١٥٧ ، عيون التواريخ ٢٠ / ٧٥ ، ٧٦ ، التحفة الملوكية ٣٥ ، ٣٦ ، الجوهر الثمين ٢ / ٥٤ ، ٥٥ ، السلوك ج ١ / ق ٢ / ٣٩٢ ، عقد الجمان (١) ٨٨.

(٤) مرآة الزمان ق ٢ ج ٨ / ٧٩٢ ، ٧٩٣ ، تاريخ الدولة التركية ، ورقة ٢ أ ، الحوادث الجامعة ١٣٣ ، نهاية الأرب ٢٩ / ٤٢٩ ـ ٤٣٢ ، الدرّة الزكية ٢٥ ، ٢٦ ، دول الإسلام ٢ / ١٥٧ ، عيون التواريخ ٢٠ / ٧٦ ، ٧٧ ، الروض الزاهر ٥٣ ، ذيل الروضتين ١٨٨ ، أخبار الأيوبيين ١٦٤ ، المختصر في أخبار البشر ٣ / ١٩٠ ، العبر ٥ / ٢١١ ، تاريخ ابن الوردي ٢ / ١٩٢ ، البداية والنهاية ١٣ / ١٨٥ ، مرآة الجنان ٤ / ١٢٨ ، الوافي ٩ / ٣١٧ ، ٣١٨ العسجد المسبوك ٢ / ٦٠٥ ، السلوك ج ١ ق ٢ / ٣٨٩ ، ٣٩٠ ، عقد الجمان (١) ٨٥ ـ ٨٧ ، النجوم الزاهرة ٧ / ١١ ، ١٢ ، المنهل الصافي ٢ / ٥٠٢ ، مآثر الإنافة ٢ / ٩٢ ، شذرات الذهب ٥ / ٢٥٥ ، تاريخ ابن سباط ١ / ٣٦٥ ، بدائع الزهور ج ١ ق ١ / ٢٩١ ، الجوهر الثمين ٢ / ٥٤.

١١

[رواية أيبك الفارسيّ في «تاريخ ابن الجزري»]

قال شمس الدّين الجزريّ في «تاريخه» (١) : فحدّثني عزّ الدّين أيبك الفارسيّ (٢) في سنة تسع وسبعين قال : طلع أستاذنا إلى القلعة في شعبان على عادته ، فرتّب له المعزّ عشرة منهم مملوكه قطز ، الّذي تسلطن ، فقتلوه ، فركبت البحريّة وغلمان الفارس فبلغوا سبعمائة وأتوا القلعة ، فرمى برأس الفارس إليهم ، فهرب طائفة إلى الكرك إلى الملك المغيث ، وطائفة إلى الشّام ، وطائفة طلبوا الأمان. وكنا أنا وخشداشتي (٣) في اثني عشر مملوكا قد أخذنا كلّ واحد فرسا وجنبيا (٤) وهجينا ، وطلعنا من القاهرة في اللّيل ، وقصدنا البرّيّة ، فوقعنا في تيه بني إسرائيل ، فبقينا خمسة أيّام في البريّة ، ونحرنا بعض الهجن فأكلناه ، ثمّ سرنا يوما وليلة ، فلاح لنا في اليوم السّابع عمارة فقصدناها ، فلقينا صورة مدينة بأسوار وأبواب جميعها زجاج أخضر ، فدخلناها فوجدنا الرمل ينبع في أماكن منها ، وبعضه قد وصل إلى السّقوف ، وأكثر الأسواق ما فيها رجل (٥) بل الدّكاكين على حالها ، وفيها قماش ، فكنّا نمسّه فيصير هباء ، وكذلك أخشاب السّقوف حتّى النّجاس قد تفتّت. ووجدنا صينيّة نحاس فيها ميزان ، فحين رفعناها تفتّتت ، ووجدنا فيها تسعة دنانير عليها صورة غزال وعليها حروف عبراني (٦). فبقينا يومئذ ندور في تلك المدينة (٧) إلى أن وجدنا أثر رشح ، فحفرنا نحو ذراعين ، فظهرت بلاطة (٨) فقلعناها ، فإذا صهريج ماء ، فشربنا وسقينا الدّوابّ ، ونحرنا فرسا وهجينا ، وشوينا اللّحم على السّيخ ، ثمّ تزوّدنا من الماء ونحن لا ندري إلى أين نتوجّه ، فسرنا يوما وليلة ، فوقعنا على قبيلة

__________________

(١) المختار من تاريخ ابن الجزري ، ص ٢٣٦ ، ٢٣٧.

(٢) في المختار : «أيبك مملوك الفارس أقطاي».

(٣) خشداش : مملوك مع آخر من المماليك في خدمة سيّد كبير ويرتبط أحدهما بالآخر برباط الإخاء والصداقة والفداء. (تكملة المعاجم العربية ٤ / ٢٦).

(٤) وقع في المطبوع من المختار ٢٣٦ «جنبيا».

(٥) في الأصل : «ما بينها رمال» ، والمثبت من المختار ٢٣٦ ، ٢٣٧.

(٦) في الدّرّة الزكية لابن أيبك ٢٧ «أسطر عبرانية».

(٧) في الدرّة الزكية : «وبقينا في تلك المدينة ونحن ما لنا هم إلّا التدوير على الماء».

(٨) في الدّرّة الزكية : «بلاطة خضراء».

١٢

عرب من بني مهديّ (١) ، فوصّلونا (٢) إلى الكرك ، فأكرمنا المغيث ثمّ قصدنا يهوديّا لنصرف الدّنانير وحكينا له ، فصاح وغشي عليه ، ثمّ قال : هذا ضرب في زمان موسى عليه‌السلام ، وهذه المدينة بنيت لمّا كان موسى في التّيه بالزّجاج الأخضر عوض الحجارة ، وقد حصل لها طوفان رمليّ ، فتارة ينقص الرمل فتظهر جدرانها ، وتارة يغطّيها الرمل.

فبعناه الدّنانير بمائة درهم (٣) ، وأضافنا وأعلم يهود الكرك بنا ، فكانوا يأتوننا ويسألوننا ويقولون : هذه المدينة الخضراء التي بناها موسى عليه‌السلام (٤).

[رواية ابن الجزري عن المدينة الخضراء]

قال الجزري (٥) : ثم حججت أنا فاكتريت من معان مع شخص من بنى مهديّ إلى القدس فسألته ، فقال : نحن بهذا التّيه (٦) ، وأنا ما رأيت شيئا ، ولكن أخبرنى أبي أنّه تصيّد في التّيه فوقع بمدينة خضراء ورأى حيطانها زجاجا أخضر (٧).

قال : فلمّا رجعت أعلمت قومي ، فأخذوا جمالا وأوسقوها زادا وماء ، ثم قصدنا تلك الأرض فلم نرها وغيّبت عنّا. وبعد كلّ مدّة يراها واحد مصادفة. ويقصدها عرب تلك النّاحية باليهود ليزوروها ، فقلّ من يراها.

[محاربة صاحب الموصل العدويّة]

وفيها حارب صاحب الموصل العدويّة ، وقتل خلقا ، وأسر عدّة ، وصلب منهم مائة نفس ، وذبح مائة ، وقتل كبيرهم وعلّق. وبعث من نبش الشّيخ عديّا

__________________

(١) في الدّرّة الزكية : «من بني مهدي عرب الكرك».

(٢) في المختار ٢٣٧ «فأوصلونا».

(٣) في الدرّة الزكية ص ٢٨ «كل دينار بمائة درهم نقرة».

(٤) بدائع الزهور ج ١ ق ١ / ٢٩٢.

(٥) في المختار من تاريخه ٢٣٧.

(٦) في المختار ٢٣٧ «نحن نجد التّيه».

(٧) في المختار زيادة : «والرمل في تلك الأرض يعلو تارة وينقص تارة مثل زيادة الماء. إن الله تعالى خلّصني منها».

١٣

وأحرق عظامه. أنبأني بذلك الظّهير ابن الكازرونيّ في «مجموع» (١).

[وثوب غانم بن راجح على أبيه بمكة]

ووثب غانم بن راجح بن قتادة الحسنيّ في مكّة بأبيه فقيّده وزعم أنّه جنّ ، فسأله أن يخلّي سبيله ، فأعطاه جملا فركبه وهرب ، وتمكّن غانم بمكّة (٢).

__________________

(١) والخبر موجود في : الحوادث الجامعة ١٣٣ ، والعسجد المسبوك ٢ / ٦٠١.

(٢) الحوادث الجامعة ١٣٤ ، السلوك ج ١ ق ٢ / ٣٩٦ ، العسجد المسبوك ج ٢ / ٦٠١.

١٤

سنة ثلاث وخمسين وستمائة

[نزول عسكر الناصر والمعزّ كلّ في ناحية]

دخلت وعسكر الملك النّاصر نازل على العوجا ، والملك المعزّ نازل على العبّاسة (١) ، وطال مقام الفريقين (٢).

[إقطاع الناصر البحرية]

وكان النّاصر قد أقطع البحريّة أخبازا جليلة (٣).

[حرب العزيزية والمعزّ والصلح بين الملكين]

قال ابن واصل (٤) : وفي رمضان عزمت العزيزية على القبض على المعزّ ، وكاتبوا النّاصر ، ولم يوافقهم جمال الدين آيدغدي. واستشعر الملك المعزّ منهم وعرف الخبر ، وعلموا هم فهربوا على حميّة ، وكبيرهم شمس الدين أقوش البريّ (٥). ولم يهرب آيدغديّ وأقام بمخيّمه ، فجاء المعزّ راكبا إلى قرب مخيّمه فخرج إليه آيدغدي ، فأمر المعزّ فحمل على دابّة ، وقبض أيضا على الأمير الأتابكيّ فحبسا ، ونهبت خيام العزيزيّة كلّهم يومئذ بالعبّاسة. ثمّ اصطلح الملكان على أنّ من الورّادة ورائح للمعزّ (٦).

__________________

(١) في المختصر في أخبار البشر ٣ / ١٩٠ «العباسية» ، والمثبت يتفق مع : الدرّة الزكية ٢٩.

(٢) الدرّة الزكية ٢٩ ، المختار من تاريخ ابن الجزري ٢٣٨ ، عيون التواريخ ، ٢٠ / ٨١ ، ٨٢.

(٣) المختار من تاريخ ابن الجزري ٢٣٨ ، عيون التواريخ ٢٠ / ٨١.

(٤) في الجزء السادس من (مفرّج الكروب) ولم يصلنا.

(٥) في السلوك ج ١ ق ٢ / ٣٩٧ «أقش الركني» ، وفي النجوم ٧ / ٣٤ «البرنلي».

(٦) المختصر في أخبار البشر ٣ / ١٩٠ ، ١٩١ ، تاريخ ابن الوردي ٢ / ١٩٢ ، الروض الزاهر

١٥

[ذكر أسماء أعيان البحرية]

سيف الدين الرّشيديّ ، عزّ الدين أزدمر السّيفيّ ، ركن الدين البندقداريّ ، شمس الدين سنقر الأشقر ، سيف الدين قلاوون الألفيّ ، بدر الدين بيسريّ ، شمس الدين سنقر الرّوميّ ، سيف الدين بلبان المستعربيّ (١).

[السّيل بدمشق]

وفيها جاء سيل بدمشق عرم أخرب عدّة دور بظاهر البلد وبلغ ارتفاعه ستّة أذرع وزيادة.

[ولادة مولود للسلطان الناصر]

وفيها ولد الملك علاء الدين للسّلطان الملك الناصر من ابنة صاحب الرّوم ، واحتفلوا لذلك إلى الغاية.

[الفتنة بمنى]

وفيها جرت فتنة بمنى ونهب الوفد ، فقتل جماعة وجرح خلق. فأرسل أمير مكّة إدريس وأبو نميّ إلى أمير المؤمنين يعتذران (٢).

__________________

= ٥٥ ، ٦٥ ، تاريخ ابن سباط ١ / ٣٦٦ ، التحفة الملوكية ٣٨ ، عقد الجمان (١) ١٠٧ ، النجوم الزاهرة ٧ / ٣٤.

(١) نهاية الأرب ٢٩ / ٤٣٣ ، ٤٣٤ ، الدرّة الزكية ٢٨ ، المختار من تاريخ ابن الجزري ٢٣٨ ، عيون التواريخ ٢٠ / ٨٢ ، الجوهر الثمين ٢ / ٥٤ وفيه اختلاف يسير ، السلوك ج ١ ق ٢ / ٣٩٦ وفيه «بلبان المسعودي» ، النجوم الزاهرة ٧ / ٣٤ وفيه «بلبان المستنصري».

(٢) عقد الجمان (١) ١٠٩

١٦

سنة أربع وخمسين وستمائة

[الحكام في البلاد]

خليفة الوقت المستعصم بالله.

وصاحب الشّام الملك النّاصر.

وصاحب مصر المعزّ.

وصاحب الكرك والشّوبك المغيث بن عمر بن العادل أبي بكر بن الملك الكامل.

وصاحب الموصل الملك الرّحيم لؤلؤ.

وصاحب ميّافارقين الكامل محمد بن غازي بن الملك العادل.

ونائب إربل تاج الدين ابن صلايا العلويّ.

ونائب حصون الإسماعيليّة الثّمانية رضيّ الدين أبو المعالي.

وصاحب صهيون وبرزبه مظفّر الدين عثمان بن منكورس.

وصاحب حماه الملك المنصور.

وصاحب تلّ باشر والرّحبة وتدمر وزنوبيا الأشرف موسى بن الملك المجاهد إبراهيم ابن صاحب حمص.

وصاحب مكّة ابن قتادة الحسينيّ.

وصاحب ماردين الملك السّعيد إيل غازي الأرتقيّ.

وصاحب اليمن الملك المظفّر يوسف بن عمر.

١٧

وصاحب الرّوم ركن الدين وأخوه عزّ الدين.

وصاحب خراسان وما وراء النّهر والخطا القاآن ملك التّتار (١).

[ظهور النّار بالمدينة (٢)]

قال أبو شامة : جاء إلى دمشق كتب من المدينة بخروج نار عندهم في خامس جمادى الآخرة ، وكتبت الكتب في خامس رجب ، والنّار بحالها بعد. ووصلت إلينا الكتب في شعبان. فأخبرني من أثق به ممّن شاهدها بالمدينة أنّه بلغه أنّه كتب بتيماء على ضوئها الكتب.

قال : وكنّا في بيوتنا بالمدينة تلك اللّيالي ، وكأنّ في دار كلّ واحد سراجا. ولم يكن لها حرّ ولا لفح على عظمها ، إنّما كانت آية.

قال أبو شامة : وهذه صورة ما وقفت عليه من الكتب : لمّا كانت ليلة الأربعاء ثالث جمادى الآخرة ظهر بالمدينة دويّ عظيم ثمّ زلزلة عظيمة فكانت ساعة بعد ساعة إلى خامس الشّهر ، فظهرت نار عظيمة في الحرّة قريبا من قريظة تنوّر لها من دورنا من داخل المدينة كأنّها عندنا.

وسالت أودية منها إلى وادي شطا مسيل الماء ، وقد سدّت مسيل شطا وما عاد يسيل. والله لقد طلعنا جماعة نبصرها فإذا الجبال تسيل نيرانه ، وقد سدّت الحرّة طريق الحاجّ العراقيّ ، فسارت إلى أن وصلت إلى الحرّة ، فوقفت ورجعت تسير في الشّرق يخرج من وسطها مهود وجبال نار تأكل الحجارة ،

__________________

(١) قارن بعيون التواريخ ٢٠ / ٨٦ ، وذيل مرآة الزمان ١ / ٣ ، ٤.

(٢) انظر خبر النار في المدينة ، في :

المختصر في أخبار البشر ٣ / ١٩٣ ، وتاريخ ابن الوردي ٢ / ١٩٤ ، والعبر ٥ / ٢١٥ ، ٢١٦ ، والمختار من تاريخ ابن الجزري ٢٤٠ ، وذيل الروضتين ١٩٠ ـ ١٩٢ ، وذيل مرآة الزمان ١ / ٤ ـ ١٠ ، ودول الإسلام ٢ / ١٥٨ ، وعيون التواريخ ، ٢ / ٨٧ ـ ٩٢ ، والبداية والنهاية ١٣ / ١٨٧ ـ ١٩٣ ، ومرآة الجنان ٤ / ١٣١ ـ ١٣٤ ، وتاريخ الخميس ٢ / ٤١٥ ـ ٤١٨ ، وتاريخ ابن سباط (باختصار شديد) ١ / ٣٧٣ (حوادث سنة ٦٥٥ ه‍). وأخبار الدول ٢ / ١٩٩ ، ٢٠٠ ، وتاريخ الخلفاء ٤٦٥ ، ٤٦٦ ، وسير أعلام النبلاء ٢٣ / ١٨٠ ، والسلوك ج ١ ق ٢ / ٣٩٨ ، ٣٩٩ ، والعسجد المسبوك ٢ / ٦٢٠ ، والطبقات الشافعية الكبرى ٥ / ١١٢ ، والنجوم الزاهرة ٧ / ١٦ ـ ١٩ ، وعقد الجمان (١) ٩٢ (حوادث سنة ٦٥٢ ه‍) ، و ١٢٢ ـ ١٢٧ ، وشذرات الذهب ٥ / ٢٦٣ ، وتحقيق النصرة للمراغي ٦٩ ، ٧٠ ، وبدائع الزهور ج ١ ق ١ / ٢٩٨ ، ٢٩٩.

١٨

فيما أنموذج لما أخبر الله تعالى : (إِنَّها تَرْمِي بِشَرَرٍ كَالْقَصْرِ كَأَنَّهُ جِمالَتٌ (١) صُفْرٌ) (٢). وقد أكلت الأرض. ولها الآن شهر وهي في زيادة ، وقد عادت إلى الحرار في قريظة طريق الحاجّ إلى بحيرة العراقيّ كلّها نيران تشتعل نبصرها في اللّيل من المدينة كأنّها مشاعل ، وأمّا أمّ النّيران الكبيرة فهي جبال نيران حمر ، وما أقدر أصف هذه النّار.

ومن كتاب آخر : ظهر في شرقيّ المدينة نار عظيمة بينها وبين المدينة نصف يوم انفجرت من الأرض ، وسال منها واد من نار حتّى حاذت جبل أحد ، ثمّ وقفت. ولا ندري ما ذا نفعل. ووقت ظهورها دخل أهل المدينة إلى نبيّهم صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم مستغفرين تائبين إلى ربّهم.

ومن كتاب آخر : في أوّل جمادى الآخرة ظهر بالمدينة صوت كالرّعد البعيد ، فبقي يومين ، وفي ثالث الشّهر تعقّبه زلزال فتقيم ثلاثة أيّام ، وقع في اليوم واللّيلة أربع عشرة زلزلة. فلمّا كان يوم خامسه انبجست الأرض من الحرّة بنار عظيمة يكون قدرها مثل مسجد رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم ، وهي برأي العين من المدينة تشاهد ، وهي ترمي بشرر كالقصر. وهي بموضع يقال له أخلين أو أخلبين.

وقد سال من هذه النّار واد يكون مقداره أربعة فراسخ ، وعرضه أربعة أميال ، وعمقه قامة ونصف ، وهو يجري على وجه الأرض وتخرج منه مهاد وجبال صغار ، ويسير على وجه الأرض ، وهو صخر يذوب حتّى يبقى مثل الأتل ، فإذا اخمد صار أسود ، وقبل الخمود لونه أحمر.

وقد حصل إقلاع عن المعاصي وتقرّب بالطّاعات. وخرج أمير المدينة عن مظالم كثيرة (٣).

ومن كتاب قاضي المدينة سنان الحسينيّ (٤) يقول في التّاريخ : «لقد والله

__________________

(١) في الأصل : «جمالات» ، ومثله في : ذيل الروضتين ١٩٠.

(٢) سورة المرسلات ، الآيتين ٣٢ ٣٣.

(٣) الحوادث الجامعة ١٥٢.

(٤) هو شمس الدين سنان بن عبد الوهاب بن نميلة الحسيني ، كما في : نهاية الأرب ٢٩ / ٤٤٩ ، وعيون التواريخ ٢٠ / ٨٩ ، والبداية والنهاية ١٣ / ١٨٨ ، وذيل الروضتين ١٩١ وفيه «تميلة».

١٩

زلزلت مرة ونحن حول الحجرة النّبويّة (١) ، فاضطرب لها المنبر والقناديل. ثمّ طلع في رأس أخيلين (٢) نار عظيمة مثل المدينة المعظّمة ، وما بانت لنا إلّا ليلة السّبت وأشفقنا منها.

وطلعت إلى الأمير وكلّمته وقلت : قد أحاط بنا العذاب ، ارجع إلى الله. فأعتق كلّ مماليكه وردّ على جماعة أموالهم. فلمّا فعل ذلك قلت : اهبط معنا إلى النّبيّ صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم. فهبط وبتنا ليلة السّبت ، النّاس جميعهم والنّسوان وأولادهنّ ، وما بقي أحد لا في النّخل (٣) ولا في المدينة إلّا عند النّبي صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم ، وأشفقنا منها ، وظهر ضوءها إلى أن أبصرت من مكّة ، ومن الفلاة جميعها. ثمّ سال منها نهر من نار ، وأخذ في وادي أخيلين (٤) وسدّ الطّريق ، ثمّ طلع إلى بحرة الحاجّ ، وهو بحر نار (٥) يجري وفوقه حرّة (٦) تسير إلى أن قطعت وادي الشّظاه (٧) ، وما عاد يجيء في الوادي سيل قطّ لأنّها حرّة ، تجيء قامتين وثلاث علوّها (٨). والله يا أخي إنّ عيشتنا اليوم مكدّرة (٩) ، والمدينة قد تاب أهلها ولا بقي يسمع فيها رباب ولا دف ولا شرب (١٠). وتمّت النّار تسير إلى أن سدّت بعض طريق الحاجّ ، وكان (١١) في الوادي إلينا منها قتير (١٢) ، وخفنا أن تجيئنا ، واجتمع النّاس وباتوا عند النّبي صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم (١٣) وقد طفئ قتيرها الّذي يلينا بقدرة الله عزّ

__________________

(١) في الأصل : «النبوة».

(٢) في نهاية الأرب ٢٩ / ٤٥٠ ، والنجوم الزاهرة ٦ / ١٨ «أحيلين» بالحاء المهملة ، وهو واد قريب من المدينة. وفي البداية والنهاية ١٣ / ١٨٨ «أجيلين».

(٣) في نهاية الأرب ٢٩ / ٤٥٠ «النخيل» ، ومثله في عيون التواريخ ٢٠ / ٨٩.

(٤) هكذا في الأصل بالخاء المعجمة ، وفي عيون التواريخ ٢٠ / ٨٩ «ااجلين» وهو تصحيف.

(٥) في نهاية الأرب ٢٩ / ٤٥٠ «نهر نار» ، وفي عيون التواريخ ٢٠ / ٨٩ «بحر ناري».

(٦) في نهاية الأرب ٢٩ / ٤٥٠ «جمرة».

(٧) الشظاة : بالظاء المعجمة ، واد يأتي من شرقي المدينة من أماكن بعيدة عنها ، حتى يصل إلى الحرّة.

(٨) إلى هنا يتفق النص مع نهاية الأرب ٢٩ / ٤٤٩ ـ ٤٥١.

(٩) في ذيل مرآة الزمان ١ / ٧ «مكروه» وفي عيون التواريخ ٢٠ / ٨٩ «متكدّرة».

(١٠) هذه العبارة ليست في نهاية الأرب.

(١١) في نهاية الأرب ٢٩ / ٤٥١ «وجاء».

(١٢) القتير : دخان فيه نار ، ورائحة الشيء المحترق.

(١٣) زاد اليونيني في ذيل مرآة الزمان ١ / ٧ : «ليلة الجمعة».

٢٠