الموسوعة القرآنيّة - ج ٨

ابراهيم الأبياري

الموسوعة القرآنيّة - ج ٨

المؤلف:

ابراهيم الأبياري


الموضوع : القرآن وعلومه
الناشر: مؤسسة سجل العرب
الطبعة: ٠
الصفحات: ٦٤٧

١
٢

الباب الثاني عشر

غريب القرآن الكريم

٣
٤

الألف

(أبا) : الأب : الوالد ، ويسمى كل من كان سببا فى إيجاد شىء أو إصلاحه أو ظهوره أبا ، ولذلك يسمى النبي صلى‌الله‌عليه‌وسلم أبا المؤمنين ، قال الله تعالى : (النَّبِيُّ أَوْلى بِالْمُؤْمِنِينَ مِنْ أَنْفُسِهِمْ وَأَزْواجُهُ أُمَّهاتُهُمْ) وفى بعض القراءات : وهو أب لهم ، وروى أنه صلى‌الله‌عليه‌وسلم قال لعلى «أنا وأنت أبوا هذه الأمة»

وإلى هذا أشار بقوله : «كل سبب ونسب منقطع يوم القيامة إلا سببى ونسبى». وقيل : أبو الأضياف لتفقده إياهم ، وأبو الحرب لمهيجها ، وأبو عذرتها لمفتضها. ويسمى العم مع الأب أبوين ، وكذلك الأم مع الأب ، وكذلك الجد مع الأب ، قال تعالى فى قصة يعقوب : (ما تَعْبُدُونَ مِنْ بَعْدِي قالُوا نَعْبُدُ إِلهَكَ وَإِلهَ آبائِكَ إِبْراهِيمَ وَإِسْماعِيلَ وَإِسْحاقَ إِلهاً واحِداً) وإسماعيل لم يكن من آبائهم وإنّما كان عمهم. وسمى معلم الإنسان أباه لما تقدم من ذكره ، وقد حمل قوله تعالى : (وَجَدْنا آباءَنا عَلى أُمَّةٍ) على ذلك أي علمانا الذين ربونا بالعلم بدلالة قوله تعالى : (رَبَّنا إِنَّا أَطَعْنا سادَتَنا وَكُبَراءَنا فَأَضَلُّونَا السَّبِيلَا). وقيل فى قوله : (أَنِ اشْكُرْ لِي وَلِوالِدَيْكَ) إنه عنى الأب الذي ولده ، والمعلم الذي علمه. وقوله تعالى : (ما كانَ مُحَمَّدٌ أَبا أَحَدٍ مِنْ رِجالِكُمْ) إنما هو نفى الولادة وتنبيه أن التبني لا يجرى مجرى النبوة الحقيقية. وجمع الأب : آباء وأبوة ، نحو بعولة وخئولة. وأصل أب فعل وقد أجرى مجرى قفا فى قول الشاعر :

إن أباها وأبا أباها

ويقال أبوت القوم كنت لهم أبا أبوهم ، وفلان يأبو بهمة أي يتفقدها تفقد الأب. وزادوا فى النداء فيه تاء فقالوا يا أبت. وقولهم : بأبأ الصبى فهو حكاية صوت الصبى إذا قال بابا.

(أبى) : الإباء : شدة الامتناع ، فكل إباء امتناع وليس كل امتناع إباء. قوله تعالى : (وَيَأْبَى اللهُ إِلَّا أَنْ يُتِمَّ نُورَهُ) وقال : (وَتَأْبى قُلُوبُهُمْ) وقوله : (أَبى وَاسْتَكْبَرَ) وقوله : (إِلَّا إِبْلِيسَ أَبى) وروى : «كلكم فى الجنة إلا من أبى]. ومنه رجل أبى ممتنع من تحمل الضيم ، وأبيت الضير تأبى ، وتيس أبى وعنز أبواء ، إذا أخذه ، من شرب ماء فيه بول الأروى ، داء يمنعه من شرب الماء.

٥

(أب) : قوله تعالى : (وَفاكِهَةً وَأَبًّا) الأب المرعى المتهيئ للرعى والجزء ، من قولهم أب لكذا ، أي تهيأ أبا وإبابة وإبابا. وأب إلى وطنه إذا نزع إلى وطنه نزوعا تهيأ لقصده ، وكذا أب لسيفه إذا تهيأ لسله. وإبان ذلك فعلان منه وهو الزمان المهيأ لفعله ومجيئه.

(أبد) : قال تعالى : (خالِدِينَ فِيها أَبَداً) الأبد عبارة عن مدة الزمان الممتد الذي لا يتجزأ كما يتجزأ الزمان ، وذلك أنه يقال : زمان كذا ، ولا يقال أبد كذا. وكان حقه أن لا يثنى ولا يجمع إذ لا يتصور حصول أبد آخر يضم إليه فيثنى به ، لكن قيل آباد ، وذلك على حسب تخصيصه فى بعض ما يتناوله كتخصيص اسم الجنس فى بعضه ثم يثنى ويجمع. على أنه ذكر بعض الناس أن آبادا مولد وليس من كلام العرب العرباء. وقيل : أبد أبد وأبيد ، أي دائم وذلك على التأكيد. وتأبد الشيء بقي أبدا ، ويعبر به عما يبقى مدة طويلة. والآبدة البقرة الوحشية ، والأوابد الوحشيات ، وتأبد البعير توحش فصار كالأوابد ، وتأبد وجه فلان توحش ، وأبد كذلك ، وقد فسر بغضب.

(أبق) : قال الله تعالى : (إِذْ أَبَقَ إِلَى الْفُلْكِ الْمَشْحُونِ) : يقال : أبق العبد يأبق إباقا وأبق يأبق إذا هرب. وعبد آبق وجمعه أباق ، وتأبق الرجل تشبه به فى الاستتار ، وقول الشاعر :

قد أحكمت حكمات القد والأبقا

قيل : هو القنب.

(إبل) : قال الله تعالى : (وَمِنَ الْإِبِلِ اثْنَيْنِ) الإبل يقع على البعران الكثيرة ولا واحد له من لفظه. وقوله تعالى : (أَفَلا يَنْظُرُونَ إِلَى الْإِبِلِ كَيْفَ خُلِقَتْ) قيل أريد بها السحاب ، فإن يكن ذلك صحيحا فعلى تشبيه السحاب بالإبل وأحواله بأحوالها. وأبل الوحشي يأبل أبولا وأبل أبلا اجتزأ عن الماء تشبها بالإبل فى صبرها عن الماء. وكذلك تأبل الرجل عن امرأته إذا ترك مقاربتها ، وأبل الرجل كثرت إبله. وفلان لا يأبل ، أي لا يثبت على الإبل إذا ركبها.

٦

ورجل آبل وأبل حسن القيام على إبله. وإبل مؤبلة مجموعة ، والإبالة الحزمة من الحطب تشبيها به. وقوله تعالى : (وَأَرْسَلَ عَلَيْهِمْ طَيْراً أَبابِيلَ) أي متفرقة كقطعات إبل الواحد أبيل.

(أتى) : الإتيان مجىء بسهولة ومنه قيل للسيل المار على وجهه أتى وأتاوى ، وبه شبه الغريب فقيل أتاوى. والإتيان يقال للمجيء بالذات وبالأمر وبالتدبير. ويقال فى الخير وفى الشر وفى الأعيان والأعراض نحو قوله تعالى : (إِنْ أَتاكُمْ عَذابُ اللهِ أَوْ أَتَتْكُمُ السَّاعَةُ) وقوله تعالى : (أَتى أَمْرُ اللهِ) وقوله : (فَأَتَى اللهُ بُنْيانَهُمْ مِنَ الْقَواعِدِ) أي بالأمر والتدبير ، نحو : (جاءَ رَبُّكَ) وعلى هذا النحو قول الشاعر :

أتيت المروءة من بابها

(فَلَنَأْتِيَنَّهُمْ بِجُنُودٍ لا قِبَلَ لَهُمْ بِها) وقوله : (لا يَأْتُونَ الصَّلاةَ إِلَّا وَهُمْ كُسالى) أي لا يتعاطون. وقوله : (يَأْتِينَ الْفاحِشَةَ) وفى قراءة عبد الله : تأتى الفاحشة ، فاستعمال الإتيان منها كاستعمال المجيء فى قوله : (لَقَدْ جِئْتِ شَيْئاً فَرِيًّا) يقال : أتيته وأتوته ، ويقال للسقاء إذا مخض وجاء زبده أتوة ، وتحقيقه جاء ما من شأنه أن يأتى منه فهو مصدر فى معنى الفاعل. وهذه أرض كثيرة الإيتاء أي الريع ، وقوله تعالى : (مَأْتِيًّا) : مفعول من أتيته. قال بعضهم معناه آتيا فجعل المفعول فاعلا وليس كذلك بل يقال أتيت الأمر وأتانى الأمر ، ويقال أتيته بكذا وآتيته كذا ، قال تعالى : (وَأُتُوا بِهِ مُتَشابِهاً) وقال : (فَلَنَأْتِيَنَّهُمْ بِجُنُودٍ لا قِبَلَ لَهُمْ بِها) وقال : (وَآتَيْناهُمْ مُلْكاً عَظِيماً) وكل موضع ذكر فى وصف الكتاب آتينا فهو أبلغ من كل موضع ذكر فيه أتوا لأن أوتوا قد يقال إذا أولى من لم يكن منه قبول ، وآتيناهم يقال فيمن كان منه قبول ، وقوله : (آتُونِي زُبَرَ الْحَدِيدِ) وقرأه حمزة موصولة أي جيئونى ، والإيتاء الإعطاء وخص دفع الصدقة فى القرآن بالإيتاء نحو : (أَقامُوا الصَّلاةَ وَآتَوُا الزَّكاةَ) ـ (وَإِقامَ الصَّلاةِ وَإِيتاءَ الزَّكاةِ) ـ (وَلا يَحِلُّ لَكُمْ أَنْ تَأْخُذُوا مِمَّا آتَيْتُمُوهُنَّ شَيْئاً) ـ (وَلَمْ يُؤْتَ سَعَةً مِنَ الْمالِ)

٧

(أث) : الأثاث متاع البيت الكثير ، وأصله من أث أي كثر وتكاثف. وقيل للمال كله إذا كثر أثاث ، ولا واحد له كالمتاع ، وجمعه أثاث. ونساء أثاث كثيرات اللحم كأن عليهن أثاث ، وتأثث فلان أصاب أثاثا.

(أثر) : أثر الشيء حصول ما يدل على وجوده ، يقال أثر وأثر ، والجمع الآثار ، قال تعالى : (ثُمَّ قَفَّيْنا عَلى آثارِهِمْ بِرُسُلِنا) ـ (وَآثاراً فِي الْأَرْضِ) وقوله : (فَانْظُرْ إِلى آثارِ رَحْمَتِ اللهِ) ومن هذا يقال للطريق المستدل به على من تقدم آثار ، نحو قوله تعالى : (فَهُمْ عَلى آثارِهِمْ يُهْرَعُونَ) وقوله : (هُمْ أُولاءِ عَلى أَثَرِي). ومنه سمنت الإبل أي على أثارة أثر من شحم ، وأثرت البعير جعلت على خفه أثرة أي علامة تؤثر فى الأرض ليستدل بها على أثره ، وتسمى الحديدة التي يعمل بها ذلك المئثرة. وأثر السيف أثر جودته وهو الفرند ، وسيف مأثور ، وأثرت العلم رويته ، آثره أثرا وإثارة وأثرة ، وأصله تتبعت أثره. وأثارة من علم ، وقرئ أثرة وهو ما يروى أو يكتب فيبقى له أثر ، والمآثر. ما يروى من مكارم الإنسان. ويستعار الأثر للفضل والإيثار للتفضل ومنه آثرته ، وقوله تعالى : (وَيُؤْثِرُونَ عَلى أَنْفُسِهِمْ) وقال : (تَاللهِ لَقَدْ آثَرَكَ اللهُ عَلَيْنا) ـ (بَلْ تُؤْثِرُونَ الْحَياةَ الدُّنْيا) وفى الحديث : «سيكون بعدي أثرة» أي يستأثر بعضكم على بعض. والاستئثار التفرد بالشيء من دون غيره ، وقولهم : استأثر الله بفلان كناية عن موته ، تنبيه أنه ممن اصطفاه وتفرد تعالى به من دون الورى تشريفا له ، ورجل أثر يستأثر على أصحابه ، وحكى اللحياني : خذه آثرا ما ، وأثرا ما ، وآثر ذى أثير.

(أثل) : قال تعالى : (ذَواتَيْ أُكُلٍ خَمْطٍ وَأَثْلٍ وَشَيْءٍ مِنْ سِدْرٍ قَلِيلٍ) أثل : شجر ثابت الأصل وشجر متأثل ثابت ثبوته وتأثل كذا ثبت ثبوته. وقوله صلى‌الله‌عليه‌وسلم فى الوصي «غير متأثل مالا» أي غير مقتن له ومدخر ، فاستعار التأثل له وعنه استعير : نحت أثلته ، إذا اغتبته.

(إثم) : الإثم والأثام اسم للأفعال المبطئة عن الثواب ، وجمعه آثام ، ولتضمنه لمعنى البطء قال الشاعر :

جمالية تغتلى بالروادف

إذا كذب الآثمات الهجيرا

٨

وقوله تعالى : (فِيهِما إِثْمٌ كَبِيرٌ وَمَنافِعُ لِلنَّاسِ) أي فى تناولهما إبطاء عن الخيرات. وقد أثم إثما وأثاما فهو آثم وأثم وأثيم ، وتأثم خرج من إثمه كقولهم تحوب خرج من حوبه وحرجه أي ضيقه. وتسمية الكذب إثما لكون الكذب من جملة الإثم ، وذلك كتسمية الإنسان حيوانا لكونه من جملته. وقوله تعالى : (أَخَذَتْهُ الْعِزَّةُ بِالْإِثْمِ) أي حملته عزته على فعل ما يؤثمه. (وَمَنْ يَفْعَلْ ذلِكَ يَلْقَ أَثاماً) أي عذابا ، فسماه أثاما لما كان منه. وذلك كتسمية النبات والشحم ندى لما كانا منه فى قول الشاعر :

تعلى الندى فى متنه وتحدرا

وقيل معنى يلق أثاما : أي يحمله ذلك على ارتكاب آثام وذلك لاستدعاء الأمور الصغيرة إلى الكبيرة. وعلى الوجهين حمل قوله تعالى : (فَسَوْفَ يَلْقَوْنَ غَيًّا) والآثم المتحمل الإثم ، قال تعالى : (آثِمٌ قَلْبُهُ) وقوبل الإثم بالبر فقال صلى‌الله‌عليه‌وسلم : «البر ما اطمأنت إليه النفس ، والإثم ما حاك فى صدرك»

وهذا القول منه حكم البر والإثم لا تفسيرهما. وقوله تعالى : (مُعْتَدٍ أَثِيمٍ) أي آثم ، وقوله : (يُسارِعُونَ فِي الْإِثْمِ وَالْعُدْوانِ) قيل : أشار بالإثم إلى نحو قوله : (وَمَنْ لَمْ يَحْكُمْ بِما أَنْزَلَ اللهُ فَأُولئِكَ هُمُ الْكافِرُونَ) وبالعدوان إلى قوله : (وَمَنْ لَمْ يَحْكُمْ بِما أَنْزَلَ اللهُ فَأُولئِكَ هُمُ الظَّالِمُونَ) فالإثم أعم من العدوان.

(أج) : قال تعالى : (هذا عَذْبٌ فُراتٌ وَهذا مِلْحٌ أُجاجٌ) شديد الملوحة والحرارة من قولهم أجيج النار وأجتها وقد أجت. وائتج النهار. ويأجوج ومأجوج منه شبهوا بالنار المضطرمة والمياه المتموجة لكثرة اضطرابهم ، وأج الظليم إذا عدا أجيجا تشبيها بأجيج النار.

(أجر) : الأجر والأجرة ما يعود من ثواب العمل دنيويا كان أو أخرويا نحو قوله تعالى : (إِنْ أَجْرِيَ إِلَّا عَلَى اللهِ) ـ (وَآتَيْناهُ أَجْرَهُ فِي الدُّنْيا وَإِنَّهُ فِي الْآخِرَةِ لَمِنَ الصَّالِحِينَ) ـ (وَلَأَجْرُ الْآخِرَةِ خَيْرٌ لِلَّذِينَ آمَنُوا) والأجرة فى الثواب الدنيوي ، وجمع الأجر أجور. وقوله : (آتُوهُنَّ أُجُورَهُنَ) كناية عن المهور ، والأجر والأجرة يقال فيما كان عن عقد وما يجرى مجرى العقد ولا يقال إلا فى النفع دون الضر نحو قوله : (فَلَهُمْ أَجْرُهُمْ عِنْدَ رَبِّهِمْ) وقوله تعالى : (فَأَجْرُهُ عَلَى اللهِ)

٩

والجزاء يقال فيما كان عن عقد وغير عقد ويقال فى النافع والضار نحو قوله : (وَجَزاهُمْ بِما صَبَرُوا جَنَّةً وَحَرِيراً) وقوله : (فَجَزاؤُهُ جَهَنَّمُ) يقال أجر زيد عمرا يأجره أجرا أعطاه الشيء بأجرة وأجر عمرو زيدا أعطاه الأجرة ، قال تعالى : (عَلى أَنْ تَأْجُرَنِي ثَمانِيَ حِجَجٍ) وآجر كذلك والفرق بينهما أن أجرته يقال إذا اعتبر فعل أحدهما ، وآجرته يقال إذا اعتبر فعلاهما وكلاهما يرجعان إلى معنى واحد. ويقال آجره الله وأجره الله ، والأجير فعيل بمعنى فاعل أو مفاعل ، والاستئجار طلب الشيء بالأجرة ، ثم يعبر به عن تناوله بالأجرة نحو الاستيجاب فى استعارته الإيجاب ، وعلى هذا قوله : (اسْتَأْجِرْهُ إِنَّ خَيْرَ مَنِ اسْتَأْجَرْتَ الْقَوِيُّ الْأَمِينُ).

(أجل) : الأجل : المدة المضروبة للشيء ، قال تعالى. (لِتَبْلُغُوا أَجَلاً مُسَمًّى) ـ (أَيَّمَا الْأَجَلَيْنِ قَضَيْتُ) ويقال دينه مؤجل وقد أجلته جعلت له أجلا ، ويقال للمدة المضروبة لحياة الإنسان أجل فيقال دنا أجله عبارة عن دنو الموت : وأصله استيفاء الأجل أي مدة الحياة ، وقوله تعالى : (وَبَلَغْنا أَجَلَنَا الَّذِي أَجَّلْتَ لَنا) أي حد الموت. وقيل حد الهرم وهما واحد فى التحقيق. وقوله : (ثُمَّ قَضى أَجَلاً وَأَجَلٌ مُسَمًّى عِنْدَهُ) فالأول هو البقاء فى الدنيا ، والثاني البقاء فى الآخرة ، وقيل الأول هو البقاء فى الدنيا ، والثاني مدة ما بين الموت إلى النشور ، عن الحسن. وقيل : الأول للنوم والثاني للموت ، إشارة إلى قوله : (اللهُ يَتَوَفَّى الْأَنْفُسَ حِينَ مَوْتِها وَالَّتِي لَمْ تَمُتْ فِي مَنامِها) عن ابن عباس. وقيل الأجلان جميعا للموت ، فمنهم من أجله بعارض كالسيف والحرق والغرق وكل شىء غير موافق وغير ذلك من الأسباب المؤدية إلى قطع الحياة ، ومنهم من يوقى ويعافى حتى يأتيه الموت حتف أنفه ، وهذان هما المشار إليهما بقوله : «من أخطأته سهم الرزية لم تخطه سهم المنية». وقيل للناس أجلان ، منهم من يموت عبطة ، ومنهم من يبلغ حدا لم يجعل الله فى طبيعة الدنيا أن يبقى أحد أكثر منه فيها ، وإليها أشار بقوله تعالى : (وَمِنْكُمْ مَنْ يُتَوَفَّى وَمِنْكُمْ مَنْ يُرَدُّ إِلى أَرْذَلِ الْعُمُرِ) وقصدهما الشاعر بقوله :

رأيت المنايا خبط عشواء من تصب

تمته .....................

١٠

وقوله الآخر :

من لم يمت عبطة يمت هرما

والآجل ضد العاجل ، والأجل : الجناية التي يخاف منها آجلا. فكل أجل جناية وليس كل جناية أجلا ، يقال فعلت كذا من أجله ، قال تعالى : (مِنْ أَجْلِ ذلِكَ كَتَبْنا عَلى بَنِي إِسْرائِيلَ) أي من جراء ، وقرئ من إجل ذلك بالكسر أي من جناية ذلك ، ويقال أجل فى تحقيق خير سمعته ، وبلوغ الأجل فى قوله تعالى : (إِذا طَلَّقْتُمُ النِّساءَ فَبَلَغْنَ أَجَلَهُنَّ فَأَمْسِكُوهُنَ) هو المدة المضروبة بين الطلاق وبين انقضاء العدة. وقوله : (فَبَلَغْنَ أَجَلَهُنَّ فَلا تَعْضُلُوهُنَ) إشارة إلى حين انقضاء العدة ، وحينئذ (فَلا جُناحَ عَلَيْكُمْ فِيما فَعَلْنَ فِي أَنْفُسِهِنَ).

(أحد) : أحد يستعمل على ضربين ، أحدهما فى النفي فقط ، والثاني فى الإثبات. فأما المختص بالنفي فلاستغراق جنس الناطقين ، ويتناول القليل والكثير على طريق الاجتماع والافتراق نحو : ما فى الدار أحد ، أي واحد ، ولا اثنان فصاعدا ، لا مجتمعين ولا متفرقين. ولهذا المعنى لم يصح استعماله فى الإثبات لأن نفى المتضادين يصح ولا يصح إثباتهما ، فلو قيل فى الدار واحد لكان فيه إثبات واحد منفرد مع إثبات ما فوق الواحد مجتمعين ومفترقين ، وذلك ظاهر لا محالة ، ولتناول ذلك ما فوق الواحد يصح أن يقال ما من أحد فاضلين كقوله تعالى : (فَما مِنْكُمْ مِنْ أَحَدٍ عَنْهُ حاجِزِينَ) وأما المستعمل فى الإثبات فعلى ثلاثة أوجه : الأول فى الواحد المضموم إلى العشرات نحو : أحد عشر ، وأحد وعشرين ، والثاني أن يستعمل مضافا أو مضافا إليه بمعنى الأول كقوله تعالى : (أَمَّا أَحَدُكُما فَيَسْقِي رَبَّهُ خَمْراً) وقولهم يوم الأحد أي يوم الأول ويوم الاثنين. والثالث أن يستعمل مطلقا وصفا وليس ذلك إلا فى وصف الله تعالى بقوله : (قُلْ هُوَ اللهُ أَحَدٌ) وأصله وحد ولكن وحد يستعمل فى غيره نحو قول النابغة :

كأن رجلى وقد زال النهار بنا

بذي الجليل على مستأنس وحد

(أخذ) : الأخذ حوز الشيء وتحصيله ، وذلك تارة بالتناول نحو : (مَعاذَ اللهِ أَنْ نَأْخُذَ إِلَّا مَنْ وَجَدْنا مَتاعَنا عِنْدَهُ) وتارة بالقهر نحو قوله : (لا تَأْخُذُهُ سِنَةٌ

١١

وَلا نَوْمٌ لَهُ) ويقال : أخذته الحمى وقال تعالى : (أَخَذَ الَّذِينَ ظَلَمُوا الصَّيْحَةُ) ـ (فَأَخَذَهُ اللهُ نَكالَ الْآخِرَةِ وَالْأُولى) وقال : (وَكَذلِكَ أَخْذُ رَبِّكَ إِذا أَخَذَ الْقُرى) ويعبر عن الأسير بالمأخوذ والأخيذ. والاتخاذ افتعال منه ويعدى إلى مفعولين ، ويجرى مجرى الجعل نحو قوله : (لا تَتَّخِذُوا الْيَهُودَ وَالنَّصارى أَوْلِياءَ) ـ (وَاتَّخَذُوا مِنْ دُونِهِ آلِهَةً) ـ (فَاتَّخَذْتُمُوهُمْ سِخْرِيًّا) ـ (أَأَنْتَ قُلْتَ لِلنَّاسِ اتَّخِذُونِي وَأُمِّي إِلهَيْنِ مِنْ دُونِ اللهِ) وقوله تعالى : (وَلَوْ يُؤاخِذُ اللهُ النَّاسَ بِظُلْمِهِمْ) فتخصيص لفظ المؤاخذة تنبيه على معنى المجازاة والمقابلة لما أخذوه من النعم فلم يقابلوه بالشكر. ويقال فلان مأخوذ ، وبه أخذة من الجن ، وفلان يأخذ مأخذ فلان ، أي يفعل فعله ويسلك مسلكه. ورجل أخذ ، وبه. أخذ ، كناية عن الرمد. والإخاذة والإخاذ أرض يأخذها الرجل لنفسه ، وذهبوا ومن أخذ أخذهم وأخذهم.

(أخ) : الأصل أخو وهو المشارك آخر فى الولادة من الطرفين أو من أحدهما أو من الرضاع. ويستعار فى كل مشارك لغيره فى القبيلة أو فى الدين أو فى صنعة أو فى معاملة أو فى مودة وفى غير ذلك من المناسبات ، قوله تعالى : (لا تَكُونُوا كَالَّذِينَ كَفَرُوا وَقالُوا لِإِخْوانِهِمْ) أي لمشاركيهم فى الكفر ، وقال : (إِنَّمَا الْمُؤْمِنُونَ إِخْوَةٌ) ـ (أَيُحِبُّ أَحَدُكُمْ أَنْ يَأْكُلَ لَحْمَ أَخِيهِ مَيْتاً) وقوله : (فَإِنْ كانَ لَهُ إِخْوَةٌ) أي إخوان وأخوات ، وقوله تعالى (إِخْواناً عَلى سُرُرٍ مُتَقابِلِينَ) تنبيه على انتفاء المخالفة من بينهم. والأخت تأنيث الأخ. وجعل التاء فيه كالعوض من المحذوف منه. وقوله : (يا أُخْتَ هارُونَ) يعنى أخته فى الصلاح لا فى النسبة ، وذلك كقولهم : يا أخا تميم وقوله : (أَخا عادٍ) سماه أخا تنبيها على إشفاقه عليهم شفقة الأخ على أخيه ، وعلى هذا قوله : (وَإِلى ثَمُودَ أَخاهُمْ) ـ (وَإِلى عادٍ أَخاهُمْ) ـ (وَإِلى مَدْيَنَ أَخاهُمْ) وقوله : (وَما نُرِيهِمْ مِنْ آيَةٍ إِلَّا هِيَ أَكْبَرُ مِنْ أُخْتِها) أي من الآية التي تقدمتها ، وسماها أختا لها لاشتراكهما فى الصحة والإبانة والصدق. وقوله تعالى : (كُلَّما دَخَلَتْ أُمَّةٌ لَعَنَتْ أُخْتَها) فإشارة إلى أوليائهم المذكورين فى نحو قولهم (أَوْلِياؤُهُمُ الطَّاغُوتُ) وتأخيت أي تحريت تحرى الأخ للأخ. واعتبر من الإخوة معنى الملازمة ، فقيل أخيه الدابة.

(آخر) : يقابل به الأول ، وآخر يقابل به الواحد. ويعبر بالدار الآخرة عن النشأة الثانية كما يعبر بالدار الدنيا عن النشأة الأولى نحو : (وَإِنَّ الدَّارَ الْآخِرَةَ

١٢

لَهِيَ الْحَيَوانُ) وربما ترك ذكر الدار نحو قوله : (أُولئِكَ الَّذِينَ لَيْسَ لَهُمْ فِي الْآخِرَةِ إِلَّا النَّارُ) وقد توصف الدار بالآخرة تارة وتضاف إليها تارة نحو : (وَلَلدَّارُ الْآخِرَةُ خَيْرٌ لِلَّذِينَ يَتَّقُونَ) ـ (وَلَأَجْرُ الْآخِرَةِ أَكْبَرُ لَوْ كانُوا يَعْلَمُونَ) وتقدير الإضافة دار الحياة الآخرة. وأخر معدول عن تقدير ما فيه الألف واللام وليس له نظير فى كلامهم ، فإن أفعل من كذا إما أن يذكر معه من لفظا أو تقديرا فلا يثنى ولا يجمع ولا يؤنث ، وإما أن يحذف منه من فيدخل عليه الألف واللام فيثنى ويجمع. وهذه اللفظة من بين أخواتها جوز فيها ذلك من غير الألف واللام ، والتأخير مقابل للتقديم ، قال تعالى (بِما قَدَّمَ وَأَخَّرَ) ـ (ما تَقَدَّمَ مِنْ ذَنْبِكَ وَما تَأَخَّرَ) ـ (إنما يؤخرهم ليوم تشخص فيه الأبصار) ـ (رَبَّنا أَخِّرْنا إِلى أَجَلٍ قَرِيبٍ) وبعته بأخرة أي بتأخير أجل كقوله : (نَظْرَةً). وقولهم : أبعد الله الأخر أي المتأخر عن الفضيلة وعن تحرى الحق.

(إذ) : قال تعالى : (لَقَدْ جِئْتُمْ شَيْئاً إِدًّا) أي أمرا منكرا يقع فيه جلبة ، من قولهم : أدت الناقة تئد أي رجعت حنينها ترجيعا شديدا. والأديد الجلبة ، وأد قيل من الود أو من أدت الناقة.

(أداء) : الأداء : دفع الحق دفعة وتوفيته كأداة الخراج والجزية ورد الأمانة قال تعالى : (فَلْيُؤَدِّ الَّذِي اؤْتُمِنَ أَمانَتَهُ) ـ (إِنَّ اللهَ يَأْمُرُكُمْ أَنْ تُؤَدُّوا الْأَماناتِ إِلى أَهْلِها) وقال : (وَأَداءٌ إِلَيْهِ بِإِحْسانٍ) وأصل ذلك من الأداة ، يقال : أدوات تفعل كذا أي احتلت وأصله تناولت الأداة التي بها يتوصل إليه ، واستأديت على فلان نحو استعديت.

(آدم) : أبو البشر ، قيل سمى بذلك لكون جسده من أديم الأرض ، وقيل لسمرة فى لونه يقال : رجل آدم نحو أسمر ، وقيل سمى بذلك لكونه من عناصر مختلفة وقوى متفرقة ، كما قال تعالى : (أَمْشاجٍ نَبْتَلِيهِ) ويقال : جعلت فلانا أدمة أهلى أي خلطته بهم ، وقيل سمى بذلك لما طيب به من الروح المنفوخ فيه المذكور فى قوله : (وَنَفَخْتُ فِيهِ مِنْ رُوحِي) : وجعل له به العقل والفهم والرواية التي فضل بها على غيره كما قال تعالى : (وَفَضَّلْناهُمْ عَلى كَثِيرٍ مِمَّنْ خَلَقْنا تَفْضِيلاً) وذلك من قولهم الإدام وهو ما يطيب به الطعام. وفى الحديث : «لو نظرت إليها فإنه أحرى أن يؤدم بينكما» أي يؤلف ويطيب.

١٣

(أذن) : الأذن الجارحة وشبه به من حيث الحلقة أذن القدر وغيرها ، ويستعار لمن كثر استماعه وقوله لما يسمع ، قال تعالى : (وَيَقُولُونَ هُوَ أُذُنٌ قُلْ أُذُنُ خَيْرٍ لَكُمْ) أي استماعه لما يعود بخيركم ، وقوله : (وَفِي آذانِهِمْ وَقْراً) إشارة إلى جهلهم لا إلى عدم سمعهم. وأذن استمع نحو قوله : (وَأَذِنَتْ لِرَبِّها وَحُقَّتْ) ويستعمل ذلك فى العلم الذي يتوصل إليه بالسماع نحو قوله : (فَأْذَنُوا بِحَرْبٍ مِنَ اللهِ وَرَسُولِهِ) والإذن والأذان لما يسمع ويعبر بذلك عن العلم إذ هو مبدأ كثير من العلم فينا ، قال تعالى : (ائْذَنْ لِي وَلا تَفْتِنِّي) وقال : (وَإِذْ تَأَذَّنَ رَبُّكَ) وأذنته بكذا وآذنته بمعنى. والمؤذن كل من يعلم بشيء نداء. قال : (ثُمَّ أَذَّنَ مُؤَذِّنٌ أَيَّتُهَا الْعِيرُ) ـ (فَأَذَّنَ مُؤَذِّنٌ بَيْنَهُمْ) ـ (وَأَذِّنْ فِي النَّاسِ بِالْحَجِ) والأذين المكان الذي يأتيه الأذان ، والإذن فى الشيء : إعلام بإجازته والرخصة فيه نحو : (وَما أَرْسَلْنا مِنْ رَسُولٍ إِلَّا لِيُطاعَ بِإِذْنِ اللهِ) أي بإرادته وأمره. وقوله : (وَما أَصابَكُمْ يَوْمَ الْتَقَى الْجَمْعانِ فَبِإِذْنِ اللهِ) وقوله : ـ (وَما هُمْ بِضارِّينَ بِهِ مِنْ أَحَدٍ إِلَّا بِإِذْنِ اللهِ) ـ (وَلَيْسَ بِضارِّهِمْ شَيْئاً إِلَّا بِإِذْنِ اللهِ) قيل معناه بعلمه. لكن بين العلم والإذن فرق فإن الإذن أخص ولا يكاد يستعمل إلا فيما فيه مشيئة به راضيا منه الفعل أم لم يرض به ، فإن قوله : (وَما كانَ لِنَفْسٍ أَنْ تُؤْمِنَ إِلَّا بِإِذْنِ اللهِ) فمعلوم أن فيه مشيئته وأمره. وقوله : (وَما هُمْ بِضارِّينَ بِهِ مِنْ أَحَدٍ إِلَّا بِإِذْنِ اللهِ) ، ففيه مشيئته من وجه وهو أنه لا خلاف أن الله تعالى أوجد فى الإنسان قوة فيها إمكان قبول الضرب من جهة من يظلمه فيضره ولم يجعله كالحجر الذي لا يوجعه الضرب ، ولا خلاف أن إيجاد هذا الإمكان من فعل الله ، فمن هذا الوجه يصح أن يقال إنه بإذن الله ومشيئته يلحق الضرر من جهة الظالم ، ولبسط هذا الكلام كتاب غير هذا والاستئذان طلب الإذن ، قال تعالى : (إِنَّما يَسْتَأْذِنُكَ الَّذِينَ لا يُؤْمِنُونَ بِاللهِ) ـ (فَإِذَا اسْتَأْذَنُوكَ) وإذن جواب وجزاء ، ومعنى ذلك أنه يقتضى جوابا أو تقدير جواب ويتضمن ما يصحبه من الكلام جزاء ومتى صدر به الكلام وتعقبه فعل مضارع ينصبه لا محالة نحو : إذن أخرج ، ومتى تقدمه كلام ثم تبعه فعل مضارع يجوز نصبه ورفعه نحو : أنا إذن أخرج وأخرج ، ومتى تأخر عن الفعل أو لم يكن معه الفعل المضارع لم يعمل نحو : أنا أخرج إذن ، قال تعالى : (إِنَّكُمْ إِذاً مِثْلُهُمْ).

(أذى) : الأذى ما يصلى إلى الحيوان من الضرر إما فى نفسه أو جسمه أو تبعاته

١٤

دنيويا كان أو أخرويا ، قال تعالى : (لا تُبْطِلُوا صَدَقاتِكُمْ بِالْمَنِّ وَالْأَذى) قوله تعالى : (فَآذُوهُما) إشارة إلى الضرب ، ونحو ذلك فى سورة التوبة (وَمِنْهُمُ الَّذِينَ يُؤْذُونَ النَّبِيَّ وَيَقُولُونَ هُوَ أُذُنٌ) ـ (وَالَّذِينَ يُؤْذُونَ رَسُولَ اللهِ لَهُمْ عَذابٌ أَلِيمٌ) ـ (لا تَكُونُوا كَالَّذِينَ آذَوْا مُوسى) ـ (وَأُوذُوا حَتَّى أَتاهُمْ نَصْرُنا) وقال : (لِمَ تُؤْذُونَنِي) وقوله : (يَسْئَلُونَكَ عَنِ الْمَحِيضِ قُلْ هُوَ أَذىً) فسمى ذلك أذى باعتبار الشرع وباعتبار الطلب على حسب ما يذكره أصحاب هذه الصناعة. يقال : آذيته أوذيه إيذاء وأذى ، ومنه الأذى وهو الموج المؤذى لركاب البحر.

(إذا) : يعبر به عن كل زمان مستقبل ، وقد يضمن معنى الشرط فيجزم به ، وذلك فى الشعر أكثر. وإذ يعبر به عن الزمان الماضي ولا تجازى به إلا إذا ضم إليه «ما» نحو :

إذ ما أتيت على الرسول فقل له

(أرب) : الأرب فرط الحاجة المقتضى للاحتيال فى دفعه ، فكل أرب حاجة وليس كل حاجة أربا. ثم يستعمل تارة فى الحاجة المفردة وتارة فى الاحتيال وإن لم يكن حاجة كقولهم : فلان ذو أرب وأريب أي ذو احتيال ، وقد أرب إلى كذا أي احتاج إليه حاجة شديدة ، وقد أرب إلى كذا أربا وأربة وإربة ومأربة ، قال تعالى : (وَلِيَ فِيها مَآرِبُ أُخْرى) ولا أرب لى فى كذا ، أي ليس بي شدة حاجة إليه. وقوله : (أُولِي الْإِرْبَةِ مِنَ الرِّجالِ) كناية عن الحاجة إلى النكاح ، وهى الأربى للداهية المقتضية للاحتيال ، وتسمى الأعضاء التي تشتد الحاجة إليها آرابا ، الواحد أرب ، وذلك أن الأعضاء ضربان ، ضرب أوجد لحاجة الحيوان إليه كاليد والرجل والعين ، وضرب للزينة كالحاجب واللحية. ثم التي للحاجة ضربان : ضرب لا تشتد إليه الحاجة ، وضرب تشتد إليه الحاجة حتى لو توهم مرتفعا لا ختل البدن به اختلالا عظيما ، وهى التي تسمى آرابا. وروى أنه عليه الصلاة والسلام قال : «إذا سجد العبد سجد معه سبعة آراب : وجهه وكفاه وركبتاه وقدماه» ويقال أرّب نصيبه أي عظمه ، وذلك إذا جعله قدرا يكون له فيه أرب ، ومنه أرب ماله أي كثر ، وأربت العقدة أحكمتها.

١٥

(أرض) : الأرض الجرم المقابل للسماء وجمعه أرضون ولا تجىء ، مجموعة فى القرآن ، ويعبر بها عن أسفل الشيء كما يعبر بالسماء عن أعلاه ، قال الشاعر فى صفة فرس :

وأحمر كالديباج أما سماؤها

فريا وأما أرضها فمحول

وقوله تعالى : (اعْلَمُوا أَنَّ اللهَ يُحْيِ الْأَرْضَ بَعْدَ مَوْتِها) عبارة عن كل تكوين بعد إفساد ، وعود بعد بدء ، ولذلك قال بعض المفسرين يعنى به تليين القلوب بعد. قساوتها. ويقال أرض أريضة أي حسنة النبت وتأرض النبت تمكن على الأرض فكثر ، وتأرض الجدى إذا تناول نبت الأرض ، والأرضة الدودة التي تقع فى الخشب من الأرض ، يقال أرضت الخشبة فهى مأروضة.

(أريك) : الأريكة حجلة على سرير جمعها أرائك ؛ وتسميتها بذلك إما لكونها فى الأرض متخذة من أراك وهو شجرة أو لكونها مكانا للإقامة من قولهم : أرك بالمكان أروكا ، وأصل الأروك الإقامة على رعى الأراك ثم تجوز به فى غيره من الإقامات.

(أرم) : الإرم علم يبنى من الحجارة وجمعه آرام ، وقيل للحجارة أرم ، ومنه قيل للمتغيظ يحرق الأرم ، وقوله تعالى : (إِرَمَ ذاتِ الْعِمادِ) إشارة إلى أعمدة مرفوعة مزخرفة ، وما بها أرم وأريم أي أحد وأصله اللازم للازم وخص به النفي كقولهم : ما بها ديّار. وأصله للمقيم فى الدار.

(أز) : قال تعالى : (تَؤُزُّهُمْ أَزًّا) أي ترجعهم إرجاع القدر إذا أزت أي اشتد غليانها. وروى أنه عليه الصلاة والسلام كان يصلى ولجوفه أزيز كأزيز المرجل ، وأزه أبلغ مع هزه.

(أزر) : أصل الأزر الإزار الذي هو اللباس ، يقال إزار وإزارة ومئزر ويكنى بالإزار عن المرأة ، قال الشاعر :

ألا بلغ أبا حفص رسولا

فدى لك من أخى ثقة إزارى

١٦

وتسميتها بذلك لما قال تعالى : (هُنَّ لِباسٌ لَكُمْ وَأَنْتُمْ لِباسٌ لَهُنَ) وقوله تعالى : (اشْدُدْ بِهِ أَزْرِي) أي أتقوى به. والأزر القوة الشديدة ، وآزره أعانه وقواه وأصله من شد الإزار ، قال تعالى : (كَزَرْعٍ أَخْرَجَ شَطْأَهُ فَآزَرَهُ) يقال آزرته فتأزر أي شددت إزاره وهو حسن الأزرة ، وأزرت البناء وآزرته قويت أسافله ، وتأزر النبات طال وقوى ، وآزرته ووازرته صرت وزيره وأصله الواو. وفرس آزر انتهى بياض قوائمه إلى موضع شد الإزار. قال تعالى : (وَإِذْ قالَ إِبْراهِيمُ. لِأَبِيهِ آزَرَ) قيل كان اسم أبيه تارخ فعرب فجعل آزر وقيل آزر معناه الضال فى كلامهم.

(أزف) : قال تعالى : (أَزِفَتِ الْآزِفَةُ) أي دنت القيامة وأزف وأفد يتقاربان لكن أزف يقال اعتبارا بضيق وقتها ، ويقال أزف الشخوص والأزف ضيق الوقت وسميت به لقرب كونها وعلى ذلك عبر عنها بساعة ، وقيل : (أَتى أَمْرُ اللهِ) فعبر عنها بلفظ الماضي لقربها وضيق وقتها ، قال تعالى : (وَأَنْذِرْهُمْ يَوْمَ الْآزِفَةِ).

(أس) : أسس بنيانه جعل له أسا وهو قاعدته التي يبتنى عليها ، يقال أس وأساس ، وجمع الأس إساس وجمع الأساس أسس ، يقال كان ذلك على أس الدهر كقولهم على وجه الدهر.

(أسف) : الأسف الحزن والغضب معا. وقد يقال لكل واحد منهما على الانفراد وحقيقته ثوران دم القلب شهوة الانتقام ، فمتى كان ذلك على من دونه انتشر فصار غضبا ، ومتى كان على من فوقه انقبض فصار حزنا ، ولذلك سئل ابن عباس عن الحزن والغضب فقال مخرجهما واحد واللفظ مختلف ، فمن نازع من يقوى عليه أظهره غيظا وغضبا ، ومن نازع من لا يقوى عليه أظهره حزنا وجزعا ، وبهذا النظر قال الشاعر :

فحزن كل أخى حزن أخو الغضب

وقوله تعالى : (فَلَمَّا آسَفُونا انْتَقَمْنا مِنْهُمْ) أي أغضبونا ، قال أبو عبد الله الرضا : إنّ الله لا يأسف كأسفنا ولكن له أولياء يأسفون ويرضون فجعل رضاهم رضاه وغضبهم غضبه ، قال : وعلى ذلك قال : من أهان لى وليا فقد

١٧

بارزني بالمحاربة وقال تعالى : (مَنْ يُطِعِ الرَّسُولَ فَقَدْ أَطاعَ اللهَ) وقوله : (غَضْبانَ أَسِفاً) والأسف الغضبان ، ويستعار للمستخدم المسخر ولمن لا يكاد يسمى فيقال هو أسف.

(أسر) : الأسرة الشد بالقيد من قولهم : أسرت القتب وسمى الأسير بذلك ثم وقيل لكل مأخوذ ومقيد وإن لم يكن مشدودا ذلك ، وقيل فى جمعه أسارى وأسارى وأسرى. وقال تعالى : (وَيَتِيماً وَأَسِيراً) ويتجوز به فيقال أنا أسير نعمتك وأسرة الرجل من يتقوى به. قال تعالى : (وَشَدَدْنا أَسْرَهُمْ) إشارة إلى حكمته تعالى فى تراكيب الإنسان المأمور بتأملها وتدبرها فى قوله تعالى : (وَفِي أَنْفُسِكُمْ أَفَلا تُبْصِرُونَ) والأسر احتباس البول ورجل مأسور أصابه أسر كأنه سد منفذ بوله ، والأسر فى البول كالحصر فى الغائط.

(أسن) : يقال : أسن الماء يأسن وأسن يأسن إذا تغير ريحه تغيرا منكرا ، وماء آسن قال تعالى : (مِنْ ماءٍ غَيْرِ آسِنٍ) وأسن الرجل مرض من أسن الماء إذا غشى عليه ، قال الشاعر :

يميد فى الرمح ميد المائح الأسن

وقيل تأسن الرجل إذا اعتل تشبيها به.

(أسا) : الأسوة والإسوة كالقدرة والقدوة وهى الحالة التي يكون الإنسان عليها فى اتباع غيره إن حسنا وإن قبيحا وإن سارا وإن ضارا ، ولهذا قال تعالى : (لَقَدْ كانَ لَكُمْ فِي رَسُولِ اللهِ أُسْوَةٌ حَسَنَةٌ) فوصفها بالحسنة ، ويقال تأسيت به. والأسى الحزن وحقيقته إتباع الفائت بالغم يقال أسيت عليه أسى وأسيت له ، قال تعالى : (فَلا تَأْسَ عَلَى الْقَوْمِ الْكافِرِينَ).

وقال الشاعر :

أسيت لأخوالى ربيعة

وأصله من الواو لقولهم رجل أسوان أي حزين والأسو إصلاح الجرح وأصله إزالة الأسى نحو : كربت النخل أزلت الكرب عنه. وقد أسوته أسوؤه

١٨

أسوا ، والآسى طبيب الجرح جمعه أساء وأساة ، والمجروح مأسى وأسى معا ، ويقال أسيت بين القوم أي أصلحت وآسيته ، قال الشاعر :

آسى أخاه بنفسه

وقال آخر :

فآسى وآذاه فكان كمن جنى

وآسى هو فاعل من قولهم يواسى.

وقول الشاعر :

يكفون أثقال ثأى المستأسى

فهو مستفعل من ذلك. فأما الإساءة فليست من هذا الباب وإنما هى منقولة عن ساء.

(أشر) : الأشر شدة البطر وقد أشر يأشر أشرا ، قال تعالى : (سَيَعْلَمُونَ غَداً مَنِ الْكَذَّابُ الْأَشِرُ) فالأشر أبلغ من البطر والبطر أبلغ من الفرح فإن الفرح وإن كان فى أغلب أحواله مذموما لقوله تعالى : (إِنَّ اللهَ لا يُحِبُّ الْفَرِحِينَ) فقد يحمد تارة إذا كان على قدر ما يجب وفى الموضع الذي يجب كما قال تعالى : (فَبِذلِكَ فَلْيَفْرَحُوا) وذلك أن الفرح قد يكون من سرور بحسب قضية العقل والأشر لا يكون إلا فرحا بحسب قضية الهوى. ويقال ناقة مئشير أي نشيطة على طريق التشبيه أو ضامر من قولهم أشرت الخشبة.

(أصر) : الإصر عقد الشيء وحبسه بقهره يقال أصرته فهو مأصور والمأصر والمأصر محبس السفينة قال تعالى : (وَيَضَعُ عَنْهُمْ إِصْرَهُمْ) أي الأمور التي تثبطهم وتقيدهم عن الخيرات وعن الوصول إلى الثوابات ، وقال تعالى : (وَلا تَحْمِلْ عَلَيْنا إِصْراً) وقيل ثقلا وتحقيقه ما ذكرت والإصر العهد المؤكد الذي يثبت ناقصه عن الثواب والخيرات ، قال تعالى : (أَأَقْرَرْتُمْ وَأَخَذْتُمْ عَلى ذلِكُمْ إِصْرِي) الإصار الطنب والأوتاد التي بها يعمد البيت وما يأصرنى عنك شىء أي ما يحبسنى والأيصر كساء يشد فيه الحشيش فيثنى على السنام ليمكن ركوبه.

(إصبع) : الإصبع اسم يقع على السلامى والظفر والأنملة والأطرة والبرجمة معا ، ويستعار للأثر الحسى فيقال لك على فلان إصبع كقولك لك عليه يد.

١٩

(أصل) : بالغدو والآصال أي العشايا ، يقال للعشية أصيل وأصيلة فجمع الأصيل أصل وآصال وجمع الأصيلة أصائل وقال تعالى (بُكْرَةً وَأَصِيلاً) وأصل الشيء قاعدته التي لو توهمت مرتفعة لارتفع بارتفاعه سائره لذلك قال تعالى : (أَصْلُها ثابِتٌ وَفَرْعُها فِي السَّماءِ) وقد تأصل كذا ، ومجد أصيل ، وفلان لا أصل له ، ولا فصل.

(أف) : أصل الأف مستقذر من وسخ وقلامة ظفر وما يجرى مجراهما ويقال ذلك لكل متخفف استقذار له نحو قوله تعالى : (أُفٍّ لَكُمْ وَلِما تَعْبُدُونَ مِنْ دُونِ اللهِ) وقد أفقت لكذا إذا قلت ذلك استقذارا له ومنه قيل للضجر من استقذار شىء أفف فلان.

(أفق) : قال تعالى : (سَنُرِيهِمْ آياتِنا فِي الْآفاقِ) أي فى النواحي ، الواحد أفق وأفق ويقال فى النسبة إليه أفقى ، وقد أفق فلان إذا ذهب فى الآفاق ، وقيل الآفاق الذي يبلغ النهاية فى الكرم تشبيها بالأفق الذاهب فى الآفاق.

(أفك) : الإفك كل مصروف عن وجهه الذي يحق أن يكون عليه ومنه قيل للرياح العادلة عن المهاب مؤتفكة قال تعالى : (وَالْمُؤْتَفِكاتُ بِالْخاطِئَةِ) وقال تعالى : (وَالْمُؤْتَفِكَةَ أَهْوى) وقال تعالى : (قاتَلَهُمُ اللهُ أَنَّى يُؤْفَكُونَ) أي يصرفون عن الحق فى الاعتقاد إلى الباطل ومن الصدق فى المقال إلى الكذب ومن الجميل فى الفعل إلى القبيح ، ومنه قوله تعالى : (يُؤْفَكُ عَنْهُ مَنْ أُفِكَ) ـ (أَنَّى يُؤْفَكُونَ) وقوله تعالى : (أَجِئْتَنا لِتَأْفِكَنا عَنْ آلِهَتِنا) فاستعملوا الإفك فى ذلك لما اعتقدوا أن ذلك صرف من الحق إلى الباطل فاستعمل ذلك فى الكذب لما قلنا. وقال تعالى : (إِنَّ الَّذِينَ جاؤُ بِالْإِفْكِ عُصْبَةٌ مِنْكُمْ) وقال تعالى : (لِكُلِّ أَفَّاكٍ أَثِيمٍ) وقوله تعالى : (أَإِفْكاً آلِهَةً دُونَ اللهِ تُرِيدُونَ) فيصح أن يجعل تقديره أتريدون آلهة من الإفك ، ويصح أن يجعل إفكا مفعول تريدون ويجعل آلهة بدلا منه ويكون قد سماهم إفكا ، ورجل مأفوك مصروف عن الحق إلى الباطل ، قال الشاعر :

فإن تك عن أحسن المروءة مأفو

كا ففي آخرين قد أفكوا

٢٠